ذكر اختفاء إبراهيم بن المهدي
وفي هذه السنة اختفى ، وكان سبب ذلك أن إبراهيم بن المهدي حميدا تحول فنزل عند أرحاء عبد الله بن مالك ، فلما رأى أصحاب إبراهيم وقواده ذلك تسللوا إليه ، فصار عامتهم عنده ، وأخذوا له المدائن .
فلما رأى إبراهيم فعلهم أخرج جميع من بقي عنده حتى يقاتلوا ، فالتقوا على جسر نهر ديالى ، فاقتتلوا ، فهزمهم حميد ، وتبعهم أصحابه ، حتى دخلوا بغداذ ، وذلك سلخ ذي القعدة .
فلما كان الأضحى اختفى ، ثم تحول إلى الفضل بن الربيع حميد ، وجعل [ ص: 507 ] الهاشميون والقواد يأتون حميدا واحدا بعد واحد ، فلما رأى ذلك إبراهيم سقط في يديه ، وشق عليه ، وكاتب المطلب حميدا ليسلم إليه ذلك الجانب ، وكان سعيد بن الساجور ، وأبو البط وغيرهما ، يكاتبون علي بن هشام على أن يأخذوا له إبراهيم ، فلما علم إبراهيم بأمرهم ، وما اجتمع عليه كل قوم من أصحابه ، جعل يداريهم ، فلما جنه الليل اختفى ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة .
وبعث المطلب إلى حميد يعلمه أنه قد أحدق بدار إبراهيم ، وكتب ابن الساجور إلى علي بن هشام ، فركب حميد من ساعته من أرحاء عبد الله ، فأتى باب الجسر ، وجاء علي بن هشام حتى نزل نهر بين ، ثم تقدم إلى مسجد كوثر ، وأقبل حميد إلى دار إبراهيم ، فطلبوه فلم يجدوه فيها ، فلم يزل إبراهيم متواريا حتى جاء ، وبعد ما قدم ، حتى كان من أمره ما كان . المأمون
وكانت أيام إبراهيم سنة وأحد عشر شهرا واثني عشر يوما ، وكان بعده علي بن هشام على شرقي بغداذ ، وحميد على غربيها .
وكان إبراهيم قد أطلق سهل بن سلامة من الحبس ، وكان الناس يظنونه قد قتل ، فكان يدعو في مسجد الرصافة إلى ما كان عليه ، فإذا جاء الليل يرد إلى حبسه ، ثم إنه أطلقه ، وخلى سبيله لليلة خلت من ذي الحجة ، فذهب ، فاختفى ، ثم ظهر بعد هرب إبراهيم ، فقربه حميد وأحسن إليه ، ورده إلى أهله ، فلما جاء أجازه ووصله . المأمون