الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فهم والمرأة ممن يمونون فكل من لزمته مؤنة أحد حتى لا يكون له تركها ، أدى زكاة الفطر عنه ، وذلك من أجبرناه على نفقته من ولده الصغار والكبار الزمنى الفقراء ، وآبائه وأمهاته الزمنى الفقراء وزوجته وخادم لها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا أن كل من لزمه الإنفاق عليه لزمته زكاة الفطر عنه إذا كان مسلما ، وهم ضربان :

                                                                                                                                            ضرب لزمت نفقاتهم بأنساب .

                                                                                                                                            وضرب لزمت نفقاتهم بأسباب ، فأما ذوو الأنساب فضربان : والدون ومولودون ، فهم الآباء والأجداد والأمهات والجدات من قبل الآباء والأمهات ، ولهم حالان : حال فقر ، وحال غنى فإن كانوا أغنياء فنفقاتهم في أموالهم وكذلك زكاة فطرهم ، وإن كانوا فقراء فلهم حالان : حال صحة ، وحال زمانة ، فإن كانوا فقراء زمنى فنفقاتهم على أولادهم واجبة ، وكذلك زكاة فطرهم .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : تجب نفقاتهم دون زكاة فطرهم ، وإن كانوا فقراء أصحاء فمذهب الشافعي أنها لا تجب نفقاتهم ولا زكاة فطرهم حتى يجتمع فيهم الأمران جميعا الفقر والزمانة ، وكان أبو علي بن أبي هريرة يخرج قولا ثانيا ، أن نفقاتهم وزكاة فطرهم واجبة بالفقر دون الزمانة ، فقال أبو علي بن أبي هريرة يحتمل أن يكون هذا المطلق من كلامه [ ص: 353 ] محمولا على المقيد كما يفعل ذلك في خطاب الله تعالى ، وفي خطاب رسوله صلى الله عليه وسلم ، فتكون المسألة على قول واحد أنه لا تجب نفقاتهم إلا أن يكونوا زمنى ويحتمل أن يجعل هذا له قولا ثانيا فتكون المسألة على قولين ، وللكلام عليه موضع في كتاب النفقات ، هو أولى به من هذا الموضع

                                                                                                                                            وأما المولودون فهم البنون والبنات ، وسواهم وإن سفلوا وهم ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أغنياء والآخر فقراء ، فإن كانوا أغنياء فنفقاتهم في أموالهم وكذلك زكاة فطرهم ، وإن كانوا فقراء فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعجزوا عن منافع أنفسهم لصغر أو جنون أو زمانة فعلى الوالد ، وإن علا نفقاتهم .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة إن كانوا كبارا فعلى الوالد وإن علا نفقاتهم دون زكاة فطرهم ، وإن كانوا صغارا فعلى الوالد إن كان أبا نفقاتهم وزكاة فطرهم ، وإن كان جدا فعليه نفقاتهم دون فطرهم .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكونوا كبارا أصحاء لا يعجزون عن منافع أنفسهم ، فمذهب الشافعي ، أنه لا تجب على الوالد نفقاتهم ولا زكاة فطرهم ، واختلف أصحابنا في تخريج ابن أبي هريرة في الآباء هل يصح تخريجه في الأبناء على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يصح تخريجه على ضعفه ووهائه ، فيخرج في المسألة قول ثان : إن نفقاتهم وزكاة فطرهم واجبة بمجرد الفقر دون الزمانة .

                                                                                                                                            والثاني : أن تخريجه في الأبناء لا يصح : لأن نفقة الآباء أوكد من نفقة الأبناء ووجه تأكيدها أن إعفاف الأب واجب ، وإعفاف الابن على أبيه غير واجب فلما تأكدت نفقات الآباء جاز أن تلزم بالفقر دون الزمانة ، ولما ضعفت نفقات الأبناء لم تلزم بمجرد الفقر حتى يقترن به صغر ، أو زمانة ، فأما أبو حنيفة فإنه وافقنا في وجوب النفقة ، وخالفنا في زكاة الفطر على ما بيناه وكان من عليه زكاة الفطر إن اعتبرها بالولاية فلم يوجب على الابن فطرة أبيه : لأنه لا ولاية له على أبيه ، وأوجب على الأب فطرة صغار ولده دون كبارهم : لأن ولايته على صغارهم دون كبارهم ، ثم ناقض عليه في الجد فأوجب عليه نفقة ابن ابنه دون فطرته ، وإن كان صغيرا مع ولايته عليه وعلتنا في وجوب الفطرة ، ووجوب النفقة رواية جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم " فرض صدقة الفطر على كل حر وعبد ذكر وأنثى ممن تمونون " رواه الشافعي مرسلا ورواه غيره متصلا ووجه الدلالة منه قوله " ممن تمونون " [ ص: 354 ] فاعتبر الفطرة بالمؤنة على ما ذكرنا ولم يعتبرها بالولاية على ما ذكر أبو حنيفة فأما من غير الوالدين والمولودين من الأخوة والأخوات والأعمام والعمات ، فلا تجب نفقاتهم ولا زكاة فطرهم ، وأوجب أبو حنيفة نفقة كل ذي رحم محرم ، ولم يوجب زكاة فطره وسيأتي الكلام معه من ذلك إن شاء الله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية