دخل سديف على وعنده السفاح سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه ، فقال سديف :
لا يغرنك ما ترى من الرجال إن تحت الضلوع داء دويا فضع السيف وارفع السوط حتى
لا ترى فوق ظهرها أمويا
فقال سليمان : قتلتني يا شيخ ! ودخل ، وأخذ السفاح سليمان فقتل .
ودخل شبل بن عبد الله مولى بني هاشم على وعنده من عبد الله بن علي بني أمية نحو تسعين رجلا على الطعام ، فأقبل عليه شبل ، فقال :
أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس
طلبوا وتر هاشم فشفوها بعد ميل من الزمان وياس
لا تقيلن عبد شمس عثارا واقطعن كل رقلة وغراس
[ ص: 23 ] ذلها أظهر التودد منها وبها منكم كحر المواسي
ولقد غاظني وغاظ سوائي قربهم من نمارق وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الل ه بدار الهوان والإتعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيدا وقتيلا بجانب المهراس
والقتيل الذي بحران أضحى ثاويا بين غربة وتناس
فأمر بهم عبد الله فضربوا بالعمد حتى قتلوا ، وبسط عليهم الأنطاع ، فأكل الطعام عليها وهو يسمع أنين بعضهم حتى ماتوا جميعا .
وأمر بنبش قبور عبد الله بن علي بني أمية بدمشق ، فنبش قبر ، [ ص: 24 ] فلم يجدوا فيه إلا خيطا مثل الهباء ، ونبش قبر معاوية بن أبي سفيان فوجدوا فيه حطاما كأنه الرماد ، ونبش قبر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فوجدوا جمجمته ، وكان لا يوجد في القبر [ إلا ] العضو بعد العضو ، غير عبد الملك بن مروان فإنه وجد صحيحا لم يبل منه إلا أرنبة أنفه ، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح . هشام بن عبد الملك
وتتبع بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فأخذهم ، ولم يفلت منهم إلا رضيع أو من هرب إلى الأندلس ، فقتلهم بنهر أبي فطرس ، وكان فيمن قتل : محمد بن عبد الملك بن مروان ، والغمر بن يزيد بن عبد الملك ، وعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، وسعيد بن عبد الملك .
وقيل : إنه مات قبل ذلك ، وأبو عبيدة بن الوليد بن عبد الملك .
وقيل : إن إبراهيم بن يزيد المخلوع قتل معهم ، واستصفى كل شيء لهم من مال ، وغير ذلك ، فلما فرغ منهم قال :
بني أمية قد أفنيت جمعكم فكيف لي منكم بالأول الماضي
يطيب النفس أن النار تجمعكم عوضتم [ من ] لظاها شر معتاض
منيتم ، لا أقال الله عثرتكم بليث غاب إلى الأعداء نهاض
إن كان غيظي لفوت منكم فلقد منيت منكم بما ربي به راض
وقيل : إن سديفا أنشد هذا الشعر للسفاح ، ومعه كانت الحادثة ، وهو الذي قتلهم .
وقتل سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس بالبصرة أيضا جماعة من بني أمية ، عليهم الثياب الموشية المرتفعة ، وأمر بهم فجروا بأرجلهم ، فألقوا على الطريق ، فأكلتهم الكلاب .
فلما رأى بنو أمية ذلك اشتد خوفهم ، وتشتت شملهم ، واختفى من قدر على الاختفاء ، وكان ممن اختفى منهم عمرو بن معاوية بن عمرو بن سفيان بن عتبة بن أبي سفيان .
قال : وكنت لا آتي مكانا إلا عرفت فيه ، فضاقت علي الأرض ، فقدمت على سليمان بن [ ص: 25 ] علي ، وهو لا يعرفني ، فقلت : لفظتني البلاد إليك ، ودلني فضلك عليك ، فإما قتلتني فاسترحت ، وإما رددتني سالما فأمنت .
فقال : ومن أنت ؟ فعرفته نفسي ، فقال : مرحبا بك ، ما حاجتك ؟ فقلت : إن الحرم اللواتي أنت أولى الناس بهن ، وأقربهم إليهن ، قد خفن لخوفنا ، ومن خاف خيف عليه .
قال : فبكى كثيرا ثم قال : يحقن الله دمك ويوفر مالك ويحفظ حرمك .
ثم كتب إلى : يا أمير المؤمنين إنه قد وفد وافد من السفاح بني أمية علينا ، وإنا إنما قتلناهم على عقوقهم لا على أرحامهم ، فإننا يجمعنا وإياهم عبد مناف ، والرحم تبل ولا تقتل ، وترفع ولا توضع ، فإن رأى أمير المؤمنين أن يهبهم لي فليفعل ، وإن فعل فليجعل كتابا عاما إلى البلدان ، نشكر الله تعالى على نعمه عندنا ، وإحسانه إلينا . فأجابه إلى ما سأل ، فكان هذا أول أمان بني أمية .