الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كان الرجلان أخوين فمات أبوهما فأقر أحدهما بوارث معه ، وقال هذا أخي ابن أبي ، ودفعه الآخر فإن محمد بن الحسن أخبرني أن قول المدنيين الذي لم نزل نعرفه ، ويلقوهم به أنه لا يثبت له نسب ، ولا يأخذ من يديه شيئا

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحسبهم ذهبوا فيه إلى أن الأخ المقر له لم يقر لهذا الأخ بدين على أبيه ، ولا وصية ، ولا بحق له في يديه ، ولا مال أبيه إلا بأن يثبت نسبه فيكون له عليه أن يرثه ، وأن يعقل عنه وجميع حق الإخوة فلما كان أصل الإقرار به باطلا لا يثبت به النسب لم يجعلوا له شيئا كما لم يجعلوا عليه

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : قال محمد بن الحسن رضي الله تعالى عنه : وكان هذا قولا صحيحا ثم أحدثوا أن لا يلحقوا ، وأن يأخذ ثلث ما في يدي أخيه المقر له

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وأحسبهم ذهبوا فيه إلى أنه أقر بأن له شيئا في يديه ، وشيئا في يدي أخيه فأجازوا إقراره على نفسه ، وأبطلوا إقراره على أخيه ، وهذا أصح من قول محمد بن الحسن وأبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما [ ص: 273 ] فإن محمد بن الحسن وأبا حنيفة قالا يقاسم الأخ الذي أقر له بما في يديه نصفين ، ولا سبيل له على الآخر ، ولا يثبت النسب ، وكانت حجته أن قال قد أقر أنه ، وهو سواء في مال أبيه .

( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا كانت المسألة بحالها ، ولا ميراث لم يثبت النسب ، ولا يثبت نسب أحد نسبه رجل إلى غيره ، وذلك أن الأخ إنما يقر على أبيه فإذا كان معه من حقه في أبيه كحقه فدفع النسب لم يثبت ، ولا يثبت نسب حتى تجتمع الورثة على الإقرار به معا أو تقوم بينة على دعوى الميت الذي إنما يلحق بنفسه فيكتفى بقوله ، ويثبت له النسب . فإن قال قائل : كيف أجزت أن يقر ابن الرجل إذا كان وارثه لا وارث له غيره بالأخ فتلحقه بالأب ، وإنما أقر على غيره ؟ قيل له إنما أقر بأمر لا يدخل ضرره على ميت إنما يدخل الضرر عليه فيما ينتقص من شركته في ميراث الأب ووجدته إذا كان منفردا بوراثة أبيه القائم بكل حق لأبيه . ألا ترى أنه يعفو دمه فيجوز عفوه كما لو عفا أبوه جرح نفسه جاز عفوه ؟ ألا ترى أنه يقوم بالحد على من قذف أباه كما كان أبوه قائما بالحد على من قذفه ؟ ألا ترى أن لو كانت لأبيه بينة على رجل بحد أو مال أو قصاص أخذ له بها ، وأخذ للابن بها بعد موته ، ولو أكذبها الابن بعد موت الأب ، والأب مدع لها أبطلناها لأنه لو مات قام مقامه ؟ فإن قال قائل فهل في هذا خبر يدل عليه ؟ قلنا نعم الخبر الذي الناس كلهم عيال عليه في أن الولد للفراش . فإن قال ما هو ؟ قيل { اختصم عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد قد كان أخي عتبة عهد إلي أنه ابنه ، وأمرني أن أفيضه إلي وقال عبد بن زمعة أخي ، وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، وألحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الأخ ، وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى من شبهه بعتبة } فكان في هذا دليل على أنه لم يدفعه ، وأنها قد ادعت منه ما ادعى أخوها فعلى هذا ، هذا الباب كله وقياسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية