الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ولاية زهير بن قيس إفريقية وقتله وقتل كسيلة

لما ولي عبد الملك بن مروان ذكر عنده من بالقيروان من المسلمين وأشار عليه أصحابه ( بإنفاذ الجيوش إلى ) إفريقية لاستنقاذهم ، فكتب إلى زهير بن قيس البلوي بولاية إفريقية وجهز له جيشا كثيرا ، فسار سنة تسع وستين إلى إفريقية .

فبلغ خبره إلى كسيلة ، فاحتفل وجمع وحشد البربر والروم وأحضر أشراف أصحابه وقال : قد رأيت أن أرحل إلى ممش فأنزلها فإن بالقيروان خلقا كثيرا من المسلمين ولهم علينا عهد فلا نغدر بهم ونخاف إن قاتلنا زهيرا ( أن يثب هؤلاء من ورائنا ، فإذا نزلنا ممش أمناهم وقاتلنا زهيرا ) ، فإن ظفرنا بهم تبعناهم إلى طرابلس وقطعنا أثرهم من إفريقية ، وإن ظفروا بنا تعلقنا بالجبال ونجونا .

فأجابوه إلى ذلك ، ورحل إلى ممش ، وبلغ ذلك زهيرا فلم يدخل القيروان بل أقام ظاهرها ثلاثة أيام حتى أراح واستراح ، ورحل في طلب كسيلة ، فلما قاربه نزل وعبى أصحابه وركب إليه ، فالتقى العسكران ، واشتد القتال ، وكثر القتل في الفريقين ، حتى أيس الناس من الحياة ، فلم يزالوا كذلك أكثر النهار ، ثم نصر الله المسلمين وانهزم كسيلة وأصحابه وقتل هو وجماعة من أعيان أصحابه بممش ، وتبع المسلمون البربر والروم فقتلوا من أدركوا منهم فأكثروا ، وفي هذه الوقعة ذهب رجال البربر والروم وملوكهم وأشرافهم ، وعاد زهير إلى [ ص: 209 ] القيروان .

ثم إن زهيرا رأى بإفريقية ملكا عظيما فأبى أن يقيم وقال : إنما قدمت للجهاد فأخاف أن أميل إلى الدنيا فأهلك .

وكان عابدا زاهدا ، فترك بالقيروان عسكرا وهم آمنون لخلو البلاد من عدو ( أو ذي ) شوكة ، ورحل في جمع كثير إلى مصر .

وكان قد بلغ الروم بالقسطنطينية مسير زهير من برقة إلى إفريقية لقتال كسيلة ، فاغتنموا خلوها فخرجوا إليها في مراكب كثيرة وقوة قوية من جزيرة صقلية وأغاروا على برقة ، فأصابوا منها سبيا كثيرا ، وقتلوا ونهبوا ، ووافق ذلك قدوم زهير من إفريقية إلى برقة ، فأخبر الخبر ، فأمر العسكر بالسرعة والجد في قتالهم ، ورحل هو ومن معه ، وكان الروم خلقا كثيرا ، فلما رآه المسلمون استغاثوا به فلم يمكنه الرجوع وباشر القتال واشتد الأمر وعظم الخطب وتكاثر الروم عليهم فقتلوا زهيرا وأصحابه ولم ينج منهم أحد ، وعاد الروم بما غنموا إلى القسطنطينية .

ولما سمع عبد الملك بن مروان بقتل زهير عظم عليه واشتد ثم سير إلى إفريقية حسان بن النعمان الغساني ، وسنذكره سنة أربع وسبعين إن شاء الله .

وكان ينبغي أن نذكر ولاية زهير وقتله سنة تسع وستين ، وإنما ذكرناه ها هنا ليتصل خبر كسيلة ومقتله ، فإن الحادثة واحدة وإذا تفرقت لم تعلم حقيقتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية