الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
من يقسم ويقسم فيه وعليه

( قال الشافعي ) رحمه الله : يحلف في القسامة الوارث البالغ غير المغلوب على عقله من كان منهم مسلما أو كافرا عدلا أو غير عدل ومحجورا عليه . والقسامة في المسلمين على المشركين والمشركين على [ ص: 98 ] المسلمين والمشركين فما بينهم مثلها على المسلمين لا تختلف ; لأن كلا ولي دمه ووارث دية المقتول وماله إلا أنا لا نقبل شهادة مشرك على مسلم ولا نستدل بقوله بحال ; لأن حكم الإسلام إبطال أخذ الحقوق بشهادة المشركين ( قال الشافعي ) ولسيد العبد القسامة في العبد وجبت القسامة له على الأحرار أو عبيدهم غير أن الدية على الأحرار في أموالهم وعواقلهم ، والديات في رقاب العبيد ودية العبد ثمنه ما كان ، وإذا وجبت القسامة في عبد مأذون له في التجارة أو غير مأذون له فيها سواء ، والقسامة لسيد العبد وليس للعبد قسامة ; لأنه ليس بمالك ، وكذلك المدبر والمدبرة وأم الولد ; لأن كل هؤلاء لا يملك ; والقسامة لساداتهم دونهم . وإن كان للمكاتب عبد فوجبت له قسامة أقسم ; لأنه مالك فإن لم يقسم حتى يعجز لم يكن له أن يقسم وهو مملوك وكان لسيده أن يقسم وعجزه كموته ، ويصير العبد الذي يقسم فيه لسيده بالميراث فحاله كحال رجل في هذا وجبت له في عبد له أو ابن أو غيره قسامة فلم يقسم حتى مات فتقسم ورثته ويستحقون الدية ; لأنهم يقومون مقامه ويملكون ما ملك ، ومن قتل عبدا لأم ولد فلم يقسم سيدها حتى مات وأوصى بثمن العبد لها لم تقسم وأقسم ورثته وكان لها ثمن العبد وإن لم تقسم الورثة لم يكن لها ولا لهم شيء إلا أيمان المدعى عليهم ولو وجبت القسامة لرجل في عبد له فلم يقسم حتى ارتد عن الإسلام فكف الحاكم عن أمره بالقسامة فإن تاب أقسم وإن مات أو قتل على الردة بطلت القسامة ; لأنه لا وارث له إنما يؤخذ ماله فيئا . ولو أمره مرتدا فأقسم استحق الدية فإن أسلم كانت له وإن مات قبل الإسلام قبضت فيئا عنه : ولو كانت القسامة وجبت له في ابنه ، ثم ارتد قبل أن يقسم كان الجواب فيها كالجواب في العبد للحاكم أن يأمره يقسم وتثبت الدية فإن تاب دفعها إليه وإن مات على الردة قبضها فيئا عنه ، ولو كان ابنه جرح فلم يمت حتى ارتد أبوه ثم مات الابن بعد ردة الأب لم يكن الأب له وارثا ولم يكن له أن يقسم وأقسم ورثة الابن سوى الأب ، ولو رجع الأب إلى الإسلام لم يكن له من ميراث الابن شيء ، ولو جرح رجل ثم ارتد فمات مرتدا ووجبت فيه القسامة بطلت القسامة ; لأنه وارث له ، ولو جرح ثم ارتد ، ثم رجع إلى الإسلام قبل أن يموت ، ثم مات كانت فيه القسامة ; لأنه موروث ( قال الشافعي ) ولو جرح عبد فأعتق ، ثم مات حرا وجبت فيه القسامة لورثته الأحرار وسيده المعتق بقدر ما يملك سيده المعتق مما وجب في جراحه وقدر ما يملك الورثة سهمانهم من ميراثه كأن سيده ملك بجراحه ثلث دية حر فيحلف ثلث الأيمان والورثة ثلثيها بقدر مواريثهم فيها ولا تجب القسامة فيما دون النفس ، وإذا أصيب رجل بموضع تجب فيه القسامة فمات مكانه ففيه القسامة ، وإن أصيب في ذلك الموضع بجرح ، ثم عاش بعد الجرح مدة طويلة أو قصيرة صاحب فراش حتى مات ففيه القسامة وإن كانت تقبل وتدبر وإن لم يلتئم الجرح لم يكن فيه قسامة وإن مات وقال ورثته لم يزل صاحب فراش حتى مات وقال الذي يقسم بل كان يقبل ويدبر فالقول قول ورثته ولهم القسامة إلا أن يأتي الجاني ببينة أنه قد كان يقبل ويدبر بعد الجرح فتسقط القسامة ، وإنما جعلت القول قول الورثة في أنه كان صاحب فراش وذلك ; لأنه ليس بد من القسامة على النفس إن فلانا قتلها إذا كان لها سبب يوجب القسامة ولو قال ورثة الميت لم يزل مريضا من الجرح حتى مات فقال المدعى عليه إنه مات من غير الجرح أو قالوا ذلك في رجل قامت له بينة أو اعتراف رجل بأنه جرحه جرحا عمدا أو خطأ وقامت لهم بينة في هذا بأنه لم يزل صاحب فراش حتى مات جعلت عليهم الأيمان في الأول والآخر لمات من ذلك الجرح وجعلت لهم في القسامة الدية وفي الجناية العمد التي قامت بها البينة أو أقر بها الجاني القود إذا أقسموا [ ص: 99 ] لمات منها ومن أوجبت له دية نفس بيمين أو أوجبت له أن يبرأ من نفس بيمين لم يستحق هذا ولم يبرأ من هذا بأقل من خمسين يمينا والأيمان في الدماء خلاف الأيمان في الحقوق وهي في جميع الحقوق يمين يمين ، وفي الدماء خمسون يمينا بما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القسامة فلم تجز في يمين دم يبرأ بها المحلف ولا يأخذ بها المدعي أقل من خمسين يمينا والله أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية