الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 100 ] ( باب الجمع بين الصلاتين في السفر ) :



613 - ( 1 ) - حديث ابن عمر : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء }. متفق عليه من حديثه .

614 - ( 2 ) - حديث أنس : { أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الظهر ، والعصر في السفر } ، متفق عليه من حديثه ، وفي رواية لمسلم : { كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما }. زاد في رواية أخرى : { ويؤخر المغرب حتى يجمع بينهما وبين العشاء حين يغيب الشفق }.

615 - ( 3 ) - قوله : ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كان سائرا في وقت الأولى أخرها إلى الثانية ، وإذا كان نازلا في وقت الأولى قدم الثانية إليها . هذا يجتمع من حديثين : أحدهما : الحديث الذي قبله فهو دليل الجملة الأولى . والثاني : في حديث جابر الطويل في صحيح مسلم وغيره ، فإن فيه : ثم . [ ص: 101 ] أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، وكان ذلك بعد الزوال . وسيأتي الحديث في الحج ، وورد في جمع التقديم أحاديث من حديث ابن عباس ، ومعاذ ، وعلي ، وأنس . فحديث ابن عباس رواه أحمد والدارقطني ، والبيهقي من طريق حسين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وحسين ضعيف ، واختلف عليه فيه ، وجمع الدارقطني في سننه بين وجوه الاختلاف فيه ، إلا أن علته ضعف حسين ، ويقال : إن الترمذي حسنه ، وكأنه باعتبار المتابعة ، وغفل ابن العربي فصحح إسناده ، لكن له طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده ، عن أبي خالد الأحمر ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس .

وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن هشام بن عروة ، عن كريب ، عن ابن عباس نحوه . وحديث معاذ رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن حبان والحاكم ، والدارقطني ، والبيهقي من حديث قتيبة ، عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان . [ ص: 102 ] في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل العصر ، وفي المغرب مثل ذلك ، إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإن ارتحل قبل أن يغيب الشفق أخر المغرب حتى ينزل العشاء ، ثم يجمع بينهما }. قال الترمذي : حسن غريب تفرد به قتيبة ، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، وليس فيه جمع التقديم الذي أخرجه مسلم . وقال أبو داود . هذا حديث منكر ، وليس في جمع التقديم حديث قائم . وقال أبو سعيد بن يونس : لم يحدث بهذا الحديث إلا قتيبة ، ويقال : إنه غلط فيه ، فغير بعض الأسماء وإن موضع يزيد بن أبي حبيب : أبو الزبير ، وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه : لا أعرفه من حديث يزيد ، والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث ، وأطنب الحاكم في علوم الحديث في بيان علة هذا الخبر ، فيراجع منه ، وحاصله أن البخاري سأل قتيبة مع من كتبته ؟ فقال : مع خالد المدائني . قال البخاري : كان خالد المدائني يدخل على الشيوخ - يعني يدخل - في روايتهم ما ليس منها ، وأعله ابن حزم بأنه معنعن ليزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، ولا يعرف له عنه رواية ، وله طريق أخرى عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ وساقه ، كذلك رواها أبو داود ، والنسائي ، والدارقطني ، والبيهقي ، وهشام لين الحديث ، وقد خالف أوثق الناس في أبي الزبير وهو الليث بن سعد ، وحديث علي رواه الدارقطني ، عن ابن عقدة بسند له من حديث أهل البيت ، وفي إسناده من لا يعرف ، وفيه أيضا المنذر القابوسي ، وهو ضعيف .

وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند . [ ص: 103 ] بإسناد آخر عن علي أنه كان يفعل ذلك ، وحديث أنس رواه الإسماعيلي ، والبيهقي ، من حديث إسحاق بن راهويه ، عن شبابة بن سوار ، عن الليث ، عن عقيل ، عن الزهري ، عن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فزالت الشمس ، صلى الظهر والعصر جميعا ، ثم ارتحل }. وإسناده صحيح قاله النووي ، وفي ذهني أن أبا داود أنكره على إسحاق ، ولكن له متابع رواه الحاكم في الأربعين له عن أبي العباس محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسحاق الصغاني ، عن حسان بن عبد الله ، عن المفضل بن فضالة ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، أخر الظهر إلى وقت العصر ، ثم نزل فجمع بينهما ، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل ، صلى الظهر والعصر ثم ركب }. وهو في الصحيحين من هذا الوجه بهذا السياق ، وليس فيها : { والعصر }وهي زيادة غريبة صحيحة الإسناد ، وقد صححه المنذري من هذا الوجه ، والعلائي ، وتعجب من الحاكم كونه لم يورده في المستدرك ، وله طريق أخرى رواها الطبراني في الأوسط حدثنا محمد بن إبراهيم بن نصر بن شبيب الأصبهاني ، ثنا هارون بن عبد الله الحمال ، ثنا يعقوب بن محمد الزهري ، ثنا محمد بن سعدان ، ثنا ابن عجلان ، عن عبد الله بن الفضل ، عن أنس بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر فزاغت الشمس قبل أن يرتحل ، صلى الظهر والعصر جميعا ، وإن ارتحل قبل أن تزيغ الشمس ، جمع بينهما في أول العصر ، وكان يفعل ذلك في المغرب والعشاء }. وقال : تفرد به يعقوب بن محمد

616 - ( 4 ) - حديث ابن عمر : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر للمطر }. ليس له أصل ، وإنما ذكره البيهقي عن ابن عمر موقوفا عليه ، وذكره بعض الفقهاء عن يحيى بن واضح ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع عنه مرفوعا .

