ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33723بيعة يزيد قيل : وفي رجب من هذه السنة بويع
يزيد بالخلافة بعد موت أبيه ، على ما سبق من الخلاف فيه ، فلما تولى كان على
المدينة nindex.php?page=showalam&ids=15497الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وعلى
مكة nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد بن العاص ، وعلى
البصرة nindex.php?page=showalam&ids=16521عبيد الله بن زياد ، وعلى
الكوفة nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير ، ولم يكن
ليزيد همة إلا بيعة النفر الذين أبوا على
معاوية بيعته ، فكتب إلى
الوليد يخبره بموت
معاوية ، وكتابا آخر صغيرا فيه : أما بعد فخذ حسينا
nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا ليس فيه رخصة حتى يبايعوا ، والسلام . فلما أتاه نعي
معاوية فظع به وكبر عليه وبعث إلى
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم فدعاه .
وكان
مروان عاملا على
المدينة من قبل
[ ص: 128 ] الوليد ، فلما قدمها
الوليد كان
مروان يختلف إليه متكارها ، فلما رأى
الوليد ذلك منه شتمه عند جلسائه ، فبلغ ذلك
مروان فانقطع عنه ولم يزل مصارما له حتى جاء نعي
معاوية ، فلما عظم على
الوليد هلاكه وما أمر به من بيعة هؤلاء النفر ، استدعى
مروان فلما قرأ الكتاب بموت
معاوية استرجع وترحم عليه ، واستشاره
الوليد كيف يصنع .
قال : أرى أن تدعوهم الساعة وتأمرهم بالبيعة ، فإن فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم ، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت
معاوية ، فإنهم إن علموا بموته وثب كل رجل منهم بناحية وأظهر الخلاف ودعا إلى نفسه ، أما
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فلا يرى القتال ولا يحب أن يلي على الناس إلا أن يدفع إليه هذا الأمر عفوا .
فأرسل
الوليد عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وهو غلام حدث ، إلى
الحسين وابن الزبير يدعوهما ، فوجدهما في المسجد وهما جالسان ، فأتاهما في ساعة لم يكن
الوليد يجلس فيها للناس فقال : أجيبا الأمير .
فقالا : انصرف ، الآن نأتيه .
وقال
ابن الزبير للحسين : ما تراه بعث إلينا في هذه الساعة التي لم يكن يجلس فيها ؟ فقال
الحسين : أظن أن طاغيتهم قد هلك فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر .
فقال : وأنا ما أظن غيره ، فما تريد أن تصنع ؟ قال
الحسين : أجمع فتياني الساعة ثم أمشي إليه وأجلسهم على الباب وأدخل عليه .
قال : فإني أخافه عليك إذا دخلت .
قال : لا آتيه إلا وأنا قادر على الامتناع .
فقام فجمع إليه أصحابه وأهل بيته ثم أقبل على باب
الوليد وقال لأصحابه :
إني داخل فإذا دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فادخلوا علي بأجمعكم وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم .
ثم دخل فسلم ،
ومروان عنده ، فقال
الحسين :
الصلة خير من القطيعة ،
nindex.php?page=treesubj&link=15442والصلح خير من الفساد ، وقد آن لكما أن تجتمعا ، أصلح الله ذات بينكما ، وجلس ، فأقرأه
الوليد الكتاب ، ونعى له
معاوية ودعاه إلى البيعة ، فاسترجع
الحسين وترحم على
معاوية وقال : أما البيعة فإن مثلي لا يبايع سرا ولا يجتزأ بها مني سرا ، فإذا خرجت إلى الناس ودعوتهم للبيعة ودعوتنا معهم كان الأمر واحدا .
فقال
الوليد ، وكان يحب العافية : انصرف .
فقال له
مروان : لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبسه فإن بايع وإلا ضربت عنقه .
فوثب
[ ص: 129 ] عند ذلك
الحسين وقال :
ابن الزرقاء أأنت تقتلني أم هو ؟ كذبت والله ولؤمت ! ثم خرج حتى أتى منزله .
فقال
مروان للوليد : عصيتني ، لا والله لا يمكنك من نفسه بمثلها أبدا ، فقال
الوليد : وبخ غيرك يا
مروان ، والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت
حسينا إن قال لا أبايع ، والله إني لأظن أن امرأ يحاسب بدم
الحسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة .
قال
مروان : قد أصبت . يقول له هذا وهو غير حامد له على رأيه .
وأما
ابن الزبير فقال : الآن آتيكم .
ثم أتى داره فكمن فيها ، ثم بعث إليه
الوليد فوجده قد جمع أصحابه واحترز ، فألح عليه
الوليد وهو يقول : أمهلوني .
فبعث إليه
الوليد مواليه ، فشتموه وقالوا له : يا ابن الكاهلية لتأتين الأمير أو ليقتلنك ! فقال لهم : والله لقد استربت لكثرة الإرسال ، فلا تعجلوني حتى أبعث إلى الأمير من يأتيني برأيه .
فبعث إليه أخاه
جعفر بن الزبير ، فقال : رحمك الله ، كف عن
عبد الله فإنك قد أفزعته وذعرته وهو يأتيك غدا إن شاء الله تعالى ، فمر رسلك فلينصرفوا عنه .
فبعث إليهم فانصرفوا .
وخرج
ابن الزبير من ليلته فأخذ طريق الفرع هو وأخوه
جعفر ليس معهما ثالث وسارا نحو
مكة ، فسرح الرجال في طلبه فلم يدركوه ، فرجعوا وتشاغلوا به عن
الحسين ليلتهم ، ثم أرسل الرجال إلى
الحسين فقال لهم : أصبحوا ثم ترون ونرى ، وكانوا يبقون عليه ، فكفوا عنه ، فسار من ليلته :
وكان مخرج
ابن الزبير قبله بليلة ، وأخذ معه بنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته إلا
nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية فإنه قال له : يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست أذخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك ، تنح ببيعتك عن
يزيد وعن الأمصار ما استطعت وابعث رسلك إلى الناس وادعهم إلى نفسك فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك ، إني أخاف أن تأتي مصرا وجماعة من الناس فيختلفوا
[ ص: 130 ] عليك ، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأول الأسنة ، فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا .
قال
الحسين : فأين أذهب يا أخي ؟ قال : انزل
مكة فإن اطمأنت بك الدار فبسبيل ذلك ، وإن نأت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس ، ويفرق لك الرأي ، فإنك أصوب ما يكون رأيا وأحزمه عملا حين تستقبل الأمور استقبالا ، ولا تكون الأمور عليك أبدا أشكل منها حين تستدبرها .
قال : يا أخي قد نصحت وأشفقت ، وأرجو أن يكون رأيك سديدا وموفقا إن شاء الله .
ثم دخل المسجد وهو يتمثل بقول
nindex.php?page=showalam&ids=17375يزيد بن مفرغ :
لا ذعرت السوام في شفق الصب ح مغيرا ولا دعيت يزيدا
يوم أعطى من المهانة ضيما
والمنايا يرصدنني أن أحيدا
ولما سار
الحسين نحو
مكة قرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21فخرج منها خائفا يترقب الآية . فلما دخل
مكة قرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22ولما توجه تلقاء مدين الآية .
ثم إن
الوليد أرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ليبايع فقال : إذا بايع الناس بايعت ، فتركوه وكانوا لا يتخوفونه .
وقيل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كان هو
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس بمكة فعادا إلى
المدينة ، فلقيهما
الحسين وابن الزبير فسألاهما : ما وراءكما ؟ فقالا : موت
معاوية وبيعة
يزيد . فقال
ابن [ ص: 131 ] عمر : لا تفرقا جماعة المسلمين .
وقدم هو
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس المدينة .
فلما بايع الناس بايعا .
قال : ودخل
ابن الزبير مكة وعليها
nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد ، فلما دخلها قال : أنا عائذ
بالبيت .
ولم يكن يصلي بصلاتهم ولا يفيض بإفاضتهم ، وكان يقف هو وأصحابه ناحية .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=33723بَيْعَةِ يَزِيدَ قِيلَ : وَفِي رَجَبٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ
يَزِيدُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْخِلَافِ فِيهِ ، فَلَمَّا تَوَلَّى كَانَ عَلَى
الْمَدِينَةِ nindex.php?page=showalam&ids=15497الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَعَلَى
مَكَّةَ nindex.php?page=showalam&ids=5947عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَعَلَى
الْبَصْرَةِ nindex.php?page=showalam&ids=16521عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ ، وَعَلَى
الْكُوفَةِ nindex.php?page=showalam&ids=114النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ ، وَلَمْ يَكُنْ
لِيَزِيدَ هِمَّةٌ إِلَّا بَيْعَةُ النَّفَرِ الَّذِينَ أَبَوْا عَلَى
مُعَاوِيَةَ بَيْعَتَهُ ، فَكَتَبَ إِلَى
الْوَلِيدِ يُخْبِرُهُ بِمَوْتِ
مُعَاوِيَةَ ، وَكِتَابًا آخَرَ صَغِيرًا فِيهِ : أَمَّا بَعْدُ فَخُذْ حُسَيْنًا
nindex.php?page=showalam&ids=12وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ بِالْبَيْعَةِ أَخْذًا لَيْسَ فِيهِ رُخْصَةٌ حَتَّى يُبَايِعُوا ، وَالسَّلَامُ . فَلَمَّا أَتَاهُ نَعْيُ
مُعَاوِيَةَ فُظِعَ بِهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِ وَبَعَثَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=17065مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَدَعَاهُ .
وَكَانَ
مَرْوَانُ عَامِلًا عَلَى
الْمَدِينَةِ مِنْ قَبْلِ
[ ص: 128 ] الْوَلِيدِ ، فَلَمَّا قَدِمَهَا
الْوَلِيدُ كَانَ
مَرْوَانُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ مُتَكَارِهًا ، فَلَمَّا رَأَى
الْوَلِيدُ ذَلِكَ مِنْهُ شَتَمَهُ عِنْدَ جُلَسَائِهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ
مَرْوَانَ فَانْقَطَعَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ مُصَارِمًا لَهُ حَتَّى جَاءَ نَعْيُ
مُعَاوِيَةَ ، فَلَمَّا عَظُمَ عَلَى
الْوَلِيدِ هَلَاكُهُ وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ بَيْعَةِ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ ، اسْتَدْعَى
مَرْوَانَ فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ بِمَوْتِ
مُعَاوِيَةَ اسْتَرْجَعَ وَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ ، وَاسْتَشَارَهُ
الْوَلِيدُ كَيْفَ يَصْنَعُ .
قَالَ : أَرَى أَنْ تَدْعُوَهُمُ السَّاعَةَ وَتَأْمُرَهُمْ بِالْبَيْعَةِ ، فَإِنْ فَعَلُوا قَبِلْتَ مِنْهُمْ وَكَفَفْتَ عَنْهُمْ ، وَإِنْ أَبَوْا ضَرَبْتَ أَعْنَاقَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِمَوْتِ
مُعَاوِيَةَ ، فَإِنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِمَوْتِهِ وَثَبَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَاحِيَةٍ وَأَظْهَرَ الْخِلَافَ وَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ ، أَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ فَلَا يَرَى الْقِتَالَ وَلَا يُحِبُّ أَنْ يَلِيَ عَلَى النَّاسِ إِلَّا أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ هَذَا الْأَمْرُ عَفْوًا .
فَأَرْسَلَ
الْوَلِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ ، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ ، إِلَى
الْحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ يَدْعُوهُمَا ، فَوَجَدَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا جَالِسَانِ ، فَأَتَاهُمَا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنِ
الْوَلِيدُ يَجْلِسُ فِيهَا لِلنَّاسِ فَقَالَ : أَجِيبَا الْأَمِيرَ .
فَقَالَا : انْصَرِفِ ، الْآنَ نَأْتِيهِ .
وَقَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ لِلْحُسَيْنِ : مَا تَرَاهُ بَعَثَ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَجْلِسُ فِيهَا ؟ فَقَالَ
الْحُسَيْنُ : أَظُنُّ أَنَّ طَاغِيَتَهُمْ قَدْ هَلَكَ فَبَعَثَ إِلَيْنَا لِيَأْخُذَنَا بِالْبَيْعَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ فِي النَّاسِ الْخَبَرُ .
فَقَالَ : وَأَنَا مَا أَظُنُّ غَيْرَهُ ، فَمَا تُرِيدُ أَنْ تَصْنَعَ ؟ قَالَ
الْحُسَيْنُ : أَجْمَعُ فِتْيَانِي السَّاعَةَ ثُمَّ أَمْشِي إِلَيْهِ وَأُجْلِسُهُمْ عَلَى الْبَابِ وَأَدْخُلُ عَلَيْهِ .
قَالَ : فَإِنِّي أَخَافُهُ عَلَيْكَ إِذَا دَخَلْتَ .
قَالَ : لَا آتِيهِ إِلَّا وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ .
فَقَامَ فَجَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى بَابِ
الْوَلِيدِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ :
إِنِّي دَاخِلٌ فَإِذَا دَعَوْتُكُمْ أَوْ سَمِعْتُمْ صَوْتِي قَدْ عَلَا فَادْخُلُوا عَلَيَّ بِأَجْمَعِكُمْ وَإِلَّا فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ .
ثُمَّ دَخَلَ فَسَلَّمَ ،
وَمَرْوَانُ عِنْدَهُ ، فَقَالَ
الْحُسَيْنُ :
الصِّلَةُ خَيْرٌ مِنَ الْقَطِيعَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=15442وَالصُّلْحُ خَيْرٌ مِنَ الْفَسَادِ ، وَقَدْ آنَ لَكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا ، أَصْلَحَ اللَّهُ ذَاتَ بَيْنِكُمَا ، وَجَلَسَ ، فَأَقْرَأَهُ
الْوَلِيدُ الْكِتَابَ ، وَنَعَى لَهُ
مُعَاوِيَةَ وَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْعَةِ ، فَاسْتَرْجَعَ
الْحُسَيْنُ وَتَرَحَّمَ عَلَى
مُعَاوِيَةَ وَقَالَ : أَمَّا الْبَيْعَةُ فَإِنَّ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ سِرًّا وَلَا يُجْتَزَأُ بِهَا مِنِّي سِرًّا ، فَإِذَا خَرَجْتَ إِلَى النَّاسِ وَدَعَوْتَهُمْ لِلْبَيْعَةِ وَدَعَوْتَنَا مَعَهُمْ كَانَ الْأَمْرُ وَاحِدًا .
فَقَالَ
الْوَلِيدُ ، وَكَانَ يُحِبُّ الْعَافِيَةَ : انْصَرِفْ .
فَقَالَ لَهُ
مَرْوَانُ : لَئِنْ فَارَقَكَ السَّاعَةَ وَلَمْ يُبَايِعْ لَا قَدَرْتَ مِنْهُ عَلَى مِثْلِهَا أَبَدًا حَتَّى تَكْثُرَ الْقَتْلَى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، احْبِسْهُ فَإِنْ بَايَعَ وَإِلَّا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ .
فَوَثَبَ
[ ص: 129 ] عِنْدَ ذَلِكَ
الْحُسَيْنُ وَقَالَ :
ابْنَ الزَّرْقَاءِ أَأَنْتَ تَقْتُلُنِي أَمْ هُوَ ؟ كَذَبْتَ وَاللَّهِ وَلَؤُمْتَ ! ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ .
فَقَالَ
مَرْوَانُ لِلْوَلِيدِ : عَصَيْتَنِي ، لَا وَاللَّهِ لَا يُمَكِّنُكَ مِنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِهَا أَبَدًا ، فَقَالَ
الْوَلِيدُ : وَبِّخْ غَيْرَكَ يَا
مَرْوَانُ ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ عَنْهُ مِنْ مَالِ الدُّنْيَا وَمُلْكِهَا وَأَنِّي قَتَلْتُ
حُسَيْنًا إِنْ قَالَ لَا أُبَايِعُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنَّ أَنَّ امْرَأً يُحَاسَبُ بِدَمِ
الْحُسَيْنِ لَخَفِيفُ الْمِيزَانِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
قَالَ
مَرْوَانُ : قَدْ أَصَبْتَ . يَقُولُ لَهُ هَذَا وَهُوَ غَيْرُ حَامِدٍ لَهُ عَلَى رَأْيِهِ .
وَأَمَّا
ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ : الْآنَ آتِيكُمْ .
ثُمَّ أَتَى دَارَهُ فَكَمَنَ فِيهَا ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ
الْوَلِيدُ فَوَجَدَهُ قَدْ جَمَعَ أَصْحَابَهُ وَاحْتَرَزَ ، فَأَلَحَّ عَلَيْهِ
الْوَلِيدُ وَهُوَ يَقُولُ : أَمْهِلُونِي .
فَبَعَثَ إِلَيْهِ
الْوَلِيدُ مَوَالِيهِ ، فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا لَهُ : يَا ابْنَ الْكَاهِلِيَّةِ لَتَأْتِيَنَّ الْأَمِيرَ أَوْ لَيَقْتُلَنَّكَ ! فَقَالَ لَهُمْ : وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَرَبْتُ لِكَثْرَةِ الْإِرْسَالِ ، فَلَا تُعَجِّلُونِي حَتَّى أَبْعَثَ إِلَى الْأَمِيرِ مَنْ يَأْتِينِي بِرَأْيِهِ .
فَبَعَثَ إِلَيْهِ أَخَاهُ
جَعْفَرَ بْنَ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ : رَحِمَكَ اللَّهُ ، كُفَّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّكَ قَدْ أَفْزَعْتَهُ وَذَعَرْتَهُ وَهُوَ يَأْتِيكَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَمُرْ رُسُلَكَ فَلْيَنْصَرِفُوا عَنْهُ .
فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَانْصَرَفُوا .
وَخَرَجَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَخَذَ طَرِيقَ الْفُرْعِ هُوَ وَأَخُوهُ
جَعْفَرٌ لَيْسَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ وَسَارَا نَحْوَ
مَكَّةَ ، فَسَرَّحَ الرِّجَالَ فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ ، فَرَجَعُوا وَتَشَاغَلُوا بِهِ عَنِ
الْحُسَيْنِ لَيْلَتَهُمْ ، ثُمَّ أَرْسَلَ الرِّجَالَ إِلَى
الْحُسَيْنِ فَقَالَ لَهُمْ : أَصْبِحُوا ثُمَّ تَرَوْنَ وَنَرَى ، وَكَانُوا يُبْقُونَ عَلَيْهِ ، فَكَفُّوا عَنْهُ ، فَسَارَ مِنْ لَيْلَتِهِ :
وَكَانَ مَخْرَجُ
ابْنِ الزُّبَيْرِ قَبْلَهُ بِلَيْلَةٍ ، وَأَخَذَ مَعَهُ بَنِيهِ وَإِخْوَتَهُ وَبَنِي أَخِيهِ وَجُلَّ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12691مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ : يَا أَخِي أَنْتَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَعَزُّهُمْ عَلَيَّ وَلَسْتُ أَذَّخِرُ النَّصِيحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ ، تَنَحَّ بِبَيْعَتِكَ عَنْ
يَزِيدَ وَعَنِ الْأَمْصَارِ مَا اسْتَطَعْتَ وَابْعَثْ رُسُلَكَ إِلَى النَّاسِ وَادْعُهُمْ إِلَى نَفْسِكَ فَإِنْ بَايَعُوا لَكَ حَمِدْتَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى غَيْرِكَ لَمْ يَنْقُصِ اللَّهُ بِذَلِكَ دِينَكَ وَلَا عَقْلَكَ وَلَا تَذْهَبُ بِهِ مُرُوءَتُكَ وَلَا فَضْلُكَ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَأْتِيَ مِصْرًا وَجَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ فَيَخْتَلِفُوا
[ ص: 130 ] عَلَيْكَ ، فَمِنْهُمْ طَائِفَةٌ مَعَكَ وَأُخْرَى عَلَيْكَ ، فَيَقْتَتِلُونَ فَتَكُونُ لِأَوَّلِ الْأَسِنَّةِ ، فَإِذَا خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا نَفْسًا وَأَبًا وَأُمًّا أَضْيَعُهَا دَمًا وَأَذَلُّهَا أَهْلًا .
قَالَ
الْحُسَيْنُ : فَأَيْنَ أَذْهَبُ يَا أَخِي ؟ قَالَ : انْزِلْ
مَكَّةَ فَإِنِ اطْمَأَنَّتْ بِكَ الدَّارُ فَبِسَبِيلِ ذَلِكَ ، وَإِنْ نَأْتِ بِكَ لَحِقْتَ بِالرِّمَالِ وَشَعَفِ الْجِبَالِ وَخَرَجْتَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى تَنْظُرَ إِلَى مَا يَصِيرُ أَمْرُ النَّاسِ ، وَيَفْرُقَ لَكَ الرَّأْيُ ، فَإِنَّكَ أَصْوَبُ مَا يَكُونُ رَأْيًا وَأَحْزَمُهُ عَمَلًا حِينَ تَسْتَقْبِلُ الْأُمُورَ اسْتِقْبَالًا ، وَلَا تَكُونُ الْأُمُورُ عَلَيْكَ أَبَدًا أَشْكَلَ مِنْهَا حِينَ تَسْتَدْبِرُهَا .
قَالَ : يَا أَخِي قَدْ نَصَحْتَ وَأَشْفَقْتَ ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَأْيُكَ سَدِيدًا وَمُوَفَّقًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُوَ يَتَمَثَّلُ بُقُولِ
nindex.php?page=showalam&ids=17375يَزِيدَ بْنِ مُفَرِّغٍ :
لَا ذَعَرْتُ السَّوَامَ فِي شَفَقِ الصُّبْ حِ مُغِيرًا وَلَا دُعِيتُ يَزِيدَا
يَوْمَ أُعْطَى مِنَ الْمَهَانَةِ ضَيْمًا
وَالْمَنَايَا يَرْصُدْنَنِي أَنْ أَحِيدَا
وَلَمَّا سَارَ
الْحُسَيْنُ نَحْوَ
مَكَّةَ قَرَأَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=21فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الْآيَةَ . فَلَمَّا دَخَلَ
مَكَّةَ قَرَأَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ الْآيَةَ .
ثُمَّ إِنَّ
الْوَلِيدَ أَرْسَلَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ لِيُبَايِعَ فَقَالَ : إِذَا بَايَعَ النَّاسُ بَايَعْتُ ، فَتَرَكُوهُ وَكَانُوا لَا يَتَخَوَّفُونَهُ .
وَقِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنَ عُمَرَ كَانَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَعَادَا إِلَى
الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَهُمَا
الْحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَسَأَلَاهُمَا : مَا وَرَاءَكُمَا ؟ فَقَالَا : مَوْتُ
مُعَاوِيَةَ وَبَيْعَةُ
يَزِيدَ . فَقَالَ
ابْنُ [ ص: 131 ] عُمَرَ : لَا تُفَرِّقَا جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ .
وَقَدِمَ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ الْمَدِينَةَ .
فَلَمَّا بَايَعَ النَّاسُ بَايَعَا .
قَالَ : وَدَخَلَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ مَكَّةَ وَعَلَيْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=5947عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ ، فَلَمَّا دَخَلَهَا قَالَ : أَنَا عَائِذٌ
بِالْبَيْتِ .
وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِمْ وَلَا يَفِيضُ بِإِفَاضَتِهِمْ ، وَكَانَ يَقِفُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ نَاحِيَةً .