الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر موت عبد الله بن علي

وكان المنصور قد أحضر عيسى بن موسى بعد أن خلع نفسه ، وسلم إليه عمه عبد الله بن علي وأمره بقتله ، وقال له : إن الخلافة صائرة إليك بعد المهدي فاضرب عنقه ، وإياك أن تضعف فتنقض علي أمري الذي دبرته .

ثم مضى إلى مكة وكتب إلى عيسى من الطريق يستعلم منه ما فعل في الأمر الذي أمره ، فكتب عيسى في الجواب : قد أنفذت ما أمرت به ، فلم يشك أنه قتله . وكان عيسى حين أخذ عبد الله من عند المنصور دعا كاتبه يونس بن فروة وأخبره الخبر ، فقال : أراد أن تقتله ثم يقتلك لأنه أمر بقتله سرا ثم يدعيه عليك علانية ، فلا تقتله ولا تدفعه إليه سرا أبدا واكتم أمره . ففعل ذلك عيسى .

فلما قدم المنصور وضع على أعمامه من يحركهم على الشفاعة في أخيهم عبد الله ، ففعلوا وشفعوا ، فشفعهم وقال لعيسى : إني كنت دفعت إليك عمي وعمك عبد الله ليكون في منزلك ، وقد كلمني عمومتك فيه ، وقد صفحت عنه فأتنا به .

قال : يا أمير المؤمنين ألم تأمرني بقتله ؟ فقتلته ! قال : ما أمرتك ! قال : بلى أمرتني . قال : ما أمرتك إلا بحبسه وقد كذبت ! ثم قال المنصور لعمومته : إن هذا قد ( أقر لكم ) بقتل أخيكم قالوا : فادفعه إلينا نقيده به . فسلمه إليهم ، وخرجوا به إلى الرحبة ، واجتمع الناس وشهر الأمر ، وقام أحدهم ليقتله ، فقال له عيسى : أفاعل أنت ؟ قال : إي والله ! قال : ردوني إلى أمير المؤمنين . فردوه إليه .

فقال له : إنما أردت بقتله أن تقتلني . هذا عمك حي سوي . قال : ائتنا به . فأتاه به . قال : يدخل حتى أرى رأيي ، ثم انصرفوا ، ثم أمر به فجعل في بيت أساسه ملح وأجرى الماء في أساسه فسقط عليه ، فمات فدفن في مقابر باب الشام ، فكان أول من دفن فيها ، وكان عمره اثنتين وخمسين سنة .

قيل : ركب المنصور يوما ومعه ابن عياش المنتوف ، فقال له المنصور : تعرف ثلاثة خلفاء أسماؤهم على العين قتلت ثلاثة خوارج مبدأ أسمائهم على العين ؟ قال : لا أعرف إلا ما يقول العامة : إن عليا قتل عثمان ، وكذبوا ، وعبد الملك قتل عبد الرحمن بن [ ص: 153 ] الأشعث ، وعبد الله بن الزبير قتل عمرو بن سعيد ، وعبد الله بن علي سقط عليه البيت . فقال المنصور : إذا سقط عليه فما ذنبي أنا ؟ قال : ما قلت إن لك ذنبا .

قوله : ابن الزبير قتل عمرو بن سعيد ليس بصحيح ، إنما قتله عبد الملك .

( عياش بالياء المثناة من تحت ، والشين المعجمة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية