ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=34064قتل nindex.php?page=showalam&ids=12149أبي مسلم الخراساني وفي هذه السنة قتل
nindex.php?page=showalam&ids=12149أبو مسلم الخراساني ، قتله
المنصور .
وكان سبب ذلك أن
أبا مسلم كتب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح يستأذنه في الحج ، على ما تقدم ، وكتب
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح إلى
المنصور وهو على
الجزيرة وإرمينية وأذربيجان : إن
أبا مسلم كتب إلي يستأذنني في الحج ، وقد أذنت له ، وهو يريد أن يسألني أن أوليه الموسم ، فاكتب إلي تستأذنني في الحج فآذن لك ، فإنك إن كنت
بمكة لم يطمع أن يتقدمك .
فكتب
المنصور إلى أخيه
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح يستأذنه في الحج ، فأذن له ، فقدم
الأنبار ، فقال
أبو مسلم : أما وجد
أبو جعفر عاما يحج فيه غير هذا ؟ وحقدها عليه ، وحجا معا ، فكان
أبو مسلم يكسو الأعراب ، ويصلح الآبار والطريق ، وكان الذكر له ، وكان الأعراب يقولون : هذا المكذوب عليه .
فلما قدم
مكة ورأى
أهل اليمن قال : أي جند هؤلاء لو لقيهم رجل ظريف اللسان غزير الدمعة ! .
فلما صدر الناس عن الموسم تقدم
أبو مسلم في الطريق على
أبي جعفر ، فأتاه خبر وفاة
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح ، فكتب إلى
أبي جعفر يعزيه عن أخيه ، ولم يهنئه بالخلافة ، ولم يقم حتى يلحقه ، ولم يرجع .
فغضب
أبو جعفر ، وكتب إليه كتابا غليظا ، فلما أتاه الكتاب كتب إليه يهنئه بالخلافة . وتقدم
أبو مسلم ، فأتى
الأنبار ، فدعا
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى إلى أن يبايع له ، فأتى
عيسى ، وقدم
أبو جعفر ، وخلع
nindex.php?page=showalam&ids=16451عبد الله بن علي .
فسير
المنصور أبا مسلم إلى قتاله ، كما تقدم مكانا ، مع
الحسن بن قحطبة ، فأرسل
الحسن إلى
أبي أيوب وزير
المنصور :
[ ص: 57 ] إني قد رأيت
بأبي مسلم أنه يأتيه كتاب أمير المؤمنين فيقرؤه ، ثم يلقي الكتاب من يده إلى
مالك بن الهيثم ، فيقرؤه ويضحكان استهزاء ، فلما ألقيت الرسالة إلى
أبي أيوب ضحك وقال : نحن
لأبي مسلم أشد تهمة منا
لعبد الله بن علي ، إلا أنا نرجو واحدة ، نعلم أن
أهل خراسان لا يحبون
عبد الله ، وقد قتل منهم من قتل . وكان قتل منهم سبعة عشر ألفا .
فلما انهزم
عبد الله ، وجمع
أبو مسلم ما غنم من عسكره بعث
أبو جعفر أبا الخصيب إلى
أبي مسلم ليكتب له ما أصاب من الأموال ، فأراد
أبو جعفر قتله ، فتكلم فيه فخلى سبيله ، وقال : أنا أمين على الدماء ، خائن في الأموال . وشتم
المنصور .
فرجع
أبو الخصيب إلى
المنصور فأخبره ، فخاف أن يمضي
أبو مسلم إلى
خراسان ، فكتب إليه : إني قد وليتك
مصر والشام فهي خير لك من
خراسان ، فوجه إلى
مصر من أحببت ، وأقم
بالشام فتكون بقرب أمير المؤمنين ، فإن أحب لقاءك أتيته من قريب .
فلما أتاه الكتاب غضب وقال : يوليني
الشام ومصر ،
وخراسان لي ! فكتب الرسول إلى
المنصور بذلك . وأقبل
أبو مسلم من
الجزيرة مجمعا على الخلاف ، وخرج عن وجهه يريد
خراسان .
فسار
المنصور من
الأنبار إلى
المدائن ، وكتب إلى
أبي مسلم في المسير إليه ، فكتب إليه
أبو مسلم وهو
بالزاب : إنه لم يبق لأمير المؤمنين ، أكرمه الله ، عدو إلا أمكنه الله منه ، وقد كنا نروي عن ملوك
آل ساسان أن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء ، فنحن نافرون عن قربك ، حريصون على الوفاء لك ما وفيت ، حريون بالسمع والطاعة غير أنها من بعيد حيث يقارنها السلامة ، فإن أرضاك ذلك فإنا كأحسن عبيدك ، وإن أبيت إلا أن تعطي نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت من عهدك ضنا بنفسي .
فلما وصل الكتاب إلى
المنصور كتب إلى
أبي مسلم : قد فهمت كتابك ، وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم ، فإنما راحتهم في انتشار نظام الجماعة ، فلم سويت نفسك بهم ؟ فأنت في طاعتك ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به ، وليس مع الشريطة التي أوجبت منك سمعا ولا طاعة ، وحمل إليك أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى رسالة لتسكن إليها إن أصغيت ، وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك ، فإنه لم يجد بابا يفسد به نيتك أوكد عنده وأقرب من الباب الذي فتحه عليك .
[ ص: 58 ] وقيل : بل كتب إليه
أبو مسلم : أما بعد فإني اتخذت رجلا إماما ودليلا على ما افترض الله على خلقه ، وكان في محلة العلم نازلا ، وفي قرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريبا ، فاستجهلني بالقرآن ، فحرفه عن مواضعه طمعا في قليل قد نعاه الله إلى خلقه ، فكان كالذي دلى بغرور ، وأمرني أن أجرد السيف ، وأرفع الرحمة ، ولا أقبل المعذرة ، ولا أقيل العثرة ، ففعلت توطيدا لسلطانكم حتى عرفكم الله من كان جهلكم ، ثم استنقذني الله بالتوبة ، فإن يعف عني فقدما عرف به ونسب إليه ، وإن يعاقبني فبما قدمت يداي ، وما الله بظلام للعبيد .
وخرج
أبو مسلم مراغما مشاقا ، وسار
المنصور من
الأنبار إلى
المدائن ، وأخذ
أبو مسلم طريق
حلوان ، فقال
المنصور لعمه
nindex.php?page=showalam&ids=16746عيسى بن علي ومن حضر من
بني هاشم : اكتبوا إلى
أبي مسلم . فكتبوا إليه يعظمون أمره ويشكرونه ويسألونه أن يتم على ما كان منه وعليه من الطاعة ، ويحذرونه عاقبة البغي ، ويأمرونه بالرجوع إلى
المنصور .
وبعث
المنصور الكتاب مع
أبي حميد المروروذي وقال له : كلم
أبا مسلم بألين ما تكلم به أحدا ، منه ، وأعلمه أني رافعه ، وصانع به ما لم يصنعه به أحد إن هو صلح وراجع ما أحب ، فإن أبى أن يرجع فقل له : يقول لك أمير المؤمنين : لست من
العباس وإني بريء من محمد ، إن مضيت مشاقا ولم تأتني إن وكلت أمرك إلى أحد سواي ، وإن لم أل طلبك وقتالك بنفسي ، ولو خضت البحر لخضته ، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حتى أقتلك أو أموت قبل ذلك ، ولا تقولن [ له ] هذا الكلام حتى تيأس من رجوعه ، ولا تطمع منه في خير .
فسار
أبو حميد فقدم على
أبي مسلم بحلوان ، فدفع إليه الكتاب ، وقال له : إن الناس يبلغونك عن أمير المؤمنين ما لم يقله ، وخلاف ما عليه رأيه منك حسدا وبغيا ، يريدون إزالة النعمة وتغييرها ، فلا تفسد ما كان منك . وكلمه وقال : يا
أبا مسلم إنك لم تزل أمير
آل محمد يعرفك بذلك الناس ، وما ذخر الله لك من الأجر عنده في ذلك أعظم مما أنت فيه من دنياك ، فلا تحبط أجرك ، ولا يستهوينك الشيطان .
فقال له
أبو مسلم : متى كنت تكلمني بهذا الكلام ؟ فقال : إنك دعوتنا إلى هذا الأمر ، وإلى طاعة أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -
بني العباس ، وأمرتنا بقتال من خالف ذلك ، فدعوتنا من أرضين متفرقة وأسباب مختلفة ، فجمعنا الله على طاعتهم ، وألف ما بين قلوبنا
[ ص: 59 ] [ بمحبتهم ] ، وأعزنا بنصرنا لهم ، ولم نلق منهم رجلا إلا بما قذف الله في قلوبنا ، حتى أتيناهم في بلادهم ببصائر نافذة ، وطاعة خالصة ، أفتريد حين بلغنا غاية منانا ، ومنتهى أملنا أن تفسد أمرنا ، وتفرق كلمتنا ؟ ! وقد قلت لنا من خالفكم فاقتلوه ، وإن خالفتكم فاقتلوني ! .
فأقبل
أبو مسلم على
أبي نصر مالك بن الهيثم ، فقال : أما تسمع ما يقول لي هذا ؟ ما كان بكلامه يا
مالك ! قال : لا تسمع قوله ، ولا يهولنك هذا منه ، فلعمري ما هذا كلامه ، ولما بعد هذا أشد منه ، فامض لأمرك ولا ترجع ، فوالله لئن أتيته ليقتلنك ، ولقد وقع في نفسه منك شيء لا يأمنك أبدا .
فقال : قوموا ، فنهضوا ، فأرسل
أبو مسلم إلى نيزك ، فعرض عليه الكتب وما قالوا ، فقال : ما أرى أن تأتيه ، وأرى أن تأتي
الري فتقيم بها ، [ فيصير ] ما بين
خراسان والري لك ، وهم جندك لا يخالفك أحد ، فإن استقام لك استقمت له ، وإن أبى كنت في جندك وكانت
خراسان وراءك ، ورأيت رأيك .
فدعا
أبا حميد فقال : ارجع إلى صاحبك ، فليس من رأيي أن آتيه . قال : قد عزمت على خلافه ؟ قال : نعم . قال : لا تفعل ! قال : لا أعود إليه أبدا . فلما يئس من رجوعه معه قال له ما أمره به
أبو جعفر ، فوجم طويلا ، ثم قال : قم . فكسره ذلك القول ورعبه .
وكان
أبو جعفر المنصور قد كتب إلى
أبي داود خليفة
أبي مسلم بخراسان حين اتهم
أبا مسلم : إن لك إمرة
خراسان ما بقيت . فكتب
أبو داود إلى
أبي مسلم : إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله وأهل بيت نبيه - صلى الله عليه وسلم - فلا تخالفن إمامك ، ولا ترجعن إلا بإذنه .
فوافاه كتابه على تلك الحال ، فزاده رعبا وهما ، فأرسل إلى
أبي حميد فقال له : إني كنت عازما على المضي إلى
خراسان ثم رأيت أن أوجه
أبا إسحاق إلى أمير المؤمنين فيأتيني برأيه ، فإنه ممن أثق به . فوجهه ، فلما قدم تلقاه
بنو هاشم بكل ما يحب ، وقال له
المنصور : اصرفه عن وجهه ولك ولاية
خراسان ، وأجازه .
فرجع
أبو إسحاق وقال
لأبي مسلم : ما أنكرت شيئا ، رأيتهم معظمين لحقك يرون لك ما يرون لأنفسهم . وأشار عليه أن يرجع إلى أمير المؤمنين ، فيعتذر إليه مما كان منه ، فأجمع على ذلك . فقال له
نيزك : قد أجمعت على الرجوع ؟ قال : نعم ، وتمثل :
[ ص: 60 ] ما للرجال مع القضاء محالة ذهب القضاء بحيلة الأقوام
قال : إذا عزمت على هذا فخار الله لك . احفظ عني واحدة ، إذا دخلت عليه فاقتله ثم بايع من شئت ، فإن الناس لا يخالفونك .
وكتب
أبو مسلم إلى
المنصور يخبره أنه منصرف إليه ، فسار نحوه ، واستخلف
أبا نصر على عسكره ، وقال له : أقم حتى يأتيك كتابي ، فإن أتاك مختوما بنصف خاتم فأنا كتبته ، وإن أتاك بالخاتم كله فلم أختمه . وقدم
المدائن في ثلاثة آلاف رجل ، وخلف الناس
بحلوان .
ولما ورد كتاب
أبي مسلم على
المنصور قرأه وألقاه إلى
أبي أيوب وزيره ، فقرأه وقال له
المنصور : والله لئن ملأت عيني منه لأقتلنه .
فخاف
أبو أيوب من أصحاب
أبي مسلم أن يقتلوا
المنصور ويقتلوه معه ، فدعا
سلمة بن سعيد بن جابر ، وقال له : هل عندك شكر ؟ فقال : نعم .
قال : إن وليتك ولاية تصيب منها مثل ما يصيب صاحب
العراق ، تدخل معك أخي
حاتما - وأراد بإدخال أخيه معه أن يطمع ولا ينكر - وتجعل له النصف ؟ قال : نعم . قال له : إن كسكر كالت عام أول كذا وكذا ، ومنها العام أضعاف ذلك ، فإن دفعتها إليك بما كالت أو بالأمانة أصبت ما تضيق به ذرعا .
قال : كيف لي بهذا المال ؟ قال له
أبو أيوب : تأتي
أبا مسلم فتلقاه وتكلمه أن يجعل هذا فيما يرفع من حوائجه ، فإن أمير المؤمنين يريد أن يوليه إذا قدم ما وراء بابه ويريح نفسه ، قال : فكيف لي أن يأذن لي أمير المؤمنين في لقائه ؟ فاستأذن له
أبو أيوب في ذلك ، فأذن له
المنصور وأمره أن يبلغ سلامه وشوقه إلى
أبي مسلم ، فلقيه
سلمة بالطريق وأخبره الخبر وطابت نفسه ، وكان قبل ذلك كئيبا حزينا ، ولم يزل مسرورا حتى قدم .
فلما دنا
أبو مسلم من
المنصور أمر الناس بتلقيه ، فتلقاه
بنو هاشم والناس ، ثم قدم فدخل على
المنصور فقبل يده ، وأمره أن ينصرف ويروح نفسه لثلاثة ويدخل الحمام ، فانصرف .
[ ص: 61 ] فلما كان الغد دعا
المنصور عثمان بن نهيك وأربعة من الحرس ، منهم :
شبيب بن واج ،
وأبو حنيفة حرب بن قيس ، فأمرهم بقتل
أبي مسلم إذا صفق بيديه ، وتركهم خلف الرواق .
وأرسل إلى
أبي مسلم يستدعيه ، وكان عنده
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى يتغدى ، فدخل على
المنصور ، فقال له
المنصور : أخبرني عن نصلين أصبتهما مع
nindex.php?page=showalam&ids=16451عبد الله بن علي . قال : هذا أحدهما . قال : أرنيه . فانتضاه وناوله إياه ، فوضعه
المنصور تحت فراشه .
وأقبل عليه يعاتبه وقال له : أخبرني عن كتابك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=14485السفاح تنهاه عن الموات ، أردت أن تعلمنا الدين ؟ قال : ظننت أخذه لا يحل ، فلما أتاني كتابه علمت أنه وأهل بيته معدن العلم .
قال : فأخبرني عن تقدمك إياي بطريق
مكة . قال : كرهت اجتماعنا على الماء فيضر ذلك بالناس فتقدمتك للرفق . قال : فقولك لمن أشار عليك بالانصراف إلي بطريق
مكة حين أتاك موت
أبي العباس إلى أن تقدم فنرى رأينا ، ومضيت فلا أنت أقمت حتى ألحقك ولا أنت رجعت إلي ! قال : منعني من ذلك ما أخبرتك من طلب الرفق بالناس ، وقلت : تقدم
الكوفة وليس عليك من خلاف .
قال : فجارية
عبد الله أردت أن تتخذها ؟ قال : لا ، ولكني خفت أن تضيع فحملتها في قبة ووكلت بها من يحفظها . قال : فمراغمتك وخروجك إلى
خراسان ؟ قال : خفت أن يكون قد دخلك مني شيء فقلت آتي
خراسان ، فأكتب إليك بعذري ، فأذهب ما في نفسك .
قال : فالمال الذي جمعته
بخراسان ؟ قال : أنفقته بالجند تقوية لهم واستصلاحا . قال : ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك ، وتخطب عمتي
آمنة ابنة علي ، وتزعم أنك
ابن سليط بن عبد الله بن عباس ؟ لقد ارتقيت ، لا أم لك ، مرتقى صعبا .
ثم قال : وما الذي دعاك إلى قتل
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير مع أثره في دعوتنا ، وهو أحد نقبائنا قبل أن يدخلك في هذا الأمر ؟ قال : أراد الخلاف وعصاني فقتلته .
فلما طال عتاب
المنصور قال : لا يقال هذا لي بعد بلائي وما كان مني .
قال : يابن الخبيثة ! والله لو كانت أمة مكانك لأجزأت ، إنما عملت في دولتنا وبريحنا ، فلو كان ذلك إليك ما قطعت فتيلا .
[ ص: 62 ] فأخذ
أبو مسلم بيده يقبلها ويعتذر إليه ، فقال له
المنصور : ما رأيت كاليوم ! والله ما زدتني إلا غضبا ! قال
أبو مسلم : دع هذا فقد أصبحت ما أخاف [ إلا ] الله تعالى .
فغضب
المنصور وشتمه ، وصفق بيده على الأخرى ، فخرج عليه الحرس ، فضربه
عثمان بن نهيك فقطع حمائل سيفه ، فقال : استبقني لعدوك يا أمير المؤمنين ! فقال : لا أبقاني الله إذا ، أعدو أعدى لي منك ؟ ! وأخذه الحرس بسيوفهم حتى قتلوه وهو يصيح العفو ، فقال
المنصور : يابن اللخناء العفو والسيوف قد اعتورتك ! فقتلوه في شعبان لخمس بقين منه .
فقال
المنصور :
زعمت أن الدين لا يقتضى فاستوف بالكيل أبا مجرم
سقيت كأسا كنت تسقي بها أمر في الحلق من العلقم
وكان
أبو مسلم قد قتل في دولته ستمائة ألف صبرا .
فلما قتل
أبو مسلم دخل
أبو الجهم على
المنصور فرأى
أبا مسلم قتيلا ، فقال : ألا أرد الناس ؟ قال : بلى ، فمر بمتاع يحمل إلى رواق آخر .
وخرج
أبو الجهم ، فقال : انصرفوا فإن الأمير يريد القائلة عند أمير المؤمنين . ورأوا المتاع ينقل فظنوه صادقا فانصرفوا ، وأمر لهم
المنصور بالجوائز ، فأعطى
أبا إسحاق مائة ألف .
ودخل
nindex.php?page=showalam&ids=16752عيسى بن موسى على
المنصور بعد قتل
أبي مسلم فقال : يا أمير المؤمنين أين
أبو مسلم ؟ فقال : قد كان هاهنا [ آنفا ] . فقال
عيسى : قد عرفت نصيحته وطاعته ورأي
الإمام إبراهيم كان فيه .
فقال : يا أحمق ، والله ما أعلم في الأرض عدوا أعدى لك منه ! ها هو ذا في البساط . فقال
عيسى : إنا لله وإنا إليه راجعون . وكان
لعيسى فيه رأي .
[ ص: 63 ] فقال له
المنصور : خلع الله قلبك ! وهل كان لكم ملك أو سلطان أو أمر أو نهي مع
أبي مسلم ؟
ثم دعا
المنصور بجعفر بن حنظلة ، فدخل عليه ، فقال : ما تقول في أمر
أبي مسلم ؟ قال : يا أمير المؤمنين ، إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل .
فقال له
المنصور : وفقك الله ! فلما نظر إلى
أبي مسلم مقتولا قال : يا أمير المؤمنين ، عد من هذا اليوم لخلافتك .
ثم دعا
المنصور بأبي إسحاق ، فلما دخل عليه قال له : أنت المتابع عدو الله على ما أجمع عليه ! وقد كان بلغه أنه أشار عليه بإتيان
خراسان ، قال : فكف
أبو إسحاق وجعل يلتفت يمينا وشمالا خوفا من
أبي مسلم ، فقال له
المنصور : تكلم بما أردت فقد قتل الله الفاسق ، وأمر بإخراجه .
فلما رآه
أبو إسحاق خر ساجدا لله فأطال ، ورفع رأسه وهو يقول : الحمد لله الذي آمنني بك اليوم ! والله ما أمنته يوما [ واحدا ] ، وما خفته يوما واحدا ، وما جئته يوما قط إلا وقد أوصيت وتكفنت وتحنطت . ثم رفع ثيابه الظاهرة فإذا تحتها ثياب كتان جدد ، وقد تحنط .
فلما رأى
أبو جعفر حاله رحمه ، وقال له : استقبل طاعة خليفتك واحمد الله الذي أراحك من الفاسق هذا . ثم قال له : فرق عني هذه الجماعة .
ثم كتب
المنصور بعد قتل
أبي مسلم إلى
أبي نصر مالك بن الهيثم عن لسان
أبي مسلم يأمره بحمل ثقله وما خلف عنده ، وأن يقدم ، وختم الكتاب بخاتم
أبي مسلم ، فلما رأى الخاتم تاما علم أن
أبا مسلم لم يكتب ، فقال : فعلتموها ! وانحدر إلى
همذان ، وهو يريد
خراسان .
فكتب
المنصور لأبي نصر عهده على
شهرزور ، وكتب إلى
زهير بن التركي ، وهو على
همذان : إن مر بك
أبو نصر فاحبسه . فسبق الكتاب إلى
زهير وأبو نصر بهمذان ، فقال له
زهير : قد صنعت لك طعاما فلو أكرمتني بدخول منزلي . فحضر عنده ، فأخذه
زهير فحبسه .
وكتب
أبو جعفر إلى
زهير كتابا يأمره بقتل
أبي نصر ، وقدم صاحب العهد على
أبي نصر بعهده على شهرزور ، فخلى
زهير سبيله لهواه فيه ، فخرج ثم وصل بعد يوم الكتاب إلى
زهير بقتل
أبي نصر ، فقال : جاءني كتاب بعهده فخليت سبيله .
[ ص: 64 ] وقدم
أبو نصر على
المنصور فقال له : أشرت على
أبي مسلم بالمضي إلى
خراسان ؟ قال : نعم ، كانت له عندي أياد فنصحت له ، وإن اصطنعني أمير المؤمنين نصحت له وشكرت . فعفا عنه .
فلما كان يوم
الراوندية قام
أبو نصر على باب القصر ، وقال : أنا البواب اليوم لا يدخل أحد وأنا حي . فسأل عنه
المنصور فأخبر به ، فعلم أنه قد نصح له .
وقيل : إن
زهيرا سير
أبا نصر إلى
المنصور مقيدا ، فمن عليه واستعمله على
الموصل .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=34064قَتْلِ nindex.php?page=showalam&ids=12149أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12149أَبُو مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيُّ ، قَتَلَهُ
الْمَنْصُورُ .
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ
أَبَا مُسْلِمٍ كَتَبَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْحَجِّ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، وَكَتَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحُ إِلَى
الْمَنْصُورِ وَهُوَ عَلَى
الْجَزِيرَةِ وَإِرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ : إِنَّ
أَبَا مُسْلِمٍ كَتَبَ إِلَيَّ يَسْتَأْذِنُنِي فِي الْحَجِّ ، وَقَدْ أَذِنْتُ لَهُ ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَنِي أَنْ أُوَلِّيَهُ الْمَوْسِمَ ، فَاكْتُبْ إِلَيَّ تَسْتَأْذِنُنِي فِي الْحَجِّ فَآذَنُ لَكَ ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ
بِمَكَّةَ لَمْ يَطْمَعْ أَنْ يَتَقَدَّمَكَ .
فَكَتَبَ
الْمَنْصُورُ إِلَى أَخِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْحَجِّ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَقَدِمَ
الْأَنْبَارَ ، فَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : أَمَا وَجَدَ
أَبُو جَعْفَرٍ عَامًا يَحُجُّ فِيهِ غَيْرَ هَذَا ؟ وَحَقَدَهَا عَلَيْهِ ، وَحَجَّا مَعًا ، فَكَانَ
أَبُو مُسْلِمٍ يَكْسُو الْأَعْرَابَ ، وَيُصْلِحُ الْآبَارَ وَالطَّرِيقَ ، وَكَانَ الذِّكْرُ لَهُ ، وَكَانَ الْأَعْرَابُ يَقُولُونَ : هَذَا الْمَكْذُوبُ عَلَيْهِ .
فَلَمَّا قَدِمَ
مَكَّةَ وَرَأَى
أَهْلَ الْيَمَنِ قَالَ : أَيُّ جُنْدٍ هَؤُلَاءِ لَوْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ ظَرِيفُ اللِّسَانِ غَزِيرُ الدَّمْعَةِ ! .
فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ عَنِ الْمَوْسِمِ تَقَدَّمَ
أَبُو مُسْلِمٍ فِي الطَّرِيقِ عَلَى
أَبِي جَعْفَرٍ ، فَأَتَاهُ خَبَرُ وَفَاةِ
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحِ ، فَكَتَبَ إِلَى
أَبِي جَعْفَرٍ يُعَزِّيهِ عَنْ أَخِيهِ ، وَلَمْ يُهَنِّئْهُ بِالْخِلَافَةِ ، وَلَمْ يَقُمْ حَتَّى يَلْحَقَهُ ، وَلَمْ يَرْجِعْ .
فَغَضِبَ
أَبُو جَعْفَرٍ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا غَلِيظًا ، فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ كَتَبَ إِلَيْهِ يُهَنِّئُهُ بِالْخِلَافَةِ . وَتَقَدَّمَ
أَبُو مُسْلِمٍ ، فَأَتَى
الْأَنْبَارَ ، فَدَعَا
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنَ مُوسَى إِلَى أَنْ يُبَايِعَ لَهُ ، فَأَتَى
عِيسَى ، وَقَدِمَ
أَبُو جَعْفَرٍ ، وَخَلَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16451عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ .
فَسَيَّرَ
الْمَنْصُورُ أَبَا مُسْلِمٍ إِلَى قِتَالِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ مَكَانًا ، مَعَ
الْحَسَنِ بْنِ قَحْطَبَةَ ، فَأَرْسَلَ
الْحَسَنُ إِلَى
أَبِي أَيُّوبَ وَزِيرِ
الْمَنْصُورِ :
[ ص: 57 ] إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ
بِأَبِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَأْتِيهِ كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقْرَؤُهُ ، ثُمَّ يُلْقِي الْكِتَابَ مِنْ يَدِهِ إِلَى
مَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ ، فَيَقْرَؤُهُ وَيَضْحَكَانِ اسْتِهْزَاءً ، فَلَمَّا أُلْقِيَتِ الرِّسَالَةُ إِلَى
أَبِي أَيُّوبَ ضَحِكَ وَقَالَ : نَحْنُ
لِأَبِي مُسْلِمٍ أَشَدُّ تُهْمَةً مِنَّا
لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ ، إِلَّا أَنَّا نَرْجُو وَاحِدَةً ، نَعْلَمُ أَنَّ
أَهْلَ خُرَاسَانَ لَا يُحِبُّونَ
عَبْدَ اللَّهِ ، وَقَدْ قَتَلَ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلَ . وَكَانَ قَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفًا .
فَلَمَّا انْهَزَمَ
عَبْدُ اللَّهِ ، وَجَمَعَ
أَبُو مُسْلِمٍ مَا غَنِمَ مِنْ عَسْكَرِهِ بَعَثَ
أَبُو جَعْفَرٍ أَبَا الْخَصِيبِ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ لِيَكْتُبَ لَهُ مَا أَصَابَ مِنَ الْأَمْوَالِ ، فَأَرَادَ
أَبُو جَعْفَرٍ قَتْلَهُ ، فَتَكَلَّمَ فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ ، وَقَالَ : أَنَا أَمِينٌ عَلَى الدِّمَاءِ ، خَائِنٌ فِي الْأَمْوَالِ . وَشَتَمَ
الْمَنْصُورَ .
فَرَجَعَ
أَبُو الْخَصِيبِ إِلَى
الْمَنْصُورِ فَأَخْبَرَهُ ، فَخَافَ أَنْ يَمْضِيَ
أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى
خُرَاسَانَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنِّي قَدْ وَلَّيْتُكَ
مِصْرَ وَالشَّامَ فَهِيَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ
خُرَاسَانَ ، فَوَجِّهْ إِلَى
مِصْرَ مَنْ أَحْبَبْتَ ، وَأَقِمْ
بِالشَّامِ فَتَكُونَ بِقُرْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ أَحَبَّ لِقَاءَكَ أَتَيْتَهُ مِنْ قَرِيبٍ .
فَلَمَّا أَتَاهُ الْكِتَابُ غَضِبَ وَقَالَ : يُوَلِّينِي
الشَّامَ وَمِصْرَ ،
وَخُرَاسَانُ لِي ! فَكَتَبَ الرَّسُولُ إِلَى
الْمَنْصُورِ بِذَلِكَ . وَأَقْبَلَ
أَبُو مُسْلِمٍ مِنَ
الْجَزِيرَةِ مُجْمِعًا عَلَى الْخِلَافِ ، وَخَرَجَ عَنْ وَجْهِهِ يُرِيدُ
خُرَاسَانَ .
فَسَارَ
الْمَنْصُورُ مِنَ
الْأَنْبَارِ إِلَى
الْمَدَائِنِ ، وَكَتَبَ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ فِي الْمَسِيرِ إِلَيْهِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ
أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ
بِالزَّابِ : إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ ، عَدُوٌّ إِلَّا أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُ ، وَقَدْ كُنَّا نَرْوِي عَنْ مُلُوكِ
آلِ سَاسَانَ أَنَّ أَخْوَفَ مَا يَكُونُ الْوُزَرَاءُ إِذَا سَكَنَتِ الدَّهْمَاءُ ، فَنَحْنُ نَافِرُونَ عَنْ قُرْبِكَ ، حَرِيصُونَ عَلَى الْوَفَاءِ لَكَ مَا وَفَّيْتَ ، حَرِيُّونَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ غَيْرَ أَنَّهَا مِنْ بَعِيدٍ حَيْثُ يُقَارِنُهَا السَّلَامَةُ ، فَإِنْ أَرْضَاكَ ذَلِكَ فَإِنَّا كَأَحْسَنِ عَبِيدِكَ ، وَإِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تُعْطِيَ نَفْسَكَ إِرَادَتَهَا نَقَضْتُ مَا أَبْرَمْتُ مِنْ عَهْدِكَ ضَنًّا بِنَفْسِي .
فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى
الْمَنْصُورِ كَتَبَ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ : قَدْ فَهِمْتُ كِتَابَكُ ، وَلَيْسَتْ صِفَتُكَ صِفَةَ أُولَئِكَ الْوُزَرَاءِ الْغَشَشَةِ مُلُوكَهُمْ الَّذِينَ يَتَمَنَّوْنَ اضْطِرَابَ حَبْلِ الدَّوْلَةِ لِكَثْرَةِ جَرَائِمِهِمْ ، فَإِنَّمَا رَاحَتُهُمْ فِي انْتِشَارِ نِظَامِ الْجَمَاعَةِ ، فَلِمَ سَوَّيْتَ نَفْسَكَ بِهِمْ ؟ فَأَنْتَ فِي طَاعَتِكَ وَمُنَاصَحَتِكَ وَاضْطِلَاعِكَ بِمَا حَمَلْتَ مِنْ أَعْبَاءِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى مَا أَنْتَ بِهِ ، وَلَيْسَ مَعَ الشَّرِيطَةِ الَّتِي أَوْجَبَتْ مِنْكَ سَمْعًا وَلَا طَاعَةً ، وَحَمَّلَ إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنَ مُوسَى رِسَالَةً لِتَسْكُنَ إِلَيْهَا إِنْ أَصْغَيْتَ ، وَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الشَّيْطَانِ وَنَزَغَاتِهِ وَبَيْنَكَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجِدْ بَابًا يُفْسِدُ بِهِ نِيَّتَكَ أَوْكَدَ عِنْدَهُ وَأَقْرَبَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ عَلَيْكَ .
[ ص: 58 ] وَقِيلَ : بَلْ كَتَبَ إِلَيْهِ
أَبُو مُسْلِمٍ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي اتَّخَذْتُ رَجُلًا إِمَامًا وَدَلِيلًا عَلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى خَلْقِهِ ، وَكَانَ فِي مَحِلَّةِ الْعِلْمِ نَازِلًا ، وَفِي قَرَابَتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرِيبًا ، فَاسْتَجْهَلَنِي بِالْقُرْآنِ ، فَحَرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ طَمَعًا فِي قَلِيلٍ قَدْ نَعَاهُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ ، فَكَانَ كَالَّذِي دَلَّى بِغُرُورٍ ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُجَرِّدَ السَّيْفَ ، وَأَرْفَعَ الرَّحْمَةَ ، وَلَا أَقْبَلَ الْمَعْذِرَةَ ، وَلَا أُقِيلَ الْعَثْرَةَ ، فَفَعَلْتُ تَوْطِيدًا لِسُلْطَانِكُمْ حَتَّى عَرَّفَكُمُ اللَّهُ مَنْ كَانَ جَهِلَكُمْ ، ثُمَّ اسْتَنْقَذَنِيَ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ ، فَإِنْ يَعْفُ عَنِّي فَقِدْمًا عُرِفَ بِهِ وَنُسِبَ إِلَيْهِ ، وَإِنْ يُعَاقِبْنِي فَبِمَا قَدَّمَتْ يَدَايَ ، وَمَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ .
وَخَرَجَ
أَبُو مُسْلِمٍ مُرَاغَمًا مُشَاقًّا ، وَسَارَ
الْمَنْصُورُ مِنَ
الْأَنْبَارِ إِلَى
الْمَدَائِنِ ، وَأَخَذَ
أَبُو مُسْلِمٍ طَرِيقَ
حُلْوَانَ ، فَقَالَ
الْمَنْصُورُ لِعَمِّهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16746عِيسَى بْنِ عَلِيٍّ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ : اكْتُبُوا إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ . فَكَتَبُوا إِلَيْهِ يُعَظِّمُونَ أَمْرَهُ وَيَشْكُرُونَهُ وَيَسْأَلُونَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ وَعَلَيْهِ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَيُحَذِّرُونَهُ عَاقِبَةَ الْبَغْيِ ، وَيَأْمُرُونَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى
الْمَنْصُورِ .
وَبَعَثَ
الْمَنْصُورُ الْكِتَابَ مَعَ
أَبِي حُمَيْدٍ الْمَرْوَرُوذِيِّ وَقَالَ لَهُ : كَلِّمْ
أَبَا مُسْلِمٍ بِأَلْيَنِ مَا تُكَلِّمُ بِهِ أَحَدًا ، مَنِّهِ ، وَأَعْلِمْهُ أَنِّي رَافِعُهُ ، وَصَانِعٌ بِهِ مَا لَمْ يَصْنَعْهُ بِهِ أَحَدٌ إِنْ هُوَ صَلُحَ وَرَاجَعَ مَا أُحِبُّ ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَرْجِعَ فَقُلْ لَهُ : يَقُولُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ : لَسْتُ مِنَ
الْعَبَّاسِ وَإِنِّي بَرِيءٌ مِنْ مُحَمَّدٍ ، إِنْ مَضَيْتَ مُشَاقًّا وَلَمْ تَأْتِنِي إِنْ وَكَّلْتَ أَمْرَكَ إِلَى أَحَدٍ سِوَايَ ، وَإِنْ لَمْ أَلِ طَلَبَكَ وَقِتَالَكَ بِنَفْسِي ، وَلَوْ خُضْتَ الْبَحْرَ لَخُضْتُهُ ، وَلَوِ اقْتَحَمْتَ النَّارَ لَاقْتَحَمْتُهَا حَتَّى أَقْتُلَكَ أَوْ أَمُوتَ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلَا تَقُولَنَّ [ لَهُ ] هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى تَيْأَسَ مِنْ رُجُوعِهِ ، وَلَا تَطْمَعَ مِنْهُ فِي خَيْرٍ .
فَسَارَ
أَبُو حُمَيْدٍ فَقَدِمَ عَلَى
أَبِي مُسْلِمٍ بِحُلْوَانَ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْكِتَابَ ، وَقَالَ لَهُ : إِنَّ النَّاسَ يُبَلِّغُونَكَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَمْ يَقُلْهُ ، وَخِلَافَ مَا عَلَيْهِ رَأْيُهُ مِنْكَ حَسَدًا وَبَغْيًا ، يُرِيدُونَ إِزَالَةَ النِّعْمَةِ وَتَغْيِيرَهَا ، فَلَا تُفْسِدْ مَا كَانَ مِنْكَ . وَكَلَّمَهُ وَقَالَ : يَا
أَبَا مُسْلِمٍ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ أَمِيرَ
آلِ مُحَمَّدٍ يَعْرِفُكَ بِذَلِكَ النَّاسُ ، وَمَا ذَخَرَ اللَّهُ لَكَ مِنَ الْأَجْرِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَاكَ ، فَلَا تُحْبِطْ أَجْرَكَ ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ .
فَقَالَ لَهُ
أَبُو مُسْلِمٍ : مَتَى كُنْتَ تُكَلِّمُنِي بِهَذَا الْكَلَامِ ؟ فَقَالَ : إِنَّكَ دَعَوْتَنَا إِلَى هَذَا الْأَمْرِ ، وَإِلَى طَاعَةِ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَأَمَرْتَنَا بِقِتَالِ مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ ، فَدَعَوْتَنَا مِنْ أَرَضِينَ مُتَفَرِّقَةٍ وَأَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَجَمَعَنَا اللَّهُ عَلَى طَاعَتِهِمْ ، وَأَلَّفَ مَا بَيْنَ قُلُوبِنَا
[ ص: 59 ] [ بِمَحَبَّتِهِمْ ] ، وَأَعَزَّنَا بِنَصْرِنَا لَهُمْ ، وَلَمْ نَلْقَ مِنْهُمْ رَجُلًا إِلَّا بِمَا قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِنَا ، حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي بِلَادِهِمْ بِبَصَائِرَ نَافِذَةٍ ، وَطَاعَةٍ خَالِصَةٍ ، أَفَتُرِيدُ حِينَ بَلَغْنَا غَايَةَ مُنَانَا ، وَمُنْتَهَى أَمَلِنَا أَنْ تُفْسِدَ أَمْرَنَا ، وَتُفَرِّقَ كَلِمَتَنَا ؟ ! وَقَدْ قَلْتَ لَنَا مَنْ خَالَفَكُمْ فَاقْتُلُوهُ ، وَإِنْ خَالَفْتُكُمْ فَاقْتُلُونِي ! .
فَأَقْبَلَ
أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى
أَبِي نَصْرٍ مَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ ، فَقَالَ : أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ لِي هَذَا ؟ مَا كَانَ بِكَلَامِهِ يَا
مَالِكُ ! قَالَ : لَا تَسْمَعْ قَوْلَهُ ، وَلَا يَهُولَنَّكَ هَذَا مِنْهُ ، فَلَعَمْرِي مَا هَذَا كَلَامَهُ ، وَلَمَا بَعْدَ هَذَا أَشَدُّ مِنْهُ ، فَامْضِ لِأَمْرِكَ وَلَا تَرْجِعْ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أَتَيْتَهُ لَيَقْتُلَنَّكَ ، وَلَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِنْكَ شَيْءٌ لَا يَأْمَنُكَ أَبَدًا .
فَقَالَ : قُومُوا ، فَنَهَضُوا ، فَأَرْسَلَ
أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى نَيْزَكٍ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْكُتُبَ وَمَا قَالُوا ، فَقَالَ : مَا أَرَى أَنْ تَأْتِيَهُ ، وَأَرَى أَنْ تَأْتِيَ
الرَّيَّ فَتُقِيمَ بِهَا ، [ فَيَصِيرَ ] مَا بَيْنَ
خُرَاسَانَ وَالرَّيِّ لَكَ ، وَهُمْ جُنْدُكَ لَا يُخَالِفُكَ أَحَدٌ ، فَإِنِ اسْتَقَامَ لَكَ اسْتَقَمْتَ لَهُ ، وَإِنْ أَبَى كُنْتَ فِي جُنْدِكَ وَكَانَتْ
خُرَاسَانُ وَرَاءَكَ ، وَرَأَيْتَ رَأْيَكَ .
فَدَعَا
أَبَا حُمَيْدٍ فَقَالَ : ارْجِعْ إِلَى صَاحِبِكَ ، فَلَيْسَ مِنْ رَأْيِي أَنْ آتِيَهُ . قَالَ : قَدْ عَزَمْتَ عَلَى خِلَافِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : لَا تَفْعَلْ ! قَالَ : لَا أَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا . فَلَمَّا يَئِسَ مِنْ رُجُوعِهِ مَعَهُ قَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ
أَبُو جَعْفَرٍ ، فَوَجَمَ طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : قُمْ . فَكَسَّرَهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ وَرَعَّبَهُ .
وَكَانَ
أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ قَدْ كَتَبَ إِلَى
أَبِي دَاوُدَ خَلِيفَةِ
أَبِي مُسْلِمٍ بِخُرَاسَانَ حِينَ اتَّهَمَ
أَبَا مُسْلِمٍ : إِنَّ لَكَ إِمْرَةَ
خُرَاسَانَ مَا بَقِيتَ . فَكَتَبَ
أَبُو دَاوُدَ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ : إِنَّا لَمْ نَخْرُجْ لِمَعْصِيَةِ خُلَفَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تُخَالِفَنَّ إِمَامَكَ ، وَلَا تَرْجِعَنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ .
فَوَافَاهُ كِتَابُهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَزَادَهُ رُعْبًا وَهَمًّا ، فَأَرْسَلَ إِلَى
أَبِي حُمَيْدٍ فَقَالَ لَهُ : إِنِّي كُنْتُ عَازِمًا عَلَى الْمُضِيِّ إِلَى
خُرَاسَانَ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنْ أُوَجِّهَ
أَبَا إِسْحَاقَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَيَأْتِيَنِي بِرَأْيِهِ ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ . فَوَجَّهَهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ تَلَقَّاهُ
بَنُو هَاشِمٍ بِكُلِّ مَا يُحِبُّ ، وَقَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ : اصْرِفْهُ عَنْ وَجْهِهِ وَلَكَ وِلَايَةُ
خُرَاسَانَ ، وَأَجَازَهُ .
فَرَجَعَ
أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ
لِأَبِي مُسْلِمٍ : مَا أَنْكَرْتُ شَيْئًا ، رَأَيْتُهُمْ مُعَظِّمِينَ لِحَقِّكَ يَرَوْنَ لَكَ مَا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ . وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَيَعْتَذِرَ إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مِنْهُ ، فَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ . فَقَالَ لَهُ
نَيْزَكٌ : قَدْ أَجْمَعْتَ عَلَى الرُّجُوعِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَتَمَثَّلَ :
[ ص: 60 ] مَا لِلرِّجَالِ مَعَ الْقَضَاءِ مَحَالَةٌ ذَهَبَ الْقَضَاءُ بِحِيلَةِ الْأَقْوَامِ
قَالَ : إِذَا عَزَمْتَ عَلَى هَذَا فَخَارَ اللَّهُ لَكَ . احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ثُمَّ بَايِعْ مَنْ شِئْتَ ، فَإِنَّ النَّاسَ لَا يُخَالِفُونَكَ .
وَكَتَبَ
أَبُو مُسْلِمٍ إِلَى
الْمَنْصُورِ يُخْبِرُهُ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إِلَيْهِ ، فَسَارَ نَحْوَهُ ، وَاسْتَخْلَفَ
أَبَا نَصْرٍ عَلَى عَسْكَرِهِ ، وَقَالَ لَهُ : أَقِمْ حَتَّى يَأْتِيَكَ كِتَابِي ، فَإِنْ أَتَاكَ مَخْتُومًا بِنِصْفِ خَاتَمٍ فَأَنَا كَتَبْتُهُ ، وَإِنْ أَتَاكَ بِالْخَاتَمِ كُلِّهِ فَلَمْ أَخْتِمْهُ . وَقَدِمَ
الْمَدَائِنَ فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ رَجُلٍ ، وَخَلَّفَ النَّاسَ
بِحُلْوَانَ .
وَلَمَّا وَرَدَ كِتَابُ
أَبِي مُسْلِمٍ عَلَى
الْمَنْصُورِ قَرَأَهُ وَأَلْقَاهُ إِلَى
أَبِي أَيُّوبَ وَزِيرِهِ ، فَقَرَأَهُ وَقَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ : وَاللَّهِ لَئِنْ مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْهُ لَأَقْتُلَنَّهُ .
فَخَافَ
أَبُو أَيُّوبَ مِنْ أَصْحَابِ
أَبِي مُسْلِمٍ أَنْ يَقْتُلُوا
الْمَنْصُورَ وَيَقْتُلُوهُ مَعَهُ ، فَدَعَا
سَلَمَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ جَابِرٍ ، وَقَالَ لَهُ : هَلْ عِنْدَكَ شُكْرٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : إِنْ وَلَّيْتُكَ وِلَايَةً تُصِيبُ مِنْهَا مِثْلَ مَا يُصِيبُ صَاحِبُ
الْعِرَاقِ ، تُدْخِلْ مَعَكَ أَخِي
حَاتِمًا - وَأَرَادَ بِإِدْخَالِ أَخِيهِ مَعَهُ أَنْ يَطْمَعَ وَلَا يُنْكِرَ - وَتَجْعَلْ لَهُ النِّصْفَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ لَهُ : إِنَّ كَسْكَرَ كَالَتْ عَامَ أَوَّلَ كَذَا وَكَذَا ، وَمِنْهَا الْعَامَ أَضْعَافُ ذَلِكَ ، فَإِنْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ بِمَا كَالَتْ أَوْ بِالْأَمَانَةِ أَصَبْتَ مَا تَضِيقُ بِهِ ذَرْعًا .
قَالَ : كَيْفَ لِي بِهَذَا الْمَالِ ؟ قَالَ لَهُ
أَبُو أَيُّوبَ : تَأْتِي
أَبَا مُسْلِمٍ فَتَلْقَاهُ وَتُكَلِّمُهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا فِيمَا يُرْفَعُ مِنْ حَوَائِجِهِ ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُرِيدُ أَنْ يُوَلِّيَهُ إِذَا قَدِمَ مَا وَرَاءَ بَابِهِ وَيُرِيحَ نَفْسَهُ ، قَالَ : فَكَيْفَ لِي أَنْ يَأْذَنَ لِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي لِقَائِهِ ؟ فَاسْتَأْذَنَ لَهُ
أَبُو أَيُّوبَ فِي ذَلِكَ ، فَأَذِنَ لَهُ
الْمَنْصُورُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُبْلِغَ سَلَامَهُ وَشَوْقَهُ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ ، فَلَقِيَهُ
سَلَمَةُ بِالطَّرِيقِ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَطَابَتْ نَفْسُهُ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ كَئِيبًا حَزِينًا ، وَلَمْ يَزَلْ مَسْرُورًا حَتَّى قَدِمَ .
فَلَمَّا دَنَا
أَبُو مُسْلِمٍ مِنَ
الْمَنْصُورِ أَمَرَ النَّاسَ بِتَلَقِّيهِ ، فَتَلَقَّاهُ
بَنُو هَاشِمٍ وَالنَّاسُ ، ثُمَّ قَدِمَ فَدَخَلَ عَلَى
الْمَنْصُورِ فَقَبَّلَ يَدَهُ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ لِثَلَاثَةٍ وَيَدْخُلَ الْحَمَّامَ ، فَانْصَرَفَ .
[ ص: 61 ] فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَا
الْمَنْصُورُ عُثْمَانَ بْنَ نَهِيكٍ وَأَرْبَعَةً مِنَ الْحَرَسِ ، مِنْهُمْ :
شَبِيبُ بْنُ وَاجٍ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ حَرْبُ بْنُ قَيْسٍ ، فَأَمَرَهُمْ بِقَتْلِ
أَبِي مُسْلِمٍ إِذَا صَفَّقَ بِيَدَيْهِ ، وَتَرَكَهُمْ خَلْفَ الرِّوَاقِ .
وَأَرْسَلَ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ يَسْتَدْعِيهِ ، وَكَانَ عِنْدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنُ مُوسَى يَتَغَدَّى ، فَدَخَلَ عَلَى
الْمَنْصُورِ ، فَقَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ : أَخْبِرْنِي عَنْ نَصْلَيْنِ أَصَبْتَهُمَا مَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=16451عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ . قَالَ : هَذَا أَحَدُهُمَا . قَالَ : أَرِنِيهِ . فَانْتَضَاهُ وَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ ، فَوَضَعَهُ
الْمَنْصُورُ تَحْتَ فِرَاشِهِ .
وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ يُعَاتِبُهُ وَقَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي عَنْ كِتَابِكَ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=14485السَّفَّاحِ تَنْهَاهُ عَنِ الْمَوَاتِ ، أَرَدْتَ أَنْ تُعَلِّمَنَا الدِّينَ ؟ قَالَ : ظَنَنْتُ أَخْذَهُ لَا يَحِلُّ ، فَلَمَّا أَتَانِي كِتَابُهُ عَلِمْتُ أَنَّهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مَعْدِنُ الْعِلْمِ .
قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ تَقَدُّمِكَ إِيَّايَ بِطَرِيقِ
مَكَّةَ . قَالَ : كَرِهْتُ اجْتِمَاعَنَا عَلَى الْمَاءِ فَيَضُرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ فَتَقَدَّمْتُكَ لِلرِّفْقِ . قَالَ : فَقَوْلُكَ لِمَنْ أَشَارَ عَلَيْكَ بِالِانْصِرَافِ إِلَيَّ بِطَرِيقِ
مَكَّةَ حِينَ أَتَاكَ مَوْتُ
أَبِي الْعَبَّاسِ إِلَى أَنْ تَقْدَمَ فَنَرَى رَأْيَنَا ، وَمَضَيْتَ فَلَا أَنْتَ أَقَمْتَ حَتَّى أَلْحَقَكَ وَلَا أَنْتَ رَجَعْتَ إِلَيَّ ! قَالَ : مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرْتُكَ مِنْ طَلَبِ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ ، وَقُلْتُ : تَقْدَمُ
الْكُوفَةَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ خِلَافٍ .
قَالَ : فَجَارِيَةُ
عَبْدِ اللَّهِ أَرَدْتَ أَنْ تَتَّخِذَهَا ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنِّي خِفْتُ أَنْ تَضِيعَ فَحَمَلْتُهَا فِي قُبَّةٍ وَوَكَّلْتُ بِهَا مَنْ يَحْفَظُهَا . قَالَ : فَمُرَاغَمَتُكَ وَخُرُوجُكَ إِلَى
خُرَاسَانَ ؟ قَالَ : خِفْتُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَكَ مِنِّي شَيْءٌ فَقُلْتُ آتِي
خُرَاسَانَ ، فَأَكْتُبُ إِلَيْكَ بِعُذْرِي ، فَأُذْهِبُ مَا فِي نَفْسِكَ .
قَالَ : فَالْمَالُ الَّذِي جَمَعْتَهُ
بِخُرَاسَانَ ؟ قَالَ : أَنْفَقْتُهُ بِالْجُنْدِ تَقْوِيَةً لَهُمْ وَاسْتِصْلَاحًا . قَالَ : أَلَسْتَ الْكَاتِبَ إِلَيَّ تَبْدَأُ بِنَفْسِكَ ، وَتَخْطُبُ عَمَّتِي
آمِنَةَ ابْنَةَ عَلِيٍّ ، وَتَزْعُمُ أَنَّكَ
ابْنُ سَلِيطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ؟ لَقَدِ ارْتَقَيْتَ ، لَا أُمَّ لَكَ ، مُرْتَقًى صَعْبًا .
ثُمَّ قَالَ : وَمَا الَّذِي دَعَاكَ إِلَى قَتْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ مَعَ أَثَرِهِ فِي دَعْوَتِنَا ، وَهُوَ أَحَدُ نُقَبَائِنَا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ ؟ قَالَ : أَرَادَ الْخِلَافَ وَعَصَانِي فَقَتَلْتُهُ .
فَلَمَّا طَالَ عِتَابُ
الْمَنْصُورِ قَالَ : لَا يُقَالُ هَذَا لِي بَعْدَ بَلَائِي وَمَا كَانَ مِنِّي .
قَالَ : يَابْنَ الْخَبِيثَةِ ! وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ أَمَةٌ مَكَانَكَ لَأَجْزَأَتْ ، إِنَّمَا عَمِلْتَ فِي دَوْلَتِنَا وَبِرِيحِنَا ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيْكَ مَا قَطَعْتَ فَتِيلًا .
[ ص: 62 ] فَأَخَذَ
أَبُو مُسْلِمٍ بِيَدِهِ يُقَبِّلُهَا وَيَعْتَذِرُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ ! وَاللَّهِ مَا زِدْتَنِي إِلَّا غَضَبًا ! قَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ : دَعْ هَذَا فَقَدَ أَصْبَحْتُ مَا أَخَافُ [ إِلَّا ] اللَّهَ تَعَالَى .
فَغَضِبَ
الْمَنْصُورُ وَشَتَمَهُ ، وَصَفَّقَ بِيَدِهِ عَلَى الْأُخْرَى ، فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْحَرَسُ ، فَضَرَبَهُ
عُثْمَانُ بْنُ نَهِيكٍ فَقَطَعَ حَمَائِلَ سَيْفِهِ ، فَقَالَ : اسْتَبْقِنِي لِعَدُوِّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! فَقَالَ : لَا أَبْقَانِيَ اللَّهُ إِذًا ، أَعَدُوٌّ أَعْدَى لِي مِنْكَ ؟ ! وَأَخَذَهُ الْحَرَسُ بِسُيُوفِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ وَهُوَ يَصِيحُ الْعَفْوَ ، فَقَالَ
الْمَنْصُورُ : يَابْنَ اللَّخْنَاءِ الْعَفْوُ وَالسُّيُوفُ قَدِ اعْتَوَرَتْكَ ! فَقَتَلُوهُ فِي شَعْبَانَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْهُ .
فَقَالَ
الْمَنْصُورُ :
زَعَمْتَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يُقْتَضَى فَاسْتَوْفِ بِالْكَيْلِ أَبَا مُجْرِمِ
سُقِيتَ كَأْسًا كُنْتَ تَسْقِي بِهَا أَمَرَّ فِي الْحَلْقِ مِنَ الْعَلْقَمِ
وَكَانَ
أَبُو مُسْلِمٍ قَدْ قَتَلَ فِي دَوْلَتِهِ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ صَبْرًا .
فَلَمَّا قُتِلَ
أَبُو مُسْلِمٍ دَخَلَ
أَبُو الْجَهْمِ عَلَى
الْمَنْصُورِ فَرَأَى
أَبَا مُسْلِمٍ قَتِيلًا ، فَقَالَ : أَلَا أَرُدُّ النَّاسَ ؟ قَالَ : بَلَى ، فَمُرْ بِمَتَاعٍ يُحْمَلُ إِلَى رِوَاقٍ آخَرَ .
وَخَرَجَ
أَبُو الْجَهْمِ ، فَقَالَ : انْصَرِفُوا فَإِنَّ الْأَمِيرَ يُرِيدُ الْقَائِلَةَ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ . وَرَأَوُا الْمَتَاعَ يُنْقَلُ فَظَنُّوهُ صَادِقًا فَانْصَرَفُوا ، وَأَمَرَ لَهُمُ
الْمَنْصُورُ بِالْجَوَائِزِ ، فَأَعْطَى
أَبَا إِسْحَاقَ مِائَةَ أَلْفٍ .
وَدَخَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16752عِيسَى بْنُ مُوسَى عَلَى
الْمَنْصُورِ بَعْدَ قَتْلِ
أَبِي مُسْلِمٍ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيْنَ
أَبُو مُسْلِمٍ ؟ فَقَالَ : قَدْ كَانَ هَاهُنَا [ آنِفًا ] . فَقَالَ
عِيسَى : قَدْ عَرَفْتَ نَصِيحَتَهُ وَطَاعَتَهُ وَرَأْيَ
الْإِمَامِ إِبْرَاهِيمَ كَانَ فِيهِ .
فَقَالَ : يَا أَحْمَقُ ، وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ عَدُوًّا أَعْدَى لَكَ مِنْهُ ! هَا هُوَ ذَا فِي الْبِسَاطِ . فَقَالَ
عِيسَى : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . وَكَانَ
لِعِيسَى فِيهِ رَأْيٌ .
[ ص: 63 ] فَقَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ : خَلَعَ اللَّهُ قَلْبَكَ ! وَهَلْ كَانَ لَكُمْ مُلْكٌ أَوْ سُلْطَانٌ أَوْ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ مَعَ
أَبِي مُسْلِمٍ ؟
ثُمَّ دَعَا
الْمَنْصُورُ بِجَعْفَرِ بْنِ حَنْظَلَةَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا تَقُولُ فِي أَمْرِ
أَبِي مُسْلِمٍ ؟ قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ كُنْتَ أَخَذْتَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَةً فَاقْتُلْ ثُمَّ اقْتُلْ .
فَقَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ : وَفَّقَكَ اللَّهُ ! فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى
أَبِي مُسْلِمٍ مَقْتُولًا قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، عُدَّ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ لِخِلَافَتِكَ .
ثُمَّ دَعَا
الْمَنْصُورُ بِأَبِي إِسْحَاقَ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ : أَنْتَ الْمُتَابِعُ عَدُوَّ اللَّهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ ! وَقَدْ كَانَ بَلَغَهُ أَنَّهُ أَشَارَ عَلَيْهِ بِإِتْيَانِ
خُرَاسَانَ ، قَالَ : فَكَفَّ
أَبُو إِسْحَاقَ وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا خَوْفًا مِنْ
أَبِي مُسْلِمٍ ، فَقَالَ لَهُ
الْمَنْصُورُ : تَكَلَّمْ بِمَا أَرَدْتَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ الْفَاسِقَ ، وَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ .
فَلَمَّا رَآهُ
أَبُو إِسْحَاقَ خَرَّ سَاجِدًا لِلَّهِ فَأَطَالَ ، وَرَفَعَ رَأَسَهُ وَهُوَ يَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي آمَنَنِي بِكَ الْيَوْمَ ! وَاللَّهِ مَا أَمِنْتُهُ يَوْمًا [ وَاحِدًا ] ، وَمَا خِفْتُهُ يَوْمًا وَاحِدًا ، وَمَا جِئْتُهُ يَوْمًا قَطُّ إِلَّا وَقَدْ أَوْصَيْتُ وَتَكَفَّنْتُ وَتَحَنَّطْتُ . ثُمَّ رَفَعَ ثِيَابَهُ الظَّاهِرَةَ فَإِذَا تَحْتَهَا ثِيَابُ كَتَّانٍ جُدُدٌ ، وَقَدْ تَحَنَّطَ .
فَلَمَّا رَأَى
أَبُو جَعْفَرٍ حَالَهُ رَحِمَهُ ، وَقَالَ لَهُ : اسْتَقْبِلْ طَاعَةَ خَلِيفَتِكَ وَاحَمَدِ اللَّهَ الَّذِي أَرَاحَكَ مِنَ الْفَاسِقِ هَذَا . ثُمَّ قَالَ لَهُ : فَرِّقْ عَنِّي هَذِهِ الْجَمَاعَةَ .
ثُمَّ كَتَبَ
الْمَنْصُورُ بَعْدَ قَتْلِ
أَبِي مُسْلِمٍ إِلَى
أَبِي نَصْرٍ مَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ عَنْ لِسَانِ
أَبِي مُسْلِمٍ يَأْمُرُهُ بِحَمْلِ ثَقَلِهِ وَمَا خَلَّفَ عِنْدَهُ ، وَأَنْ يَقْدَمَ ، وَخَتَمَ الْكِتَابَ بِخَاتَمِ
أَبِي مُسْلِمٍ ، فَلَمَّا رَأَى الْخَاتَمَ تَامًّا عَلِمَ أَنَّ
أَبَا مُسْلِمٍ لَمْ يَكْتُبْ ، فَقَالَ : فَعَلْتُمُوهَا ! وَانْحَدَرَ إِلَى
هَمَذَانَ ، وَهُوَ يُرِيدُ
خُرَاسَانَ .
فَكَتَبَ
الْمَنْصُورُ لِأَبِي نَصْرٍ عَهْدَهُ عَلَى
شَهْرَزُورَ ، وَكَتَبَ إِلَى
زُهَيْرِ بْنِ التُّرْكِيِّ ، وَهُوَ عَلَى
هَمَذَانَ : إِنْ مَرَّ بِكَ
أَبُو نَصْرٍ فَاحْبِسْهُ . فَسَبَقَ الْكِتَابُ إِلَى
زُهَيْرٍ وَأَبُو نَصْرٍ بِهَمَذَانَ ، فَقَالَ لَهُ
زُهَيْرٌ : قَدْ صَنَعْتُ لَكَ طَعَامًا فَلَوْ أَكْرَمْتَنِي بِدُخُولِ مَنْزِلِي . فَحَضَرَ عِنْدَهُ ، فَأَخَذَهُ
زُهَيْرٌ فَحَبَسَهُ .
وَكَتَبَ
أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى
زُهَيْرٍ كِتَابًا يَأْمُرُهُ بِقَتْلِ
أَبِي نَصْرٍ ، وَقَدِمَ صَاحِبُ الْعَهْدِ عَلَى
أَبِي نَصْرٍ بِعَهْدِهِ عَلَى شَهْرَزُورَ ، فَخَلَّى
زُهَيْرٌ سَبِيلَهُ لِهَوَاهُ فِيهِ ، فَخَرَجَ ثُمَّ وَصَلَ بَعْدَ يَوْمٍ الْكِتَابُ إِلَى
زُهَيْرٍ بِقَتْلِ
أَبِي نَصْرٍ ، فَقَالَ : جَاءَنِي كِتَابٌ بِعَهْدِهِ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ .
[ ص: 64 ] وَقَدِمَ
أَبُو نَصْرٍ عَلَى
الْمَنْصُورِ فَقَالَ لَهُ : أَشَرْتَ عَلَى
أَبِي مُسْلِمٍ بِالْمُضِيِّ إِلَى
خُرَاسَانَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَانَتْ لَهُ عِنْدِي أَيَادٍ فَنَصَحْتُ لَهُ ، وَإِنِ اصْطَنَعَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ نَصَحْتُ لَهُ وَشَكَرْتُ . فَعَفَا عَنْهُ .
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ
الرَّاوِنْدِيَّةِ قَامَ
أَبُو نَصْرٍ عَلَى بَابِ الْقَصْرِ ، وَقَالَ : أَنَا الْبَوَّابُ الْيَوْمَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ وَأَنَا حَيٌّ . فَسَأَلَ عَنْهُ
الْمَنْصُورُ فَأُخْبِرَ بِهِ ، فَعَلِمَ أَنَّهُ قَدْ نَصَحَ لَهُ .
وَقِيلَ : إِنَّ
زُهَيْرًا سَيَّرَ
أَبَا نَصْرٍ إِلَى
الْمَنْصُورِ مُقَيَّدًا ، فَمَنَّ عَلَيْهِ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى
الْمَوْصِلِ .