الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وللعبد إخراجه ) أي الطعام ( إن أذن ) له ( سيده ) فيه مع عجزه عن الصيام ، وأما مع قدرته عليه فلا يجزيه الإطعام فاللام بمعنى على أو للاختصاص ، ومن عجزه في الحال اشتغاله بخدمة سيده أو سعيه في الخراج ( وفيها ) عن مالك ( أحب إلي أن يصوم ) عن ظهاره ( وإن أذن له ) سيده ( في الإطعام ) والواو للحال وهذا شامل للقادر على الصيام والعاجز ( وهل هو وهم ) أي غلط ( لأنه ) أي الصوم هو ( الواجب ) على العبد وإن أذن له سيده في الإطعام ( أو ) ليس بوهم ، وإنما ( أحب للوجوب ) فكأنه قال والمختار عندي أن يصوم وجوبا ويدل عليه أول كلامه ; لأنه قال وإذا تظاهر العبد من امرأته فليس عليه إلا الصوم ولا يطعم وإن أذن له سيده والصوم أحب إلي فحمله على الوهم وهم ( أو أحب ) معناه أنه ينبغي ( للسيد عدم المنع ) له من الصوم فالأحبية ترجع للسيد أي أن إذنه له في الصوم أحب من إذنه له في الإطعام ، وهذا التأويل حيث كان للسيد كلام في منعه من الصوم بأن أضر به في خدمته أو خراجه ولا يخفى بعد هذا التأويل من كلام الإمام كالذي بعده

[ ص: 456 ] ( أو ) أحب ( لمنع السيد له الصوم ) أي عند منع سيده له من الصوم ( أو ) أحب محمولة ( على ) العبد ( العاجز حينئذ ) أي في الحال بكمرض ( فقط ) يرجو زواله والقدرة في المستقبل ( تأويلات ) خمسة ( وفيها ) قال مالك ( إن أذن له ) سيده ( أن يطعم ) أو يكسو ( في ) كفارة ( اليمين ) بالله تعالى أجزأه ( وفي قلبي منه شيء ) والصوم أبين عندي ا هـ ووجه الشيء أي النقل الذي في قلبه أن العبد لا يملك أو يشك في ملكه ، أو أن ملكه ظاهري فهو كلا ملك

التالي السابق


( قوله : مع عجزه عن الصيام ) أي في الحال وفي الاستقبال ، وإنما قلنا ذلك لأجل صحة جعل اللام بمعنى على أما لو كان عاجزا عن الصوم في الحال ، ويرجو القدرة عليه في المستقبل فاللام للتخيير ، والمعنى أنه إن أذن له في الإطعام ، والحال أنه عاجز عن الصوم في الحال ، ويرجو القدرة عليه في المستقبل فله الإطعام ، وله تركه حتى يتمكن من الصوم في المستقبل إما بفراغ عمل سيده أو بتأدية خراجه أو يأذن له سيده فيه فلا يتعين في حقه واحد منهما ، وإن كان الأولى له الصبر كذا قيل وهذا بناء على مذهب غير ابن القاسم وأما على مذهبه إذا عجز عن الصوم في الحال وترجاه في الاستقبال فلا يجزيه الإطعام ، ويجب عليه أن يؤخر الكفارة حتى يتمكن من الصوم وهذا هو المعتمد .

( قوله : وأما مع قدرته عليه ) أي في الحال أو في المستقبل بأن عجز عنه حالا ورجا القدرة عليه في المستقبل فلا يجزيه الإطعام ، ويؤخر الصوم لقدرته عليه وجوبا هذا مذهب ابن القاسم وقال غيره إذا رجا القدرة عليه في المستقبل له أن يكفر بالإطعام وله أن يصبر للقدرة على الصوم وهو الأولى له ( قوله : وفيها أحب إلي إلخ ) نص المدونة قال مالك وإذا ظاهر العبد من امرأته فليس عليه إلا الصوم ولا يطعم وإن أذن له سيده في الاطعام والصوم أحب إلي وظاهره كان قادرا على الصوم أو عاجزا عنه قال ابن القاسم : ما أدري ما هذا بل الصوم هو الواجب عليه ولا يطعم من قدر على الصوم قال ابن عبد السلام : ظاهر قول ابن القاسم بل الصوم هو الواجب حمل قول الإمام : والصوم أحب إلي على الوهم لقوله : ما أدري ما هذا ( قوله : أن يصوم ) أي العبد ( قوله : وهم ) هو بالفتح الغلط اللساني ، وأما بالسكون فهو الغلط القلبي ، وكل منهما يصح إرادته أي إنه أراد أن يقول والصوم واجب فالتوى لسانه ، وقال أحب إلي أو إنه سبق قلبه أي الإمام لليمين فأجاب بقوله والصوم أحب إلي بسبب اعتقاده أن السائل سأله عن كفارة اليمين وقوله : وهل هو وهم أي كما قال ابن القاسم .

( قوله : وإن أذن له سيده في الإطعام ) أي وكان قادرا عليه ( قوله : أو أحب معناه إلخ ) هذا التأويل للقاضي إسماعيل البغدادي ( قوله : أحب من إذنه له في الإطعام ) أي لعدم تقرر ملك العبد حقيقة ; لأنه لا يملك أو يشك في ملكه أو أن ملكه ظاهري ( قوله : بأن أضر به ) أي بأن أضر الصوم به في خدمته وخراجه ففي هذه الحالة إذنه له في الصوم وعدم منعه منه أحب من إذنه له في الإطعام ومنعه من الصوم ، وأما لو كان الصوم لا يضر به [ ص: 456 ] أصلا فيجب على السيد عدم المنع من الصوم فإن منعه منه كان للحاكم أن يمنعه ( قوله : أو أحب لمنع السيد إلخ ) هذا تأويل القاضي عياض أي إن أحب راجع للعبد عند منع السيد له من الصوم ، وحاصله أن الصوم إذا أضر بالعبد فيندب للعبد إذا أذن له السيد في الإطعام ومنعه من الصوم أن يصبر لعله أن يأذن له السيد في الصوم بعد ذلك فإن كفر بالإطعام حالا أجزأه .

( قوله : أو أحب محمولة على العبد العاجز إلخ ) هذا التأويل للأبهري وحاصله أن الأحبية على بابها وهي محمولة على العبد العاجز عن الصوم الآن لكمرض يرجو القدرة عليه في المستقبل ، فإذا أذن له سيده في الإطعام فالأحب أن يصبر للقدرة على الصوم ، ويكفر به ، واعترض هذا ابن محرز بأنه إن كان مستطيعا للصوم في المستقبل لزمه التأخير ، وإلا لزمه التكفير بالإطعام حالا ابن بشير وقد بنى ابن محرز اعتراضه على قول ابن القاسم : إن القادر على الصوم في المستقبل يلزمه التأخير أما على قول غيره لا يلزمه فيصح الاعتذار بذلك ( قوله : وفي قلبي منه شيء ) هذا من كلام سحنون ، وذكر هذه المسألة في المدونة وفي ابن الحاجب أثر التي قبلها يدل على صحة كل من التأويل الثالث والرابع والخامس أي يدل على أن كل واحد منها صحيح في نفسه فالتأويل الثالث حاصله أن الصوم إذا أضر به في عمله فالأولى للسيد أن يسامحه من العمل ويأذن له في الصوم ولا يمنعه منه ، وإذنه له فيه أحب من إذنه له في الإطعام وذلك ; لأن في إطعام العبد ثقلا لعدم تقرر ملك العبد حقيقة ; لأنه لا يملك ، أو يملك ملكا ظاهريا ، أو يشك في ملكه ، وحاصل الرابع أن الصوم إذا أضر بالعبد ومنعه السيد منه وأذن له بالإطعام فيندب للعبد أن يصبر لعله أن يأذن له في الصوم ، ولا يكفر بالإطعام حالا وإن أجزأه ; لأن في إطعام العبد ثقلا

وحاصل الخامس أن العبد إذا عجز عن الصوم الآن ، ويرجو القدرة عليه في المستقبل ، فإذا أذن له السيد في الإطعام فالأحب له أن يصبر للقدرة على الصوم ، ولا يكفر بالإطعام حالا وإن أجزأه ; لأن في إطعام العبد ثقلا .

( قوله : أن العبد لا يملك ) أي كما يقول الشافعي وقوله : أو أن ملكه ظاهري أي كما يقول مالك وقوله : أو يشك في ملكه أي يتردد فيه بالنسبة لما في نفس الأمر ، وذلك ; لأن الحق عند الله واحد ، ولا ندري من المصيب في الواقع فنحن نجزم ظاهرا بأنه يملك كما قال مالك أو بأنه لا يملك كما يقول الشافعي ونشك هل ما في نفس الأمر هذا أو هذا فقوله : أو يشك فيه بمنزلة قوله : للخلاف المؤدي للشك بالنظر لما في نفس الأمر ولو اقتصر عليه كان أحسن




الخدمات العلمية