الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ولاية الوليد بن عتبة المدينة والحجاز وعزل عمرو بن سعيد

قيل : وفي هذه السنة عزل يزيد عمرو بن سعد عن المدينة وولاها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان .

وكان سبب ذلك أن عبد الله بن الزبير أظهر الخلاف على يزيد وبويع بمكة بعد قتل الحسين ، فإنه لما بلغه قتل الحسين قام في الناس فعظم قتله وعاب أهل الكوفة خاصة وأهل العراق عامة ، فقال بعد حمد الله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل [ ص: 200 ] العراق غدر فجر إلا قليلا ، وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق ، وإنهم دعوا الحسين لينصروه ويولوه عليهم ، فلما قدم عليهم ثاروا عليه فقالوا : إما أن تضع يدك في أيدينا ، فنبعث بك إلى ابن زياد ابن سمية فيمضي فيك حكمه ، وإما أن تحارب ، فرأى والله أنه هو وأصحابه قليل في كثير ، فإن كان الله لم يطلع على الغيب أحدا أنه مقتول ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ، فرحم الله الحسين وأخزى قاتله ! لعمري لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناه عنهم ، ولكنه ما قرر نازل ، وإذا أراد الله أمرا لم يدفع ، أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا ؟ لا والله لا نراهم لذلك أهلا ، أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه ، كثيرا في النهار صيامه ، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل ، أما والله ما كان يبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الخمر ، ولا بالمجالس في حلق الذكر تطلاب الصيد ، يعرض بيزيد ، فسوف يلقون غيا .

فثار إليه أصحابه وقالوا : أظهر بيعتك فإنك لم يبق أحد إذ هلك الحسين ينازعك هذا الأمر .

وقد كان يبايع سرا ويظهر أنه عائذ بالبيت .

فقال لهم : لا تعجلوا ، وعمرو بن سعيد يومئذ عامل مكة ، وهو أشد شيء على ابن الزبير ، وهو مع ذلك يداري ويرفق ، فلما استقر عند يزيد ما قد جمع ابن الزبير بمكة من الجموع أعطى الله عهدا ليوثقنه في سلسلة ، فبعث إليه سلسلة من فضة مع ابن عضاه الأشعري وسعد وأصحابهما ليأتوه به فيها ، وبعث معهم برنس خز ليلبسوه عليها لئلا تظهر للناس .

[ ص: 201 ] فاجتاز ابن عضاه بالمدينة وبها مروان بن الحكم فأخبره ما قدم له ، فأرسل مروان معه ولدين له أحدهما عبد العزيز وقال : إذا بلغته رسل يزيد فتعرضا له وليتمثل أحدكما بهذا القول ، فقال :


فخذها فليست للعزيز بخطة وفيها فعال لامرئ متذلل     أعامر إن القوم ساموك خطة
وذلك في الجيران غزل بمغزل     أراك إذا ما كنت للقوم ناصحا
يقال له بالدلو أدبر وأقبل



فلما بلغه الرسول الرسالة قال عبد العزيز الأبيات ، فقال ابن الزبير : يا بني مروان قد سمعت ما قلتما فأخبرا أباكما :


إني لمن نبعة صم مكاسرها     إذا تناوحت القصباء والعشر
فلا ألين لغير الحق أسأله     حتى يلين لضرس الماضغ الحجر



وامتنع ابن الزبير من رسل يزيد ، فقال الوليد بن عتبة وناس من بني أمية ليزيد : لو شاء عمرو لأخذ ابن الزبير وسرحه إليك .

فعزل عمرو وولي الوليد الحجاز ، وأخذ الوليد غلمان عمرو ومواليه فحبسهم ، فكلمه عمرو فأبى أن يخليهم ، فسار عن المدينة ليلتين وأرسل إلى غلمانه بعدتهم من الإبل ، فكسروا الحبس وساروا إليه فلحقوه عند وصوله إلى الشام ، فدخل على يزيد وأعلمه ما كان فيه من مكايدة ابن الزبير ، فعذره وعلم صدقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية