الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولزم ولو هزل ) كضرب أي لم يقصد بلفظه حل العصمة وهذا إنما يأتي في الصريح أو الكناية الظاهرة بأن خاطبها به على سبيل المزح والملاعبة ومثل الطلاق العتق والنكاح والرجعة لما ورد في الخبر ( لا إن سبق لسانه ) بأن قصد التكلم بغير لفظ الطلاق فزل لسانه فتكلم به فلا يلزمه شيء مطلقا إن ثبت سبق لسانه وإن لم يثبت قبل ( في الفتوى ) دون القضاء ( أو ) ( لقن ) الأعجمي لفظه ( بلا فهم ) منه لمعناه فلا يلزمه شيء ( أو هذى ) بذال معجمة بوزن رمى من الهذيان وهو الكلام الذي لا معنى له ( لمرض ) أصابه فتكلم بالطلاق فلما أفاق قال لم أشعر بشيء وقع مني فلا يلزمه شيء في الفتيا والقضاء إلا أن تشهد بينة بصحة عقله لقرينة أو قال وقع مني شيء ولم أعقله لزمه الطلاق ; لأن شعوره بوقوع شيء منه دليل على أنه عقله قاله ابن ناجي وسلموه له وفيه نظر إذ كثيرا ما يتخيل للمريض خيالات فيتكلم على مقتضاها بكلام خارج عن قانون العقلاء فإذا أفاق استشعر أصله وأخبر عن الخيالات الوهمية كالنائم .

( أو قال ) مناديا ( لمن اسمها طالق يا طالق ) فلا تطلق في الفتيا ولا القضاء ( وقبل منه في ) نداء ( طارق ) بالراء بيا طالق باللام ( التفات لسانه ) في الفتوى دون القضاء وكذا في التي بعدها فقوله وطلقتا مع البينة يرجع لهذه أيضا ( أو ) ( قال ) لإحدى زوجتيه ( يا حفصة ) [ ص: 367 ] يريد طلاقها ( فأجابته عمرة ) تظن أنه طالب حاجة ( فطلقها ) أي قال لها أنت طالق يظنها حفصة ( فالمدعوة ) وهي حفصة تطلق مطلقا في الفتيا والقضاء وأما المجيبة ففي القضاء فقط وإليه أشار بقوله ( وطلقتا ) بفتح اللام أي حفصة وعمرة ويحتمل طارق وعمرة وهو أولى وأتم فائدة ( مع ) قيام ( البينة ) ولو قال في القضاء كان أحسن ليشمل قيام البينة مع الإنكار وحصول الإقرار عند القاضي وأجيب بأنه متى قيل مع البينة فالمراد القضاء الشامل للإقرار

التالي السابق


( قوله ولزم ) أي ولزم الطلاق بمعنى حل العصمة بذكر اللفظ الدال عليه هذا إذا كان غير هازل بأن قصد به حل العصمة اتفاقا بل ولو كان هازلا بأن لم يقصد به حل العصمة على المشهور وأشار المصنف لمقابله بلو .

{ تنبيه } يلزم طلاق الغضبان ولو اشتد غضبه خلافا لبعضهم كذا ذكر السيد البليدي في حاشيته .

( قوله كضرب ) الذي في القاموس أن هزل من باب ضرب وفرح ( قوله أو الكناية الظاهرة ) أي وأما الكناية الخفية فلا يقع بها الطلاق إلا إذا قصد بها حل العصمة كما مر وكما يأتي ( قوله بأن خاطبها به ) أي بلفظ الطلاق أو الكناية الظاهرة كأن قال لها : أنت طالق أو خلية أو برية أو بائن ( قوله ومثل الطلاق ) أي في لزومه بالهزل ( قوله لما ورد في الخبر ) أي وهو ثلاث هزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة ، وفي رواية والعتق بدل الرجعة ( قوله لا إن سبق لسانه في الفتوى ) أي سواء ثبت سبق لسانه أم لا ومفهوم في الفتوى أن القضاء فيه تفصيل فإن ثبت سبق لسانه فلا يلزمه شيء أيضا وإلا لزمه ، وإذا علمت أن في المفهوم تفصيلا فلا يعترض على المصنف .

( قوله أو لقن الأعجمي لفظه ) أي من عربي وكذا إذا لقن العربي لفظه من عجمي من غير فهم منه لمعناه ( قوله فلا يلزمه شيء ) أي لا في الفتوى ولا في القضاء لعدم قصد النطق باللفظ الدال على حل العصمة الذي هو ركن في الطلاق ( قوله أو هذى لمرض ) أي أن المريض إذا تكلم بالهذيان وهو الكلام الذي لا فائدة فيه فطلق زوجته في حال هذيانه فلما أفاق أنكر أن يكون وقع منه شيء فلا يلزمه الطلاق لا في الفتوى ولا في القضاء إلحاقا له بالمجنون ويحلف أنه ما شعر بما وقع منه ( قوله فتكلم بالطلاق ) أي في حال هذيانه .

( قوله فلا يلزمه شيء في الفتيا والقضاء ) هكذا أطلق الباجي وقوله إلا أن تشهد إلخ تقييد لابن رشد ( قوله قاله ابن ناجي ) راجع لقوله أو قال وقع منه شيء ولم أعقله إلخ ( قوله فيتكلم ) أي حال تخيلها له ( قوله استشعر أصله ) أي أصل ما حصل منه من الكلام وإن لم يعرف عينه فهذا يدل على أنه لا يلزم من الاستشعار بالشيء عقله له بعينه ( قوله كالنائم ) أي فإنه إذا أفاق من نومه يخبر عما خيل له في نومه ولا يعرف عينه ( قوله التفات لسانه ) أي دعواه التفات لسانه .

وحاصله أن من كان اسم زوجته طارق فناداها وقال لها : يا طالق وادعى أنه أراد أن يقول يا طارق فالتفت لسانه والتوى عن مقصوده فإنه يصدق في الفتوى لا في القضاء ، وتغيير المصنف الأسلوب يشعر بذلك إذ لو كان موافقا لما قبله في الحكم وهو التصديق في الفتوى والقضاء لقال كمن قال لمن اسمها طارق يا طالق مدعيا التفات لسانه وحذف قوله وقبل منه في طارق إلخ . فلو أسقط حرف النداء مع إبدال الراء لاما وادعى التفات لسانه لم يقبل منه فيما يظهر لا في الفتوى ولا في القضاء لحصول شيئين : الإبدال وعدم النداء .

( قوله وكذا في التي بعدها ) أي يقبل منه في الفتوى دون القضاء ( قوله يرجع لهذه أيضا ) أي بناء على أن ضمير التثنية راجع لمن اسمها طارق وعمرة ( قوله أو قال يا حفصة ) عطف على سبق لسانه فهو واقع في حيز النفي أي لا يلزم الطلاق إن سبق لسانه ، ولا إن قال : يا حفصة فأجابته عمرة فأوقع الطلاق عليها أي أنه لا تطلق المجيبة له وهي عمرة في الفتوى بدليل [ ص: 367 ] ما بعده فقوله فالمدعوة ليس بيانا لما دل عليه العطف بل هو جواب شرط مقدر أي وإذا لم تطلق عمرة فتطلق المدعوة وهي حفصة في الفتوى ( قوله يريد طلاقها ) أي حال كونه مريدا لطلاقها ( قوله أي حفصة وعمرة ) فحفصة تطلق بقصده وعمرة بلفظه ( قوله ويحتمل طارق ) أي في المسألة الأولى وعمرة في المسألة الثانية وإذا طلقت عمرة وهي المجيبة في القضاء فأولى حفصة المدعوة ( قوله وأتم فائدة ) عطف علة على معلول ( قوله فالمراد القضاء ) أي وحينئذ فقول المصنف مع البينة معناه مع الرفع للقاضي كان هناك بينة تشد على ألفاظه عند إنكاره أو لا بأن أقر بذلك




الخدمات العلمية