الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وقسم ) الإمام ( الأربعة ) الأخماس الباقية ( لحر ) [ ص: 192 ] ذكر ( مسلم بالغ عاقل حاضر ) للقتال صحيح على تفصيل يأتي في قوله ، ومريض شهد إلخ ( كتاجر ، وأجير إن قاتلا ) ، وإلا فلا ، ولو شهدا صف القتال ( أو خرجا بنية غزو ) ، ولو لم يقاتلا ( لا ضدهم ) من عبد وكافر ومجنون وصبي وغائب ( ولو قاتلوا إلا الصبي ففيه إن أجيز ) من الإمام ( وقاتل ) ، وهو مطيق للقتال ( خلاف ، ولا يرضخ ) أي لا يعطى ( لهم ) أي لمن لا يسهم له من الأضداد المتقدمة والرضخ مال موكول تقديره للإمام محله الخمس كالنفل ( كميت ) آدمي أو فرس ( قبل اللقاء ) أي القتال فلا يرضخ له ولا يسهم ( وأعمى ، وأعرج ) إلا أن يقاتل ( وأشل ) وأقطع إلا أن يكون لهم رأي وتدبير ( ومتخلف ) ببلد الإسلام ( لحاجة إن لم تتعلق ) حاجته ( بالجيش ) وإلا أسهم له ( وضال ) عن الجيش ( ببلدنا وإن ) ضل بمعنى رد ( بريح ) لكن الراجح أنه يسهم له ولمن رد بريح إلا أن يرجع اختيارا ( بخلاف ) ضال ( ببلدهم ) فيسهم له ( و ) بخلاف ( مريض شهد ) القتال ، ولم يمنعه مرضه عنه فإن منعه لم يسهم له إلا أن يكون له تدبير ( كفرس رهيص ) والرهص مرض في باطن قدمه من وطئه على حجر ونحوه كالوقرة فيسهم له لكونه بصفة الأصحاء ( أو ) ( مرض ) الفرس أو الغازي ( بعد أن أشرف على ) حوز ( الغنيمة ) ، ( وإلا ) بأن مرض قبل القتال أو قبل الإشراف على الغنيمة واستمر مريضا حتى انقضى القتال ، ولم يقاتل ( فقولان ) نظرا لدخوله بلد الحرب صحيحا [ ص: 193 ] والمرض المانع ( و ) يسهم ( للفرس مثلا ) سهم ( فارسه ) فللفرس سهمان ولراكبه سهم كما أن لمن لا فرس له سهما واحدا وللفرس الذي لا يسهم لراكبه سهمان كالعبد ، وللفرس السهمان

( وإن ) كان القتال ( بسفينة ) ; لأن المقصود من حمل الخيل في الجهاد إرهاب العدو ( أو ) ( كان الفرس برذونا ) وأجازه الإمام ، وهو العظيم الخلقة الغليظ الأعضاء ، والعراب الممدوحة ضمر وأرق أعضاء ( وهجينا ) من الخيل لا الإبل إذ لا يسهم لها ، وهو ما أبوه عربي وأمه نبطية أي رديئة ، وعكس الهجين مقرف اسم فاعل من أقرف ، وهو ما أمه عربية ، وأبوه نبطي ( وصغيرا يقدر بها ) أي بالثلاثة ( على الكر ) على العدو ( والفر ) منه .

التالي السابق


( قوله : ذكر ) أي فالمرأة لا يسهم لها ، ولو قاتلت إلا إذا تعين الجهاد عليها بفجء العدو ، وإلا أسهم لها كما قال الجزولي ( قوله : حاضر للقتال ) أي ، ولو لم يقاتل بالفعل ( قوله : إن قاتلا إلخ ) ، وقيل يكفي في الإسهام للتاجر والأجير شهود القتال ، وقيل بعدم الإسهام للأجير مطلقا ولو قاتل ففي الأجير ثلاثة أقوال ، وفي التاجر قولان . انظر بن . والموضوع أن خروج التاجر بقصد التجارة وخروج الأجير بقصد الخدمة ( قوله : أو خرجا بنية غزو ) ظاهره كانت نية الغزو تابعة أو متبوعة ، والذي في التوضيح أن المعتمد أنه إذا كانت نية الغزو تابعة أنه لا يسهم لهما فيقيد كلام المصنف بما إذا كانت متبوعة أو كانتا مقصودتين معا . ا هـ . بن ( قوله : ولو قاتلوا ) الضمير للجماعة الذين شملهم لفظ الضد ، والمبالغة راجعة لما عدا ضد حاضر إذ لا يتصور القتال مع الغيبة ورد بالمبالغة على من قال بالإسهام لكل واحد من تلك الأضداد إذا قاتل والخلاف موجود في الذمي إذا قاتل كما في التوضيح وابن عرفة ( قوله : خلاف ) أما القول بأنه لا يسهم له فهو ظاهر المدونة وشهره ابن عبد السلام ، وأما القول بأنه يسهم له إن أجيز ، وقاتل فلم أقف على من شهره ، وهو ، وإن اقتصر عليه في الرسالة لكنها لا تتقيد بالمشهور نعم شهر الفاكهاني القول بأنه يسهم له إذا حضر صف القتال كما في التوضيح ، وهو قول ثالث لم يعرج عليه المؤلف ، ويلزم من تشهيره تشهير ما حكاه المصنف . ا هـ بن .

( قوله : ولا يرضخ لهم ) الضمير للجماعة الذين شملهم لفظ الضد أي لا يعطى هؤلاء الجماعة الذين لا يسهم لهم شيئا من الخمس ( قوله : والرضخ ) أي في عرف الفقهاء ، وأما في اللغة فهو إعطاء الشيء اليسير ( قوله : وأعمى ، وأعرج ) أي كذلك لا يسهم لهم ، ولا يرضخ ، وقوله : إلا أن يقاتل أي الأعرج راكبا وراجلا فيسهم له على المعتمد كما في المواق خلافا لما يفيده كلام تت من أنه لا يسهم للأعرج مطلقا ولو قاتل ، وينبغي جريان هذا القيد في الأعمى أيضا ( قوله : إن لم تتعلق بالجيش ) أي إن لم يعد عليه منها نفع وقوله : وإلا أسهم له أي وإلا بأن تعلقت بالجيش بأن عاد عليه أو على أمير الجيش منها نفع أسهم له فالأول كإقامته في بلد المسلمين لأجل تسوق طعام أو سلاح للجيش والثاني كتخلفه في بلاد الإسلام لأجل تمريض ابن أو أخ أمير الجيش ( قوله : وضال عن الجيش ببلدنا ) أي ، ولم يجتمع عليه أصلا أو اجتمع عليه بعد الفتح وفراغ الجهاد .

( قوله : لكن الراجح أنه يسهم له ) أي لمن ضل عن الجيش ببلدنا ولمن رد بريح قال مالك في المدونة ، ومن ردتهم الريح لبلد الإسلام فإنه يسهم لهم مع أصحابهم الذين وصلوا وغنموا ، وقال ابن القاسم فيها ، ولو ضل رجل من العسكر فلم يرجع حتى غنموا فله سهمهم لقول مالك في الذين ردتهم الريح . ا هـ . والمصنف تبع تشهير ابن الحاجب تبعا لابن شاس وهو غير ظاهر لما علمت من كلام المدونة . ( قوله : شهد القتال ، ولم يمنعه مرضه عنه ) أي سواء كان المرض حصل له بعد الإشراف على الغنيمة أو حصل له في ابتداء القتال أو حصل له قبل دخول بلدهم ، وقوله : فإن منعه لم يسهم له أي على أحد القولين إذا كان المرض طرأ له قبل دخول بلدهم أو في ابتداء القتال فإن طرأ له بعد الإشراف على الغنيمة أسهم له اتفاقا كما يأتي ( قوله : أو مرض بعد أن أشرف إلخ ) عطف على شهد فهو في موضع الصفة لمريض ، ومعناه أنه إذا حضر القتال صحيحا ثم طرأ له مرض بعد الإشراف على حوز الغنيمة [ ص: 193 ] أوجب منعه عن القتال فإنه يسهم له .

وإذا علمت هذا فالأولى قصر قوله أو مرض إلخ على الآدمي ; لأن الفرس المريض لا يشترط في الإسهام له شهود القتال بل المدار على كونه يرجى برؤه كما يأتي ( قوله : والمرض ) أي ونظرا للمرض المانع من القتال فمن نظر لذلك قال بعدم الإسهام له ، ومن نظر لدخوله بلاد الحرب وتكثيره لسواد المسلمين فيها قال يسهم والحاصل أن المريض إذا شهد القتال مع مرضه فإنه يسهم له سواء حصل له المرض قبل دخول بلاد العدو أو بعد دخولها في ابتداء القتال أو حصل له بعد الإشراف على الغنيمة وهذه الصور الثلاثة داخلة تحت قول المصنف ، ومريض شهد وأما إذا منعه المرض من شهود القتال فإن طرأ له بعد الإشراف على الغنيمة فإنه يسهم له ، وهذا ما أشار له المصنف بقوله أو أشرف على الغنيمة ، وأما إذا طرأ له قبل القتال أو بعد الشروع فيه ، وقبل الإشراف على الغنيمة فقولان بالإسهام له ، وعدمه .




الخدمات العلمية