ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33758بعض سيرة المنصور
قال
سلام الأبرش : كنت أخدم
المنصور داخلا [ في منزله ] ، وكان من أحسن الناس
[ ص: 199 ] خلقا ، ما لم يخرج إلى الناس ، وأشد احتمالا لما يكون من عبث الصبيان ، فإذا لبس ثوبه اربد لونه ، واحمرت عيناه فيخرج منه ما يكون .
وقال لي يوما : يا بني ! إذا رأيتني قد لبست ثيابي ، أو رجعت من مجلسي فلا يدنون مني منكم أحد مخافة أن أغره بشيء .
قال : ولم ير في دار
المنصور لهو ، ولا شيء يشبه اللهو واللعب والعبث ، إلا مرة واحدة ، رئي بعض أولاده وقد ركب راحلة ، وهو صبي ، وتنكب قوسا في هيئة الغلام الأعرابي ، بين جوالقين فيهما مقل ومساويك وما يهديه الأعراب ، فعجب الناس من ذلك ، وأنكروه ، فعبر إلى
المهدي بالرصافة فأهداه له ، فقبله وملأ الجوالقين دراهم ، فعاد بينهما ، فعلم أنه ضرب من عبث الملوك .
قال
حماد التركي : كنت واقفا على رأس
المنصور ، فسمع جلبة ، فقال : انظر ما هذا ! فذهبت فإذا خادم له قد جلس حوله الجواري ، وهو يضرب لهن بالطنبور ، وهن يضحكن ، فأخبرته ، فقال : وأي شيء الطنبور ؟ ، فوصفته له ، فقال : ما يدريك أنت ما الطنبور ؟ قلت : رأيته بخراسان . فقام ومشى إليهن ، فلما رأينه تفرقن ، فأمر بالخادم فضرب رأسه بالطنبور ، حتى تكسر الطنبور ، وأخرج الخادم فباعه .
قال : وكان
المنصور قد استعمل
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة على
اليمن ، لما بلغه من الاختلاف هناك ، فسار إليه وأصلحه ، وقصده الناس من أقطار الأرض لاشتهار جوده ، ففرق فيهم الأموال ، فسخط عليه
المنصور .
فأرسل إليه
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة وفدا من قومه ، فيهم
مجاعة بن الأزهر ، وسيرهم إلى
المنصور ليزيلوا غيظه وغضبه ، فلما دخل على
المنصور ابتدأ مجاعة بحمد الله والثناء عليه ، وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطنب في ذلك حتى عجب القوم ، ثم ذكر المنصور وما شرفه الله به ، وذكر بعد ذلك صاحبه .
فلما انقضى كلامه قال : أما ما ذكرت من حمد الله ، فالله أجل من أن تبلغه الصفات ، وأما ما ذكرت من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد فضله الله تعالى بأكثر مما قلت ، وأما ما
[ ص: 200 ] وصفت به أمير المؤمنين ، فإنه فضله الله بذلك ، وهو معينه على طاعته ، إن شاء الله تعالى ، وأما ما ذكرت من صاحبك ، فكذبت ولؤمت ، اخرج ، فلا يقبل ما ذكرته .
فلما صاروا بآخر الأبواب أمر برده مع أصحابه ، فقال : ما قلت ؟ فأعاده عليه ، فأخرجوا ، ثم أمر بهم ، فأوقفوا ، ثم التفت إلى من حضر من مضر ، فقال : هل تعرفون فيكم مثل هذا ؟ والله لقد تكلم حتى حسدته ، وما منعني أن أتم على رده إلا أن يقال حسده لأنه من
ربيعة ، وما رأيت مثله رجلا أربط جأشا ، ولا أظهر بيانا ، رده يا غلام .
فلما صار بين يديه قال : اقصد لحاجتك ! قال : يا أمير المؤمنين ،
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة عبدك ، وسيفك ، وسهمك ، رميت به عدوك ، فضرب ، وطعن ، ورمى حتى سهل ما حزن ، وذل ما صعب ، واستوى ما كان معوجا من
اليمن ، فأصبحوا من خول أمير المؤمنين ، أطال الله بقاءه ، فإن كان في نفس أمير المؤمنين هنة من ساع ، أو واش ، فأمير المؤمنين أولى بالفضل على عبده ، ومن أفنى عمره في طاعته .
فقبل عذره وأمر بصرفهم إليه ، فلما قرأ
معن الكتاب بالرضا ، قبل ما بين عينيه ، وشكر أصحابه ، وأجازهم على أقدارهم ، وأمرهم بالرحيل إلى
المنصور .
فقال
مجاعة :
آليت في مجلس من وائل قسما ألا أبيعك يا معن بأطماع يا معن ! إنك قد أوليتني نعما
عمت لحيما وخصت آل مجاع فلا أزال إليك الدهر منقطعا
حتى يشيد بهلكي هتفه الناعي
.
وكان [ من ] نعم
معن على مجاعة أنه قضى له ثلاث حوائج منها : أنه كان يتعشق جارية من أهل بيت
معن ، اسمها
زهراء ، فطلبها ، فلم يجبه لفقره ، فطلبها من
معن ، فأحضر أباها ، فزوجه إياها على عشرة آلاف درهم ، وأمهرها من عنده .
ومنها : أنه طلب منه حائطا بعينه ، فاشتراه له .
ومنها أنه استوهب منه شيئا ، فوهب له ثلاثين ألف درهم تمام مائة ألف .
قيل : وكان
المنصور يقول : ما أحوجني أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم ، هم أركان الدولة ولا يصلح الملك إلا بهم ، أما أحدهم فقاض
[ ص: 201 ] لا تأخذه في الله لومة لائم ، والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي ، والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية .
ثم عض على إصبعه السبابة ثلاث مرات ، يقول في كل مرة : آه آه . قيل : ما هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : صاحب بريد يكتب خبر هؤلاء على الصحة .
وقيل : دعا
المنصور بعامل قد كسر خراجه ، فقال له : أد ما عليك ! فقال : والله ما أملك شيئا . وأذن مؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله ! فقال : يا أمير المؤمنين ، هب ما علي لله وشهادة أن لا إله إلا الله . فخلى سبيله .
وقيل : وأتي بعامل ، فحبسه وطالبه ، فقال العامل : عبدك يا أمير المؤمنين ، فقال : بئس العبد أنت ! فقال : لكنك نعم المولى . قال : أما لك فلا .
قيل : وأتي بخارجي قد هزم له جيوشا ، فأراد ضرب رقبته ، ثم ازدراه فقال : يا ابن الفاعلة ! مثلك يهزم الجيوش ؟ ! فقال له : ويلك وسوأة لك أمس ، بيني وبينك السيف ، واليوم القذف والسب ، وما كان يؤمنك أن أرد عليك وقد يئست من الحياة فلا تستقيلها أبدا ؟ فاستحيا منه
المنصور وأطلقه .
قيل : وكان شغل
المنصور ، في صدر نهاره ، بالأمر والنهي ، والولايات ، والعزل ، وشحن الثغور والأطراف ، وأمن السبل ، والنظر في الخراج والنفقات ، ومصلحة معاش الرعية ، والتلطف بسكونهم وهديهم ، فإذا صلى العصر جلس لأهل بيته .
فإذا صلى العشاء الآخرة جلس ينظر فيما ورد من كتب الثغور والأطراف والآفاق ، وشاور سماره ، فإذا مضى ثلث الليل ( قام إلى فراشه ، وانصرف سماره ، وإذا مضى الثلث الثاني قام فتوضأ وصلى ، حتى يطلع الفجر ، ثم يخرج فيصلي بالناس ، ثم يدخل فيجلس في إيوانه .
[ ص: 202 ] قيل : وقال
للمهدي : لا تبرم أمرا حتى تفكر فيه ، فإن فكر العاقل مرآته تريه حسنه وسيئه . يا بني ! لا يصلح السلطان إلا بالتقوى ، ولا تصلح رعيته إلا بالطاعة ، ولا تعمر البلاد بمثل العدل ، وأقدر الناس على العفو أقدرهم على العقوبة ، وأعجز الناس من ظلم من هو دونه ، واعتبر عمل صاحبك وعلمه باختباره .
يا أبا عبد الله ! لا تجلس مجلسا إلا ومعك من [ أهل ] العلم من يحدثك ، ومن أحب أن يحمد أحسن السيرة ، ومن أبغض الحمد أساءها ، وما أبغض الحمد أحد إلا استذم ، وما استذم إلا كره .
يا
أبا عبد الله ! ليس العاقل الذي يحتال للأمر الذي غشيه ، بل العاقل الذي يحتال للأمر حتى لا يقع فيه .
وقال
للمهدي يوما : كم راية عندك ؟ قال : لا أدري . قال : ( هذا والله التضييع ، وأنت ) لأمر الخلافة أشد تضييعا ، ولكن قد جمعت لك ما لا يضرك معه ما ضيعت ، فاتق الله فيما خولك .
قيل : وقال
إسحاق بن عيسى : لم يكن أحد من
بني العباس يتكلم فيبلغ حاجته على البديهة ، غير
المنصور ، وأخيه
العباس بن محمد ، وعمهما
داود بن علي .
قيل : وخطب
المنصور يوما ، فقال : الحمد لله أحمده وأستعينه ، وأؤمن به ، وأتوكل عليه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . فاعترضه إنسان فقال : أيها الإنسان أذكرك من ذكرت به ! فقطع الخطبة ، ثم قال : سمعا ، سمعا لمن حفظ عن الله ، وأعوذ بالله أن أكون جبارا عنيدا ، أو تأخذني العزة بالإثم ، لقد ضللت إذا ، وما أنا من المهتدين .
وأنت أيها القائل ، فوالله ما أردت بهذا القول الله ، ولكنك أردت أن يقال قام ، فقال ، فعوقب ، فصبر ، وأهون بها ، ويلك ، لقد هممت ، واغتنمها إذ عفوت ، وإياك ، وإياكم معاشر المسلمين أختها ، فإن الحكمة علينا نزلت ، ومن عندنا فصلت ، فردوا الأمر إلى أهله ، توردوه موارده ، وتصدروه مصادره .
[ ص: 203 ] ثم عاد إلى خطبته ، كأنما يقرأها ، فقال : وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
وقال
عبد الله بن صاعد : خطب
المنصور بمكة ، بعد بناء
بغداذ ، فكان مما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) . أمر مبرم ، وقول عدل ، وقضاء فصل ، والحمد لله الذي أفلج حجته ، وبعدا للقوم الظالمين الذين اتخذوا الكعبة غضا ، والفيء إرثا و (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91جعلوا القرآن عضين ) ، لقد حاق بهم ما كانوا به يستهزئون ، فكم من بئر معطلة ، وقصر مشيد أهملهم الله حين بدلوا السنة ، واضطهدوا العترة ، وعندوا ، واعتدوا ، واستكبروا وخاب كل جبار عنيد ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=98هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ) .
قال : وكتب إليه رجل يشكو بعض عماله ، فوقع إلى العامل في الرقعة : إن آثرت العدل صحبتك السلامة ، وإن آثرت الجور فما أقربك من الندامة ، فأنصف هذا المتظلم من الظلامة .
قيل : وكتب إلى [
المنصور ] صاحب
أرمينية يخبره أن الجند قد شغبوا عليه ، ونهبوا ما في بيت المال ، فوقع في كتابه : اعتزل عملنا مذموما مدحورا ، فلو عقلت لم يشغبوا ، ولو قويت لم ينهبوا .
وهذا وما تقدم من كلامه ووصاياه يدل على فصاحته وبلاغته ، وقد تقدم له أيضا من الكتب وغيرها ما يدل على أنه كان واحد زمانه ، إلا أنه كان يبخل .
ومما نقل عنه من ذلك قول
الوضين بن عطاء : استزارني
المنصور ، وكان بيني وبينه خلة قبل الخلافة ، فخلونا يوما ، فقال : يا
أبا عبد الله ! ما لك ؟ قلت : الخبر الذي تعرفه .
قال : وما عيالك ؟ قلت : ثلاث بنات ، والمرأة ، وخادم لهن . فقال : أربع في بيتك ؟ قلت : نعم !
[ ص: 204 ] فرددها ، حتى ظننت أنه سيعينني ، ثم قال : أنت أيسر العرب ، أربعة مغازل يدرن في بيتك .
قيل : رفع غلام
لأبي عطاء الخراساني أن له عشرة آلاف درهم ، فأخذها منه وقال : هذا مالي . قال : من أين يكون مالك ، ووالله ما وليتك عملا قط ، ولا بيني وبينك رحم ولا قرابة ! قال : بلى ! [ كنت ] تزوجت امرأة
لعيينة بن موسى بن كعب ، فورثتك مالا ، وكان قد عصى
بالسند ، [ وهو وال على السند ] ، وأخذ مالي فهذا المال من ذاك .
وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=15639لجعفر الصادق : إن
المنصور يكثر من لبس جبة هروية ، وإنه يرقع قميصه . فقال
جعفر : الحمد لله الذي لطف به ، حتى ابتلاه بفقر نفسه في ملكه .
قيل : وكان
المنصور إذا عزل عاملا أخذ ماله وتركه في بيت مال مفرد سماه بيت مال المظالم ، وكتب عليه اسم صاحبه ، وقال
للمهدي : قد هيأت لك شيئا فإذا أنا مت فادع من أخذت ماله ، فاردده عليه ، فإنك تستحمد بذلك إليهم وإلى العامة ، ففعل
المهدي ذلك .
وله في ضد ذلك أشياء كثيرة .
قيل : وذكر زيد مولى
عيسى بن نهيك قال : دعاني
المنصور ، بعد موت مولاي ، فسألني : كم خلف من مال ؟ قلت : ألف دينار ، وأنفقته امرأته في مأتمه . قال : كم خلف من البنات ؟ قلت : ستا ، فأطرق ، ثم رفع رأسه وقال : اغد إلى
المهدي ، فغدوت إليه ، فأعطاني مائة ألف وثمانين ألف دينار ، لكل واحدة منهن ثلاثين ألفا . ثم دعاني
المنصور فقال : عد علي بأكفائهن حتى أزوجهن ، ففعلت ، فزوجهن ، وأمر أن تحمل إليهن صدقاتهن من ماله ، لكل واحدة منهن ثلاثون ألف درهم ، وأمرني أن أشتري بمالهن ضياعا لهن يكون معاشهن منها .
قيل : وفرق
المنصور على جماعة من أهل بيته في يوم واحد ، عشرة آلاف ألف درهم ، وأمر لجماعة من أعمامه منهم :
سليمان ،
وعيسى ،
وصالح ،
وإسماعيل ، لكل رجل منهم بألف ألف ، وهو أول من وصل بها .
[ ص: 205 ] وله في ذلك أيضا أخبار كثيرة ، وأما غير ذلك ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13614يزيد بن عمر بن هبيرة : ما رأيت رجلا قط في حرب ، ولا سمعت به في سلم أنكر ، ولا أمكر ، ولا أشد تيقظا من
المنصور .
لقد حصرني تسعة أشهر ، ومعي فرسان العرب ، فجهدنا بكل الجهد أن ننال من عسكره شيئا ، فما تهيأ ، ولقد حصرني وما في رأسي شعرة بيضاء ، فخرجت إليه وما في رأسي شعرة سوداء .
قيل : وأرسل
ابن هبيرة إلى
المنصور ، وهو محاصره ، يدعو إلى المبارزة ، فكتب إليه : إنك متعد طورك ، جار في عنان غيك ، يعدك الله ما هو مصدقه ، ويمنيك الشيطان ما هو مكذبه ، ويقرب ما الله مباعده ، فرويدا يتم الكتاب أجله . ، وقد ضربت مثلي ومثلك : بلغني أن أسدا لقي خنزيرا ، فقال له الخنزير : قاتلني ! فقال الأسد : إنما أنت خنزير ، ولست بكفؤ لي ولا نظير ، ومتى قاتلتك فقتلتك قيل لي : قتل خنزيرا ، فلا أعتقد فخرا ، ولا ذكرا ، وإن نالني منك شيء كان سبة علي . فقال الخنزير : إن لم تفعل أعلمت السباع أنك نكلت عني ، فقال الأسد : احتمال عار كذبك علي أيسر من لطخ شرابي بدمك .
قيل : وكان
المنصور أول من عمل الخيش ، فإن الأكاسرة كانوا يطينون كل يوم بيتا يسكنون في الصيف ، وكذلك
بنو أمية .
قيل : وأتي برجل من
بني أمية ، فقال : إني أسألك عن أشياء ، فاصدقني ولك الأمان . قال : نعم ! قال : من أين أتي
بنو أمية ؟ قال : من تضييع الأخبار . قال : فأي الأموال وجدوها أنفع ؟ قال : الجوهر . قال : فعند من وجدوا الوفاء ؟ قال : عند مواليهم ، فأراد
المنصور أن يستعين في الأخبار بأهل بيته ، فقال : اضع منهم ، فاستعان بمواليه .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33758بَعْضِ سِيرَةِ الْمَنْصُورِ
قَالَ
سَلَّامٌ الْأَبْرَشُ : كُنْتُ أَخْدُمُ
الْمَنْصُورَ دَاخِلًا [ فِي مَنْزِلِهِ ] ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ
[ ص: 199 ] خُلُقًا ، مَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ ، وَأَشَدَّ احْتِمَالًا لِمَا يَكُونُ مِنْ عَبَثِ الصِّبْيَانِ ، فَإِذَا لَبِسَ ثَوْبَهُ ارْبَدَّ لَوْنُهُ ، وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا يَكُونُ .
وَقَالَ لِي يَوْمًا : يَا بُنَيَّ ! إِذَا رَأَيْتَنِي قَدْ لَبِسْتُ ثِيَابِي ، أَوْ رَجَعْتُ مِنْ مَجْلِسِي فَلَا يَدْنُوَنَّ مِنِّي مِنْكُمْ أَحَدٌ مَخَافَةَ أَنْ أَغُرَّهُ بِشَيْءٍ .
قَالَ : وَلَمْ يُرَ فِي دَارِ
الْمَنْصُورِ لَهْوٌ ، وَلَا شَيْءٌ يُشْبِهُ اللَّهْوَ وَاللَّعِبَ وَالْعَبَثَ ، إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً ، رُئِيَ بَعْضُ أَوْلَادِهِ وَقَدْ رَكِبَ رَاحِلَةً ، وَهُوَ صَبِيٌّ ، وَتَنَكَّبَ قَوْسًا فِي هَيْئَةِ الْغُلَامِ الْأَعْرَابِيِّ ، بَيْنَ جُوَالِقَيْنِ فِيهِمَا مُقْلٍ وَمَسَاوِيكَ وَمَا يُهْدِيهِ الْأَعْرَابُ ، فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ ، وَأَنْكَرُوهُ ، فَعَبَرَ إِلَى
الْمَهْدِيِّ بِالرُّصَافَةِ فَأَهْدَاهُ لَهُ ، فَقَبِلَهُ وَمَلَأَ الْجُوَالِقَيْنِ دَرَاهِمَ ، فَعَادَ بَيْنَهُمَا ، فَعَلِمَ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ عَبَثِ الْمُلُوكِ .
قَالَ
حَمَّادٌ التُّرْكِيُّ : كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ
الْمَنْصُورِ ، فَسَمِعَ جَلَبَةً ، فَقَالَ : انْظُرْ مَا هَذَا ! فَذَهَبْتُ فَإِذَا خَادِمٌ لَهُ قَدْ جَلَسَ حَوْلَهُ الْجَوَارِي ، وَهُوَ يَضْرِبُ لَهُنَّ بِالطُّنْبُورِ ، وَهُنَّ يَضْحَكْنَ ، فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : وَأَيُّ شَيْءٍ الطُّنْبُورُ ؟ ، فَوَصَفْتُهُ لَهُ ، فَقَالَ : مَا يُدْرِيكَ أَنْتَ مَا الطُّنْبُورُ ؟ قُلْتُ : رَأَيْتُهُ بِخُرَاسَانَ . فَقَامَ وَمَشَى إِلَيْهِنَّ ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ تَفَرَّقْنَ ، فَأَمَرَ بِالْخَادِمِ فَضُرِبَ رَأْسُهُ بِالطُّنْبُورِ ، حَتَّى تَكَسَّرَ الطُّنْبُورُ ، وَأَخْرَجَ الْخَادِمَ فَبَاعَهُ .
قَالَ : وَكَانَ
الْمَنْصُورُ قَدِ اسْتَعْمَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=17125مَعْنَ بْنَ زَائِدَةَ عَلَى
الْيَمَنِ ، لِمَا بَلَغَهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ هُنَاكَ ، فَسَارَ إِلَيْهِ وَأَصْلَحَهُ ، وَقَصَدَهُ النَّاسُ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِاشْتِهَارِ جُودِهِ ، فَفَرَّقَ فِيهِمُ الْأَمْوَالَ ، فَسَخِطَ عَلَيْهِ
الْمَنْصُورُ .
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=17125مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ وَفْدًا مِنْ قَوْمِهِ ، فِيهِمْ
مُجَّاعَةُ بْنُ الْأَزْهَرِ ، وَسَيَّرَهُمْ إِلَى
الْمَنْصُورِ لِيُزِيلُوا غَيْظَهُ وَغَضَبَهُ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى
الْمَنْصُورِ ابْتَدَأَ مُجَّاعَةُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، وَذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَطْنَبَ فِي ذَلِكَ حَتَّى عَجِبَ الْقَوْمُ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَنْصُورَ وَمَا شَرَّفَهُ اللَّهُ بِهِ ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبَهُ .
فَلَمَّا انْقَضَى كَلَامُهُ قَالَ : أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ حَمْدِ اللَّهِ ، فَاللَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ تَبْلُغَهُ الصِّفَاتُ ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ فَضَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَكْثَرَ مِمَّا قُلْتَ ، وَأَمَّا مَا
[ ص: 200 ] وَصَفْتَ بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنَّهُ فَضَّلَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ ، وَهُوَ مُعِينُهُ عَلَى طَاعَتِهِ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صَاحِبِكَ ، فَكَذَبْتَ وَلَؤُمْتَ ، اخْرُجْ ، فَلَا يُقْبَلُ مَا ذَكَرْتَهُ .
فَلَمَّا صَارُوا بِآخِرِ الْأَبْوَابِ أَمَرَ بِرَدِّهِ مَعَ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : مَا قُلْتَ ؟ فَأَعَادَهُ عَلَيْهِ ، فَأُخْرِجُوا ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ ، فَأُوقِفُوا ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ مُضَرَ ، فَقَالَ : هَلْ تَعْرِفُونَ فِيكُمْ مِثْلَ هَذَا ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ تَكَلَّمَ حَتَّى حَسَدْتُهُ ، وَمَا مَنَعَنِي أَنْ أُتِمَّ عَلَى رَدِّهِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ حَسَدَهُ لِأَنَّهُ مِنْ
رَبِيعَةَ ، وَمَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ رُجَلًا أَرْبَطَ جَأْشًا ، وَلَا أَظْهَرَ بَيَانًا ، رُدَّهُ يَا غُلَامُ .
فَلَمَّا صَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ : اقْصِدْ لِحَاجَتِكَ ! قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17125مَعْنُ بْنُ زَائِدَةَ عَبْدُكَ ، وَسَيْفُكَ ، وَسَهْمُكَ ، رَمَيْتَ بِهِ عَدُوَّكَ ، فَضَرَبَ ، وَطَعَنَ ، وَرَمَى حَتَّى سَهَّلَ مَا حَزُنَ ، وَذَلَّ مَا صَعُبَ ، وَاسْتَوَى مَا كَانَ مُعْوَجًّا مِنَ
الْيَمَنِ ، فَأَصْبَحُوا مِنْ خَوَلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ هَنَةٌ مِنْ سَاعٍ ، أَوْ وَاشٍ ، فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِالْفَضْلِ عَلَى عَبْدِهِ ، وَمَنْ أَفْنَى عُمُرَهُ فِي طَاعَتِهِ .
فَقَبِلَ عُذْرَهُ وَأَمَرَ بِصَرْفِهِمْ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا قَرَأَ
مَعْنٌ الْكِتَابَ بِالرِّضَا ، قَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَشَكَرَ أَصْحَابَهُ ، وَأَجَازَهُمْ عَلَى أَقْدَارِهِمْ ، وَأَمَرَهُمْ بِالرَّحِيلِ إِلَى
الْمَنْصُورِ .
فَقَالَ
مُجَّاعَةُ :
آلَيْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ وَائِلٍ قَسَمًا أَلَّا أَبِيعَكَ يَا مَعْنُ بِأَطْمَاعِ يَا مَعْنُ ! إِنَّكَ قَدْ أَوْلَيْتَنِي نِعَمًا
عَمَّتْ لُحَيْمًا وَخَصَّتْ آلَ مُجَّاعِ فَلَا أَزَالُ إِلَيْكَ الدَّهْرَ مُنْقَطِعًا
حَتَّى يُشَيِّدَ بِهُلْكِي هَتْفُهُ النَّاعِي
.
وَكَانَ [ مِنْ ] نِعَمِ
مَعْنٍ عَلَى مُجَّاعَةَ أَنَّهُ قَضَى لَهُ ثَلَاثَ حَوَائِجَ مِنْهَا : أَنَّهُ كَانَ يَتَعَشَّقُ جَارِيَةً مِنْ أَهْلِ بَيْتِ
مَعْنٍ ، اسْمُهَا
زَهْرَاءُ ، فَطَلَبَهَا ، فَلَمْ يُجِبْهُ لِفَقْرِهِ ، فَطَلَبَهَا مِنْ
مَعْنٍ ، فَأَحْضَرَ أَبَاهَا ، فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَأَمْهَرَهَا مِنْ عِنْدِهِ .
وَمِنْهَا : أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ حَائِطًا بِعَيْنِهِ ، فَاشْتَرَاهُ لَهُ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ اسْتَوْهَبَ مِنْهُ شَيْئًا ، فَوَهَبَ لَهُ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ تَمَامَ مِائَةِ أَلْفٍ .
قِيلَ : وَكَانَ
الْمَنْصُورُ يَقُولُ : مَا أَحْوَجَنِي أَنْ يَكُونَ عَلَى بَابِي أَرْبَعَةُ نَفَرٍ لَا يَكُونُ عَلَى بَابِي أَعَفَّ مِنْهُمْ ، هُمْ أَرْكَانُ الدَّوْلَةِ وَلَا يَصْلُحُ الْمُلْكُ إِلَّا بِهِمْ ، أَمَّا أَحَدُهُمْ فَقَاضٍ
[ ص: 201 ] لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، وَالْآخَرُ صَاحِبُ شُرْطَةٍ يُنْصِفُ الضَّعِيفَ مِنَ الْقَوِيِّ ، وَالثَّالِثُ صَاحِبُ خَرَاجٍ يَسْتَقْصِي وَلَا يَظْلِمُ الرَّعِيَّةَ .
ثُمَّ عَضَّ عَلَى إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ : آهٍ آهٍ . قِيلَ : مَا هُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : صَاحِبُ بَرِيدٍ يَكْتُبُ خَبَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ .
وَقِيلَ : دَعَا
الْمَنْصُورُ بِعَامِلٍ قَدْ كَسَرَ خَرَاجَهُ ، فَقَالَ لَهُ : أَدِّ مَا عَلَيْكَ ! فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ شَيْئًا . وَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ! فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، هَبْ مَا عَلَيَّ لِلَّهِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . فَخَلَّى سَبِيلَهُ .
وَقِيلَ : وَأُتِيَ بِعَامِلٍ ، فَحَبَسَهُ وَطَالَبَهُ ، فَقَالَ الْعَامِلُ : عَبْدُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ : بِئْسَ الْعَبْدُ أَنْتَ ! فَقَالَ : لَكِنَّكَ نِعْمَ الْمَوْلَى . قَالَ : أَمَّا لَكَ فَلَا .
قِيلَ : وَأُتِيَ بِخَارِجِيٍّ قَدْ هَزَمَ لَهُ جُيُوشًا ، فَأَرَادَ ضَرْبَ رَقَبَتِهِ ، ثُمَّ ازْدَرَاهُ فَقَالَ : يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ ! مِثْلُكَ يَهْزِمُ الْجُيُوشَ ؟ ! فَقَالَ لَهُ : وَيْلَكَ وَسَوْأَةً لَكَ أَمْسِ ، بَيْنِي وَبَيْنَكَ السَّيْفُ ، وَالْيَوْمَ الْقَذْفُ وَالسَّبُّ ، وَمَا كَانَ يُؤَمِّنُكَ أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ وَقَدْ يَئِسْتُ مِنَ الْحَيَاةِ فَلَا تَسْتَقِيلُهَا أَبَدًا ؟ فَاسْتَحْيَا مِنْهُ
الْمَنْصُورُ وَأَطْلَقَهُ .
قِيلَ : وَكَانَ شَغْلُ
الْمَنْصُورِ ، فِي صَدْرِ نَهَارِهِ ، بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَالْوِلَايَاتِ ، وَالْعَزْلِ ، وَشَحْنِ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ ، وَأَمْنِ السُّبُلِ ، وَالنَّظَرِ فِي الْخَرَاجِ وَالنَّفَقَاتِ ، وَمَصْلَحَةِ مَعَاشِ الرَّعِيَّةِ ، وَالتَّلَطُّفِ بِسُكُونِهِمْ وَهَدْيِهِمْ ، فَإِذَا صَلَّى الْعَصْرَ جَلَسَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ .
فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ جَلَسَ يَنْظُرُ فِيمَا وَرَدَ مِنْ كُتُبِ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ وَالْآفَاقِ ، وَشَاوَرَ سُمَّارَهُ ، فَإِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ ( قَامَ إِلَى فِرَاشِهِ ، وَانْصَرَفَ سُمَّارُهُ ، وَإِذَا مَضَى الثُّلُثُ الثَّانِي قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَجْلِسُ فِي إِيوَانِهِ .
[ ص: 202 ] قِيلَ : وَقَالَ
لِلْمَهْدِيِّ : لَا تُبْرِمْ أَمْرًا حَتَّى تُفَكِّرَ فِيهِ ، فَإِنَّ فِكْرَ الْعَاقِلِ مِرْآتُهُ تُرِيهِ حَسَنَهُ وَسَيِّئَهُ . يَا بُنَيَّ ! لَا يَصْلُحُ السُّلْطَانُ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، وَلَا تَصْلُحُ رَعِيَّتُهُ إِلَّا بِالطَّاعَةِ ، وَلَا تَعْمُرُ الْبِلَادُ بِمِثْلِ الْعَدْلِ ، وَأَقْدَرُ النَّاسِ عَلَى الْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ ، وَأَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ ظَلَمَ مَنْ هُوَ دُونَهُ ، وَاعْتَبِرْ عَمَلَ صَاحِبِكَ وَعِلْمَهُ بِاخْتِبَارِهِ .
يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ! لَا تَجْلِسْ مَجْلِسًا إِلَّا وَمَعَكَ مِنْ [ أَهْلِ ] الْعِلْمِ مَنْ يُحَدِّثُكَ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ أَحْسَنَ السِّيرَةَ ، وَمَنْ أَبْغَضَ الْحَمْدَ أَسَاءَهَا ، وَمَا أَبْغَضَ الْحَمْدَ أَحَدٌ إِلَّا اسْتُذِمَّ ، وَمَا اسْتُذِمَّ إِلَّا كُرِهَ .
يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ! لَيْسَ الْعَاقِلُ الَّذِي يَحْتَالُ لِلْأَمْرِ الَّذِي غَشِيَهُ ، بَلِ الْعَاقِلُ الَّذِي يَحْتَالُ لِلْأَمْرِ حَتَّى لَا يَقَعَ فِيهِ .
وَقَالَ
لِلْمَهْدِيِّ يَوْمًا : كَمْ رَايَةً عِنْدَكَ ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي . قَالَ : ( هَذَا وَاللَّهِ التَّضْيِيعُ ، وَأَنْتَ ) لِأَمْرِ الْخِلَافَةِ أَشَدُّ تَضْيِيعًا ، وَلَكِنْ قَدْ جَمَعْتُ لَكَ مَا لَا يَضُرُّكَ مَعَهُ مَا ضَيَّعْتَ ، فَاتَّقِ اللَّهَ فِيمَا خَوَّلَكَ .
قِيلَ : وَقَالَ
إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى : لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ
بَنِي الْعَبَّاسِ يَتَكَلَّمُ فَيَبْلُغُ حَاجَتَهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ ، غَيْرُ
الْمَنْصُورِ ، وَأَخِيهِ
الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، وَعَمِّهِمَا
دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ .
قِيلَ : وَخَطَبَ
الْمَنْصُورُ يَوْمًا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ أَحْمَدُهُ وَأَسْتَعِينُهُ ، وَأُؤْمِنُ بِهِ ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . فَاعْتَرَضَهُ إِنْسَانٌ فَقَالَ : أَيُّهَا الْإِنْسَانُ أُذَكِّرُكَ مَنْ ذَكَّرْتَ بِهِ ! فَقَطَعَ الْخُطْبَةَ ، ثُمَّ قَالَ : سَمْعًا ، سَمْعًا لِمَنْ حَفِظَ عَنِ اللَّهِ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ جَبَّارًا عَنِيدًا ، أَوْ تَأْخُذُنِي الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ، لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا ، وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ .
وَأَنْتَ أَيُّهَا الْقَائِلُ ، فَوَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ بِهَذَا الْقَوْلِ اللَّهَ ، وَلَكِنَّكَ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ قَامَ ، فَقَالَ ، فَعُوقِبَ ، فَصَبَرَ ، وَأَهْوَنَ بِهَا ، وَيْلَكَ ، لَقَدْ هَمَمْتُ ، وَاغْتَنِمْهَا إِذْ عَفَوْتُ ، وَإِيَّاكَ ، وَإِيَّاكُمْ مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أُخْتَهَا ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ عَلَيْنَا نُزِّلَتْ ، وَمِنْ عِنْدِنَا فُصِّلَتْ ، فَرُدُّوا الْأَمْرَ إِلَى أَهْلِهِ ، تُورِدُوهُ مَوَارِدَهُ ، وَتُصْدِرُوهُ مَصَادِرَهُ .
[ ص: 203 ] ثُمَّ عَادَ إِلَى خُطْبَتِهِ ، كَأَنَّمَا يَقْرَأُهَا ، فَقَالَ : وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
وَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَاعِدٍ : خَطَبَ
الْمَنْصُورُ بِمَكَّةَ ، بَعْدَ بِنَاءِ
بَغْدَاذَ ، فَكَانَ مِمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=105وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) . أَمْرٌ مُبْرَمٌ ، وَقَوْلٌ عَدْلٌ ، وَقَضَاءٌ فَصْلٌ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَفْلَجَ حُجَّتَهُ ، وَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْكَعْبَةَ غَضًّا ، وَالْفَيْءَ إِرْثًا وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=91جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ) ، لَقَدْ حَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ، فَكَمْ مِنْ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ ، وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَهْمَلَهُمُ اللَّهُ حِينَ بَدَّلُوا السُّنَّةَ ، وَاضْطَهَدُوا الْعِتْرَةَ ، وَعَنَدُوا ، وَاعْتَدَوْا ، وَاسْتَكْبَرُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=98هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ) .
قَالَ : وَكَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يَشْكُو بَعْضَ عُمَّالِهِ ، فَوَقَّعَ إِلَى الْعَامِلِ فِي الرُّقْعَةِ : إِنْ آثَرْتَ الْعَدْلَ صَحِبَتْكَ السَّلَامَةُ ، وَإِنْ آثَرْتَ الْجَوْرَ فَمَا أَقْرَبَكَ مِنَ النَّدَامَةِ ، فَأَنْصِفْ هَذَا الْمُتَظَلِّمَ مِنَ الظُّلَامَةِ .
قِيلَ : وَكَتَبَ إِلَى [
الْمَنْصُورِ ] صَاحِبُ
أَرْمِينِيَّةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ الْجُنْدَ قَدْ شَغَبُوا عَلَيْهِ ، وَنَهَبُوا مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ، فَوَقَّعَ فِي كِتَابِهِ : اعْتَزِلْ عَمَلَنَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ، فَلَوْ عَقَلْتَ لَمْ يَشْغَبُوا ، وَلَوْ قَوِيتَ لَمْ يَنْهَبُوا .
وَهَذَا وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَوَصَايَاهُ يَدُلُّ عَلَى فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَيْضًا مِنَ الْكُتُبِ وَغَيْرِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ وَاحِدَ زَمَانِهِ ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَبْخَلُ .
وَمِمَّا نُقِلَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
الْوَضِينِ بْنِ عَطَاءٍ : اسْتَزَارَنِي
الْمَنْصُورُ ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خُلَّةٌ قَبْلَ الْخِلَافَةِ ، فَخَلَوْنَا يَوْمًا ، فَقَالَ : يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ! مَا لَكَ ؟ قُلْتُ : الْخَبَرُ الَّذِي تَعْرِفُهُ .
قَالَ : وَمَا عِيَالُكَ ؟ قُلْتُ : ثَلَاثُ بَنَاتٍ ، وَالْمَرْأَةُ ، وَخَادِمٌ لَهُنَّ . فَقَالَ : أَرْبَعٌ فِي بَيْتِكَ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ !
[ ص: 204 ] فَرَدَّدَهَا ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُعِينُنِي ، ثُمَّ قَالَ : أَنْتَ أَيْسَرُ الْعَرَبِ ، أَرْبَعَةُ مَغَازِلَ يَدُرْنَ فِي بَيْتِكَ .
قِيلَ : رُفِعَ غُلَامٌ
لِأَبِي عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ لَهُ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ، فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَقَالَ : هَذَا مَالِي . قَالَ : مِنْ أَيْنَ يَكُونُ مَالُكَ ، وَوَاللَّهِ مَا وَلَّيْتُكَ عَمَلًا قَطُّ ، وَلَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ رَحِمٌ وَلَا قَرَابَةٌ ! قَالَ : بَلَى ! [ كُنْتَ ] تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً
لِعُيَيْنَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ كَعْبٍ ، فَوَرَّثَتْكَ مَالًا ، وَكَانَ قَدْ عَصَى
بِالسِّنْدِ ، [ وَهُوَ وَالٍ عَلَى السِّنْدِ ] ، وَأَخَذَ مَالِي فَهَذَا الْمَالُ مِنْ ذَاكَ .
وَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15639لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ : إِنَّ
الْمَنْصُورَ يُكْثِرُ مِنْ لُبْسِ جُبَّةٍ هَرَوِيَّةٍ ، وَإِنَّهُ يُرَقِّعُ قَمِيصَهُ . فَقَالَ
جَعْفَرٌ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَطَفَ بِهِ ، حَتَّى ابْتَلَاهُ بِفَقْرِ نَفْسِهِ فِي مُلْكِهِ .
قِيلَ : وَكَانَ
الْمَنْصُورُ إِذَا عَزَلَ عَامِلًا أَخَذَ مَالَهُ وَتَرَكَهُ فِي بَيْتِ مَالٍ مُفْرَدٍ سَمَّاهُ بَيْتَ مَالِ الْمَظَالِمِ ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ اسْمَ صَاحِبِهِ ، وَقَالَ
لِلْمَهْدِيِّ : قَدْ هَيَّأْتُ لَكَ شَيْئًا فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَادْعُ مَنْ أَخَذْتَ مَالَهُ ، فَارْدُدْهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّكَ تُسْتَحْمَدُ بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْعَامَّةِ ، فَفَعَلَ
الْمَهْدِيُّ ذَلِكَ .
وَلَهُ فِي ضِدِّ ذَلِكَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ .
قِيلَ : وَذَكَرَ زَيْدٌ مَوْلَى
عِيسَى بْنِ نَهِيكٍ قَالَ : دَعَانِي
الْمَنْصُورُ ، بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَايَ ، فَسَأَلَنِي : كَمْ خَلَّفَ مِنْ مَالٍ ؟ قُلْتُ : أَلْفَ دِينَارٍ ، وَأَنْفَقَتْهُ امْرَأَتُهُ فِي مَأْتَمِهِ . قَالَ : كَمْ خَلَّفَ مِنَ الْبَنَاتِ ؟ قُلْتُ : سِتًّا ، فَأَطْرَقَ ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ : اغْدُ إِلَى
الْمَهْدِيِّ ، فَغَدَوْتُ إِلَيْهِ ، فَأَعْطَانِي مِائَةَ أَلْفٍ وَثَمَانِينَ أَلْفِ دِينَارٍ ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثِينَ أَلْفًا . ثُمَّ دَعَانِي
الْمَنْصُورُ فَقَالَ : عُدَّ عَلَيَّ بِأَكْفَائِهِنَّ حَتَّى أُزَوِّجَهُنَّ ، فَفَعَلْتُ ، فَزَوَّجَهُنَّ ، وَأَمَرَ أَنْ تُحْمَلَ إِلَيْهِنَّ صَدُقَاتِهِنَّ مِنْ مَالِهِ ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَشْتَرِيَ بِمَالِهِنَّ ضِيَاعًا لَهُنَّ يَكُونُ مَعَاشُهُنَّ مِنْهَا .
قِيلَ : وَفَرَّقَ
الْمَنْصُورُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ، عَشَرَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَأَمَرَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَعْمَامِهِ مِنْهُمْ :
سُلَيْمَانُ ،
وَعِيسَى ،
وَصَالِحٌ ،
وَإِسْمَاعِيلُ ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَلْفِ أَلْفٍ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَصَلَ بِهَا .
[ ص: 205 ] وَلَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13614يَزِيدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ هُبَيْرَةَ : مَا رَأَيْتُ رُجَلًا قَطُّ فِي حَرْبٍ ، وَلَا سَمِعْتُ بِهِ فِي سِلْمٍ أَنْكَرَ ، وَلَا أَمْكَرَ ، وَلَا أَشَدَّ تَيَقُظًّا مِنَ
الْمَنْصُورِ .
لَقَدْ حَصَرَنِي تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ، وَمَعِي فُرْسَانُ الْعَرَبِ ، فَجَهَدْنَا بِكُلِّ الْجُهْدِ أَنْ نَنَالَ مِنْ عَسْكَرِهِ شَيْئًا ، فَمَا تَهَيَّأَ ، وَلَقَدْ حَصَرَنِي وَمَا فِي رَأْسِي شَعْرَةٌ بَيْضَاءُ ، فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ وَمَا فِي رَأْسِي شَعْرَةٌ سَوْدَاءُ .
قِيلَ : وَأَرْسَلَ
ابْنُ هُبَيْرَةَ إِلَى
الْمَنْصُورِ ، وَهُوَ مُحَاصِرُهُ ، يَدْعُو إِلَى الْمُبَارَزَةِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنَّكَ مُتَعَدٍّ طَوْرَكَ ، جَارٍ فِي عِنَانِ غَيِّكَ ، يَعِدُكَ اللَّهُ مَا هُوَ مُصَدِّقُهُ ، وَيُمَنِّيكَ الشَّيْطَانُ مَا هُوَ مُكَذِّبُهُ ، وَيُقَرِّبُ مَا اللَّهُ مُبَاعِدُهُ ، فَرُوَيْدًا يُتِمُّ الْكِتَابَ أَجَلَهُ . ، وَقَدْ ضَرَبْتُ مَثَلِي وَمَثَلَكَ : بَلَغَنِي أَنَّ أَسَدًا لَقِيَ خِنْزِيرًا ، فَقَالَ لَهُ الْخِنْزِيرُ : قَاتِلْنِي ! فَقَالَ الْأَسَدُ : إِنَّمَا أَنْتَ خِنْزِيرٌ ، وَلَسْتَ بِكُفْؤٍ لِي وَلَا نَظِيرٍ ، وَمَتَى قَاتَلْتُكَ فَقَتَلْتُكَ قِيلَ لِي : قَتَلَ خِنْزِيرًا ، فَلَا أَعْتَقِدُ فَخْرًا ، وَلَا ذِكْرًا ، وَإِنْ نَالَنِي مِنْكَ شَيْءٌ كَانَ سُبَّةً عَلَيَّ . فَقَالَ الْخِنْزِيرُ : إِنْ لَمْ تَفْعَلْ أَعْلَمْتُ السِّبَاعَ أَنَّكَ نَكَلْتَ عَنِّي ، فَقَالَ الْأَسَدُ : احْتِمَالُ عَارِ كَذِبِكَ عَلَيَّ أَيْسَرُ مِنْ لَطْخِ شَرَابِي بِدَمِكَ .
قِيلَ : وَكَانَ
الْمَنْصُورُ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَ الْخَيْشَ ، فَإِنَّ الْأَكَاسِرَةَ كَانُوا يُطَيِّنُونَ كُلَّ يَوْمٍ بَيْتًا يَسْكُنُونَ فِي الصَّيْفِ ، وَكَذَلِكَ
بَنُو أُمَيَّةَ .
قِيلَ : وَأُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ
بَنِي أُمَيَّةَ ، فَقَالَ : إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ ، فَاصْدُقْنِي وَلَكَ الْأَمَانُ . قَالَ : نَعَمْ ! قَالَ : مِنْ أَيْنَ أُتِيَ
بَنُو أُمَيَّةَ ؟ قَالَ : مِنْ تَضْيِيعِ الْأَخْبَارِ . قَالَ : فَأَيُّ الْأَمْوَالِ وَجَدُوهَا أَنْفَعَ ؟ قَالَ : الْجَوْهَرُ . قَالَ : فَعِنْدَ مَنْ وَجَدُوا الْوَفَاءَ ؟ قَالَ : عِنْدَ مَوَالِيهِمْ ، فَأَرَادَ
الْمَنْصُورُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي الْأَخْبَارِ بِأَهْلِ بَيْتِهِ ، فَقَالَ : اضَعُ مِنْهُمْ ، فَاسْتَعَانَ بِمَوَالِيهِ .