[ ص: 104 ] حديث ابن عباس : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ولا سفر }. متفق عليه بهذا . وله ألفاظ : منها لمسلم { جمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء بالمدينة ، في غير خوف ولا مطر }قيل لابن عباس . ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته وفي رواية للطبراني : { جمع بالمدينة من غير علة }قيل له : ما أراد بذلك ؟ قال : التوسع على أمته ، وأجاب أبو حامد عن هذا الجمع بأنه جمع صوري وهو أن يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ، ويقدم الثانية عقبها في أول وقتها . وهذا قد جاء صريحا في الصحيحين عن عمرو بن دينار قال : قلت : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال : وأنا أظن ذلك .

( تنبيه ) : ادعى إمام الحرمين في النهاية أن ذكر نفي المطر لم يرد في متن الحديث ، وهو دال على عدم مراجعته لكتب الحديث المشهورة فضلا عن غيرها . قوله : ولا يجوز الجمع بين الصبح وغيرها ، ولا بين العصر والمغرب ; لأنه لم يرد بذلك نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو كما قال .

618 - ( 6 ) قوله : ثبت { أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر ، وجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء }.

[ ص: 105 ] مسلم من حديث جابر الطويل ، وفيهما من حديث أسامة : { الجمع بمزدلفة } ، وللبخاري عن ابن عمر بذلك ، ورواه مسلم بمعناه .

619 - ( 7 ) - حديث : { ليس من البر الصيام في السفر }. متفق عليه من حديث جابر وفيه قصة .

620 - ( 8 ) - حديث : { خيار عباد الله الذي إذا سافروا قصروا }. أبو حاتم في العلل : حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم ، أنبأ إسرائيل ، عن خالد العبدي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر رفعه : { خياركم من قصر الصلاة في السفر ، وأفطر }. قال أبو حاتم : غالب بن فائد ليس به بأس ، ورواه أيضا عن سهل بن عثمان العسكري ، عن غالب نحوه ، ورواه الطبراني في الدعاء والأوسط من حديث ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بلفظ : { خير أمتي الذين إذا أساءوا استغفروا ، وإذا أحسنوا استبشروا ، وإذا سافروا قصروا ، وأفطروا }. ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتاب الأحكام له ، عن نصر بن علي ، عن عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن عروة بن رويم ; قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه ، وهو مرسل ، ورواه فيه أيضا عن إبراهيم بن حمزة ، عن عبد العزيز بن محمد ، عن ابن حرملة ، عن سعيد بن المسيب بلفظ : { خيار أمتي من قصر الصلاة في السفر ، وأفطر }. وهذا رواه الشافعي عن ابن أبي يحيى ، عن ابن حرملة بلفظ : { خياركم الذين إذا سافروا قصروا الصلاة ، وأفطروا }. أو : { لم يصوموا }.

( تنبيه ) : احتج به الرافعي على أن القصر أفضل من الإتمام ، ويدل له حديث ابن عمر مرفوعا : { إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته }. أخرجه ابن خزيمة . [ ص: 106 ] وابن حبان في صحيحيهما .

وفي الباب عن أبي هريرة ، وابن عباس ، وعائشة أخرجها ابن عدي . ( * * * ) ( قوله ) : { أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع بين الصلاتين والى بينهما ، وترك الرواتب بينهما }. هو مستفاد من حديث جابر في مسلم ، في عدة أحاديث : أنه لم يسبح بين صلاتي الجمع ، ولا على إثر واحدة منهما . منها حديث أسامة في الصحيح . ( * * * ) قوله : { أنه صلى الله عليه وسلم أمرنا بالإقامة بينهما }. لم أر فيه الأمر بالإقامة ، وإنما في حديث أسامة : { أنه أقام ولم يسبح بينهما }. ( * * * ) قوله : إن بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت مختلفة ; فمنها ما هو بجنب المسجد ، ومنها ما هو بخلافه ، قال : فلعله حين جمع بالمطر لم يكن في البيت الملاصق ، انتهى .

وتبعه النووي في شرح المهذب ، فقال : كان بيت عائشة إلى المسجد ومعظم البيوت بخلافه ، وهذا يحتاج إلى نقل ، وقد وجد النقل بخلافه ، ففي الموطأ عن الثقة عنده أن الناس كانوا يدخلون حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته يصلون فيها الجمعة ، وكان المسجد يضيق عن أهله ، وحجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليست من المسجد ، ولكن أبوابها شارعة في المسجد . قوله : المشهور أنه لا جمع بالمرض ، والخوف ، والوحل ، إذ لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم جمع بهذه الأشياء مع حدوثها في عصره . قلت : يمكن أن يستفاد ذلك من قول ابن عباس : أراد ألا يحرج أمته كما هو في الصحيح ، وكما تقدم للطبراني : أراد التوسع على أمته ، فإن مقتضاه الجمع عند كل مشقة ، وقد أمر المستحاضة .

[ ص: 107 ] بالجمع ، وجمع ابن عباس للشغل . ( * * * ) قوله : روي { أنه صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة من غير خوف ، ولا سفر ، ولا مطر }. متفق عليه ، وهو في الموطأ دون قوله : { ولا مطر }فتفرد بها مسلم ، واعلم أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شيء من كتب الحديث ، بل المشهور : { من غير خوف ، ولا سفر }وفي رواية : { من غير خوف ولا مطر }وقد تقدم الكلام عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية