ذكر مسير المأمون إلى العراق وقتل ذي الرياستين
وفي هذه السنة سار من المأمون مرو إلى العراق ، واستخلف على خراسان غسان بن عبادة .
[ ص: 500 ] وكان سبب مسيره أن أخبر علي بن موسى الرضى بما الناس فيه من الفتنة والقتال ، مذ قتل المأمون الأمين ، وبما كان يستر عنه من أخبار ، وأن أهل بيته والناس قد نقموا عليه أشياء ، وأنهم يقولون : مسحور ، مجنون ، وأنهم قد بايعوا الفضل بن سهل بالخلافة . إبراهيم بن المهدي
فقال له : لم يبايعوه بالخلافة ، وإنما صيروه أميرا يقوم بأمرهم ، على ما أخبره به الفضل . فأعلمه أن الفضل قد كذبه ، وأن الحرب قائمة بين المأمون الحسن بن سهل وإبراهيم ، والناس ينقمون عليك مكانه ، ومكان أخيه الفضل ، ومكاني ، ومكان بيعتك لي من بعدك .
فقال : ومن يعلم هذا ؟ قال : ، يحيى بن معاذ وعبد العزيز بن عمران وغيرهما من وجوه العسكر . فأمر بإدخالهم ، فدخلوا ، فسألهم عما أخبره به علي بن موسى ، ولم يخبروه حتى يجعل لهم الأمان من الفضل أن لا يعرض إليهم .
فضمن لهم ذلك ، وكتب لهم خطه به ، فأخبروه بالبيعة ، وأن لإبراهيم بن المهدي أهل بغداذ قد سموه الخليفة السني ، وأنهم يتهمون بالرفض ؛ لمكان المأمون علي بن موسى منه ، وأعلموه بما فيه الناس ، وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة ، وأن هرثمة إنما جاءه لينصحه ، فقتله الفضل ، وإن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة من يده ، وأن قد أبلى في طاعته ما يعلمه ، فأخرج من الأمر كله ، وجعل في زاوية من الأرض طاهر بن الحسين بالرقة ، لا يستعان به في شيء ، حتى ضعف أمره ، وشغب عليه جنده ، وأنه لو كان ببغداذ لضبط الملك ، وأن الدنيا قد تفتقت من أقطارها ، وسألوا الخروج إلى المأمون بغداذ ، فإن أهلها لو رأوك لأطاعوك .
فلما تحقق ذلك أمر بالرحيل ، فعلم الفضل بالحال ، فبغتهم حتى ضرب بعضهم ، وحبس بعضهم ، ونتف لحى بعضهم ، فقال علي بن موسى للمأمون في أمرهم ، فقال : أنا أدري . ثم ارتحل ، فلما أتى سرخس وثب قوم بالفضل بن سهل ، فقتلوه في الحمام ، وكان قتله لليلتين خلتا من شعبان ، وكان الذين قتلوه أربعة نفر ، أحدهم غالب المسعودي الأسود ، وقسطنطين الرومي ، وفرج الديلمي ، وموفق الصقلبي ، وكان عمره [ ص: 501 ] ستين سنة ، وهربوا ، فجعل لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار ، فجاء بهم المأمون العباس بن الهيثم الدينوري ، فقالوا للمأمون : أنت أمرتنا بقتله . فأمر بهم فضربت رقابهم .
وقيل : إن لما سألهم ، فمنهم من قال : إن المأمون علي بن أبي سعيد ابن أخت الفضل بن سهل وضعهم عليه ، ومنهم من أنكر ذلك ، فقتلهم ، ثم أحضر عبد العزيز بن عمران ، وعليا ( وموسى ) ، وخلقا ، فسألهم ، فأنكروا أن يكونوا علموا بشيء من ذلك ، فلم يقبل منهم ، وقتلهم ، وبعث برءوسهم إلى ، وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل ، وأنه قد صيره مكانه ، فوصله الخبر في رمضان . الحسن بن سهل
ورحل إلى المأمون العراق ، فكان ، إبراهيم بن المهدي وعيسى ، وغيرهما بالمدائن ، وكان أبو البط وسعيد بالنيل يراوحون القتال ويغادونه ، وكان المطلب بن عبد الله بن مالك قد عاد من المدائن ، فاعتل بأنه مريض ، فأتى بغداذ وجعل يدعو في السر إلى ، على أن المأمون ( خليفة منصور بن المهدي ، ويخلعون المأمون إبراهيم ، فأجابه ) ، منصور بن المهدي وخزيمة بن خازم ، وغيرهما من القواد ، وكتب المطلب إلى علي بن هشام وحميد أن يتقدما ، فينزل حميد نهر صرصر ، وينزل علي النهروان .
فلما علم بذلك عاد عن إبراهيم بن المهدي المدائن نحو بغداذ ، فنزل زندورد منتصف صفر ، وبعث إلى المطلب ومنصور وخزيمة يدعوهم ، فاعتلوا عليه ، فلما رأى ذلك بعث عيسى إليهم ، فأما منصور وخزيمة فأعطوا بأيديهما ، وأما المطلب فمنعه مواليه وأصحابه ، فنادى منادي إبراهيم : من أراد النهب فليأت دار المطلب ، فلما كان وقت الظهر وصلوا إلى داره فنهبوها ، ونهبوا دور أهله ، ولم يظفروا به ، وذلك لثلاث عشرة بقيت من صفر ، فلما بلغ حميدا وعلي بن هشام الخبر أخذ حميد المدائن ونزلها ، وقطع الجسر ، وأقاموا بها ، وندم إبراهيم حيث صنع بالمطلب ما صنع ، ثم لم يظفر به .