الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما المباشرة في غير الفرج فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : الشهوة .

                                                                                                                                            والثاني : لغير شهوة فإن كان لغير شهوة ، كأن مس بدنها لعارض ، وقبلها عند قدومها من سفر غير قاصد للذة ، فهذا غير ممنوع ، ولا مؤثر في الاعتكاف لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت ترجل شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن بدنها قد مس بدنه ، وإن كان لشهوة كأن قبلها ، أو لمسها لشهوة أو وطئها دون الفرج ، فهذا ممنوع منه لا يختلف لقوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [ البقرة : 187 ] ، فإن فعله ناسيا فلا شيء عليه ، وهو على اعتكافه ، وإن فعله عامدا ففي اعتكافه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : جائز أنزل أم لم ينزل ، ووجهه أنها عبادة تتعلق بمكان مخصوص ، فوجب أن لا تبطلها المباشرة فيما دون الفرج كالحج ، ولأن كل عبادة حرم فيها الوطء ، يدرأ منه كان للوطء مزية ، واختص بالتغليظ دون غيره كالحج والصوم والحد فلو بطل الاعتكاف بالمباشرة كما بطل بالوطء ، كان في ذلك تسوية بين حكم المباشرة والوطء ، وهذا خلاف الأصول .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أن اعتكافه قد بطل أنزل أو لم ينزل ، ووجهه أنها مباشرة محرمة في الاعتكاف فوجب أن تبطله كالوطء ، ولأنها عبادة تختص بمكان فوجب أن يكون للمباشرة فيها تأثير كالحج فإن قيل : فلم كان كـ " الصوم " . لا يبطل بالإنزال ؟ قيل : قد كان بعض أصحابنا يخرج قولا ثالثا يجمع فيه بين الصوم والاعتكاف أنه يبطل إن أنزل ، ولا يبطل إن لم ينزل ، وذهب جمهورهم إلى المنع من هذا التخريج ، وجعلوا الفرق بينهما ، أن المباشرة في [ ص: 500 ] الاعتكاف حرام ، وفي الصوم حلال فلما افترقا في التحريم جاز أن يفترقا في الإفساد ، وفي المسألة لأصحابنا طرق ، وهذا أصحها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية