ذكر علي بن عيسى بن ماهان عن خراسان وولاية هرثمة عزل
وفيها عزل الرشيد علي بن عيسى بن ماهان عن خراسان ، وكان سبب ذلك ما ذكرناه من قتل ابنه عيسى ، فلما قتل جزع عليه أبوه ، فخرج عن بلخ إلى مرو مخافة عليها أن [ ص: 378 ] يسير إليها رافع بن الليث ليأخذها ، وكان ابنه عيسى قد دفن في بستان في داره ببلخ - أموالا عظيمة ، قيل : كانت ثلاثين ألف ألف ، ولم يعلم بها أبوه ، ولم يطلع عليها إلا جارية له ، فلما سارعلي بن عيسى إلى مرو أطلعت الجارية على ذلك بعض الخدم ، وتحدث به الناس واجتمعوا ، ودخلوا البستان ، ونهبوا المال ، وبلغ الرشيد الخبر ، فقال : خرج عن بلخ عن غير أمري ، وخلف مثل هذا المال ، وهو يزعم أنه قد باع حلى نسائه فيما أنفق على محاربة رافع ! فعزله واستعمل هرثمة بن أعين .
وكان قد نقم الرشيد عليه ما كان يبلغه من سوء سيرته وإهانته أعيان الناس واستخفافه بهم ، فمن ذلك أنه دخل عليه يوما الحسين بن مصعب والد ، طاهر بن الحسين وهشام بن فرخسرو ، فسلما عليه ، فقال للحسين : لا سلم الله عليك يا ملحد يا بن الملحد ، والله إني لأعرف ما أنت عليه من عداوة الإسلام ، والطعن في الدين ، ولم أنتظر بقتلك إلا أمر الخليفة ، ألست المرجف بي في منزلي هذا بعد أن ثملت من الخمر ، وزعمت أنك جاءتك كتب من بغداذ بعزلي ؟ اخرج إلى سخط الله ، لعنك الله ، فعن قريب ما يكون منها . فاعتذر إليه فلم يقبل عذره ، وأمر بإخراجه فأخرج .
وقال لهشام بن فرخسرو : صارت دارك دار الندوة ، يجتمع إليك السفهاء تطعن على الولاة ، سفك الله دمي إن لم أسفك دمك ! فاعتذر إليه فلم يعذره ، فأخرجه .
فأما الحسين فسار إلى الرشيد فاستجار به وشكا إليه ، فأجاره ، وأما هشام فإنه قال لبنت له : إني أخاف الأمير على دمي ، وأنا مفض إليك بأمر إن أنت أظهرته قتلت ، وإن أنت كتمته سلمت . قالت : وما هو ؟ قال : قد عزمت على أن أظهر أن الفالج قد أصابني ، فإذا كان في السحر ، فاجمعي جواريك ، واقصدي فراشي وحركيني ، فإذا رأيت حركتي ثقلت فصيحي أنت وجواريك ، واجمعي إخوتك فأعلميهم علتي . ففعلت ما أمرها ، وكانت عاقلة ، فأقام مطروحا على فراشه حينا لا يتحرك إلى أن جاء هرثمة واليا ، فركب إلى لقائه ، فرآه علي بن عيسى بن ماهان ، فقال : إلى أين ؟ فقال : أتلقى الأمير أبا حاتم . قال : ألم تكن عليلا ؟ فقال : وهب الله العافية ، وعزل الطاغية ، في ليلة واحدة ، فعلى هذا تكون ولاية هرثمة ظاهرة .
وقيل : بل كانت ولايته سرا ، لم يطلع الرشيد عليها أحدا ، فقيل : إنه لما أراد عزل علي بن عيسى استدعى هرثمة ، وأسر إليه ذلك ، وقال له : إن علي بن عيسى قد كتب [ ص: 379 ] يستمدني بالعساكر والأموال ، فأظهر للناس أنك تسير إليه نجدة له . وكتب له الرشيد كتابا بولايته بخط يده ، وأمر كتابه أن يكتبوا له إلى علي بن عيسى بأنه قد سير هرثمة نجدة له .
فسار هرثمة ولا يعلم بأمره أحد ، حتى ورد نيسابور ، فلما وردها استعمل أصحابه على كورها ، وسار مجدا يسبق الخبر ، فأتى مرو والتقاه علي بن عيسى ، فاحترمه هرثمة وعظمه حتى دخل البلد ، ثم قبض عليه وعلى أهله وأصحابه وأتباعه ، وأخذ أمواله فبلغت ثمانين ألف ( ألف ) ، ( وكانت خزائنه وأثاثه على ) ألف وخمسمائة بعير ، فأخذ الرشيد ذلك كله .
وكان وصول هرثمة إلى خراسان سنة اثنتين وتسعين ، فلما فرغ هرثمة من أخذ أموالهم أقامهم لمطالبة الناس ، وكتب إلى الرشيد بذلك ، وسير علي بن عيسى إليه على بعير بغير وطاء ولا غطاء .