الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو مات المعطي قبل الحول ، وفي يدي رب المال مائتا درهم إلا خمسة دراهم ، فلا زكاة عليه وما أعطى كما تصدق به أو أنفقه في هذا المعنى " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال :

                                                                                                                                            إذا كان مع رجل نصاب فعجل زكاته قبل الحول ودفعها إلى فقير فمات الفقير قبل الحول ، ومع رب المال أقل من نصاب فلا يخلو حال رب المال فيما عجله من أحد أمرين : إما [ ص: 172 ] أن يشترط التعجيل ، أو لا يشترط ، فإن لم يشترط التعجيل فلا رجوع له ولا زكاة عليه ؛ لأن الباقي معه دون النصاب ، ويكون ما عجله كالذي وهبه أو أنفقه ، فإن شرط التعجيل رجع بما عجله في تركة الفقير ، وصار ماله مع ما استرجعه نصابا كاملا ، فإن كان ما استرجعه دراهم عن دراهم ، أو دنانير عن دنانير ، فعليه الزكاة ، سواء استرجع عين ماله أو مثله ؛ لأن التعجيل لما لم يجز صار قرضا في ذمة الفقير ، والقرض دين يجب ضمه إلى المال الناض ويزكيان ، وإن كان ما استرجعه ماشية عن ماشية فذلك ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يسترجع الذي عجله نفسه .

                                                                                                                                            والثاني : أن يسترجع مثله على الوجه الذي يوجب فيه الرجوع بمثل الحيوان المعجل ، فإن استرجع مثله ولم يسترجعه بعينه فلا زكاة عليه فيما مضى ، ويستأنف الحول فيما يأتي بعد استرجاع ما عجل ، لا البدل المأخوذ عن التعجيل ، كالبدل المأخوذ عن البيع ، وقد ثبت أنه لو كان معه أربعون شاة فباع منها شاة بشاة استأنف الحول ، فكذلك فيما عجل ، فإن استرجع ما عجله بعينه ففي إيجاب زكاته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الزكاة واجبة عليهما ؛ لأن ما عجله مضموم إلى ما بعده ، وحكم الحول جاز عليهما ، ألا تراه لو عجل شاة من أربعين فحال الحول على تسعة وثلاثين والشاة المعجلة لزمته الزكاة ، وكانت الشاة المعجلة مضمومة إلى المال الباقي ، كذلك إذا وجب استرجاع الشاة المعجلة ضمت إلى المال الباقي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن لا زكاة عليه ، ويستأنف الحول حين تم النصاب بما استرجعه ؛ لأن ما عجله إما أن يكون زكاة لا ترجع أو قرضا يرتجع ، فلما بطل كونه زكاة ثبت كونه قرضا ، ومن أقرض حيوانا لم تلزمه زكاته ، ولو أقرض دراهم أو دنانير لزمه زكاتها ، فلذلك قلنا : إنه لو كان ما ارتجعه دراهم عن دراهم ضم وزكي ، ولو كان حيوانا عن حيوان لم يضم ولم يزك . والفرق بينهما : أن زكاة المواشي لا تجب إلا بالسوم ، والسوم لا يتوجه إلا بما في الذمة ، وليس السوم معتبرا في الدراهم ، فصح إيجاب زكاة ما كان منها في الذمة ، فهذا الكلام في موت آخذ التعجيل قبل الحول وهو الفقير .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية