الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وجاز ) ( عفو أبي البكر المجبرة ) كالثيب الصغيرة دون غيره ( عن نصف الصداق قبل الدخول وبعد الطلاق ) لقوله تعالى { إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } لا قبل الطلاق فلا يجوز عند مالك ( ابن القاسم وقبله لمصلحة وهل ) وهو ( وفاق ) لقول الإمام بحمله على غير المصلحة أو خلاف بحمله على ظاهره ( تأويلان ) لا بعد الدخول إن رشدت ( وقبضه ) أي الصداق ( مجبر وصي ) ، وكذا ولي سفيهة غير مجبرة ويجوز أن يكون المراد بالوصي وصي المال وهو غير مجبر بدليل عطفه على المجبر فيشمل ولي السفيهة غير المجبرة [ ص: 328 ] ويكون الوصي المجبر داخلا فيما قبله فتأمل ( وصدقا ) أي المجبر والوصي في دعوى تلفه أو ضياعه بلا تفريط ( ولو لم تقم بينة ) وكان مما يغاب عليه ومصيبته من الزوجة فلا رجوع لها على زوج ولا غيره ( وحلفا ) ، ولو عرفا بالصلاح ( ورجع ) الزوج عليها بنصفه ( إن طلقها ) قبل البناء وهو مما يغاب عليه ولم تقم بينة على هلاكه ( في مالها إن أيسرت يوم الدفع ) أي دفع الزوج الصداق لمن له قبضه ممن تقدم ، ولو أعسرت يوم القيام وهي مصيبة نزلت بها فإن أعسرت يوم الدفع لم يرجع الزوج عليها بشيء ومصيبته منه ، ولو أيسرت بعد ذلك ( وإنما يبرئه ) أي المجبر والوصي من الصداق أحد أمور ثلاثة ( شراء جهاز ) به يصلح لحالها و ( تشهد بينة بدفعه لها ) ومعاينة قبضها له ( أو إحضاره بيت البناء ) وتشهد البينة بوصوله له ( أو توجيهه ) بأن عاينت الجهاز موجها ( إليه ) أي إلى بيت البناء ، وإن لم يصحبوه إلى البيت ولا تسمع حينئذ دعوى الزوج أنه لم يصل إليه وأتى بالحصر للإشارة إلى أن من له قبضه لو دفعه للزوجة عينا لم يبرأ ويضمنه للزوج ( وإلا ) يكن لها مجبر ولا وصي ولا مقدم قاض ( فالمرأة ) الرشيدة هي التي تقبضه فإن ادعت تلفه صدقت بيمين ولا يلزمها تجهيزها بغيره ( وإن قبض ) أي قبضه من ليس له قبضه ممن تقدم من غير توكيلها له في القبض فتلف فهو متعد في قبضه والزوج متعد في دفعه له فإن شاءت ( اتبعته ) المرأة لضمانه بتعديه ( أو ) اتبعت ( الزوج ) فإن أخذته منه رجع به على الولي بخلاف العكس فقرار الغرم على الولي .

التالي السابق


( قوله : وجاز عفو أبي البكر ) الأولى عفو أبي المجبرة أي سواء كانت بكرا أو ثيبا صغرت كما يشير لذلك كلام الشارح وقوله : دون غيره أي دون غير الأب ، ولو كان وصيا مجبرا وخص الأب بذلك لشدة شفقته دون الوصي وغيره من الأولياء .

( قوله : عن نصف الصداق ) أي وأولى عن أقل منه .

( قوله : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) حمله أصحابنا على الأب وحمله أبو حنيفة على الزوج عن التشطير ; لأنه الذي بيده حل النكاح ; لأنه طلق .

( قوله : وقبله ) أي وجاز العفو قبل الطلاق لمصلحة كعسر الزوج فيخفف عنه بطرح البعض .

( قوله : لا بعد الدخول ) أي لا يجوز للولي أن يعفو عن بعض الصداق بعد الدخول إن رشدت ; لأنها لما صارت ثيبا صار الكلام لها فإن كانت سفيهة أو صغيرة فالكلام للأب وحينئذ فله أن يعفو عن بعض الصداق لمصلحة ، كذا في خش وعبق وهو غير صواب ، إذ الحق أنه لا عفو له بعد الدخول سواء كانت رشيدة أو لا ففي سماع محمد بن خالد أن الصغيرة إذا دخل بها الزوج وافتضها ، ثم طلقها قبل البلوغ أنه لا يجوز العفو عن شيء من الصداق لا من الأب ولا منها . قال ابن رشد : وهو كما قال ; لأنه إذا دخل بها الزوج وافتضها فقد وجب لها جميع صداقها بالمسيس وليس للأب أن يضع حقا قد وجب لها إلا في الموضع الذي أذن له فيه وهو قبل المسيس لقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الآية وإذا منع العفو في الصغيرة بعد الدخول ففي السفيهة أحرى ا هـ بن ، وكذا لا يجوز العفو عن شيء من الصداق بعد الموت ، ولو قبل البناء كما نص عليه المازري ذكره شيخنا .

( قوله : وقبضه مجبر ) أي وهو الأب في ابنته البكر ، ولو عانسا والثيب إن صغرت والسيد في أمته بالغة أم لا ثيبا أم لا .

( قوله : ووصي ) أي أوصاه الأب بإنكاحها وأمره بجبرها أو عين له الزوج .

( قوله : وكذا ولي سفيهة ) أي المولى على النظر في مالها سواء كان له تولية العقد كالأب أو لا كالأجنبي ، فولي العقد فقط لا يقبض صداقها ، ولو كان أخا أو أبا فإن كانت السفيهة مهملة فلا تقبض صداقها كما قال ابن عرفة بل يرفع أمرها للحاكم فإن شاء قبضه واشترى لها به جهازا ، وإن شاء عين لها من يقبضه ويصرفه فيما يأمره به مما يجب لها فإن لم يكن حاكم أو لم يمكن الرفع إليه أو خيف على الصداق منه حضر الزوج والولي والشهود فيشترون لها بصداقها جهازا ويدخلونه بيت البناء كما ذكره المتيطي وابن الحاج في نوازله عازيا ذلك لمالك انظر بن .

( قوله : وصي المال ) أي الوصي الذي أوصاه الأب أو أقامه القاضي على النظر في مالها [ ص: 328 ] أي وأما الوصي الذي أمره الأب بالإجبار أو عين له الزوج فهو مندرج في المجبر .

( قوله : ولو لم تقم بينة ) ظاهرة على التلف فيرد عليه أن قوله وحلف مشكل مع ما قبل المبالغة ; لأنه إذا قامت له بينة على التلف صدق من غير يمين على تصديقهما عند قيام البينة أمر ضروري لا يحتاج للنص عليه وأجاب بعضهم بأن الواو في قوله : ولو لم تقم بينة للحال وقرر المتن بتقرير آخر .

وحاصله أنهما إذا ادعيا قبضه من الزوج وأنه تلف فإنهما يصدقان في القبض فيبرأ الزوج هذا إذا قامت بينة على القبض بل ولو لم تقم عليه بينة وهو قول مالك وابن القاسم ومقابله لأشهب عدمها ويغرم الزوج للزوجة صداقها فالمبالغة من حيث براءة الزوج خلافا لأشهب وتعلم أن الذي لم تقم عليه البينة هو القبض لا التلف وقوله : وحلف أي على التلف لا على القبض كذا حل المواق وعلى هذا التقرير فالمبالغة صحيحة ومحل الخلاف بين ابن القاسم وأشهب إذا ادعيا التلف قبل البناء ، وأما بعد البناء فلا خلاف في براءة الزوج بإقرارهما بقبضه انظر بن .

( قوله : وحلفا ) أي لقد تلف أو ضاع بغير تفريط ولا يقال فيه تحليف الولد لوالده وهو ممنوع ; لأنا نقول : قد تعلق به حق للزوج وهو الجهاز به ، فإن كانت سفيهة مهملة وعقد لها الحاكم وقبض صداقها وادعى تلفه فهل يحلف من حيث إنه ولي لا من حيث إنه حاكم أو لا وهو الظاهر ا هـ خش .

( قوله : بنصفه ) أي بنصف الصداق الذي دفعه لمن له قبضه ; لأنه كالوكيل لها .

( قوله : ولم تقم بينة على هلاكه ) وأما إن قامت على هلاكه بينة مطلقا أو لم تقم وكان مما لا يغاب عليه فلا رجوع له عليها كانت موسرة يوم الدفع أو معسرة ; لأن ضمانه منهما .

( قوله : وإنما يبرئه ) أي بالنسبة لدفع الصداق لها فلا ينافي ما تقدم من أنه إذا ادعى تلفه أو ضياعه فإنه يصدق ( تنبيه ) قال ابن عرفة وابن حبيب : للزوج سؤال الولي فيما صرف نقده فيه من الجهاز ، وعلى الولي تفسير ذلك ويحلفه إن اتهمه .

( قوله : تشهد بينة بدفعه لها ) أي في بيت البناء أو في غيره ، وإن لم تقر بقبضه .

( قوله : ومعاينة إلخ ) عطف تفسير .

( قوله : إلى أن من له قبضه ) أي من الأب والوصي وولي السفيهة وقوله : إذا دفعه للزوجة أي المحجور عليها ، وأما الرشيدة فسيأتي أنها تقبضه بنفسها أو توكل من يقبضه وقوله : لم يبرأ أي ولو اعترفت الزوجة المذكورة بأخذه من الولي المذكور وصرفته على نفسها أو تلف منها .

( قوله : ويضمنه للزوج ) أي ليشتري له به جهازا .

( قوله : فالمرأة الرشيدة هي التي تقبضه ) أي ولا يقبضه وليها إلا بتوكيلها .

( قوله : ولا يلزمها تجهيزها بغيره ) أي فتصديقها بالنظر لعدم لزوم التجهيز به ، وأما بالنظر لرجوع الزوج عليها بنصفه إذا طلق قبل البناء فلا تصدق فيما يغاب عليه ولم تقم على هلاكه بينة وإلا كان الضمان منهما




الخدمات العلمية