( 8764 ) فصل : وإذا جاز سواء تساويا في العوض أو اختلفا فيه ، وسواء اتفق نصيباهما فيه أو اختلف ، وسواء كان في عقد واحد أو عقدين . وبهذا قال كان العبد لرجلين فكاتباه معا ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يتفاضلا في المال مع التساوي في الملك ولأن التساوي في المال منع التفاضل في الملك ; لأن ذلك يؤدي إلى أن ينتفع أحدهما بمال الآخر لأنه إذا دفع إلى أحدهما أكثر من قدر ملكه ثم عجز ، رجع عليه الآخر بذلك . ولنا أن كل واحد منهما يعقد على نصيبه عقد معاوضة فجاز أن يختلفا في العوض كالبيع . الشافعي
وما ذكروه لا يلزم ; لأن انتفاع أحدهما بمال الآخر إنما يكون عند العجز ، وليس ذلك من مقتضيات العقد ، وإنما يكون عند زواله فلا يضر ; ولأنه إنما يؤدي إليهما على التساوي ، وإذا عجز قسم ما كسبه بينهما على قدر الملكين ، فلم يكن أحدهما منتفعا إلا بما يقابل ملكه ، وعاد الأمر بعد زوال الكتابة إلى حكم الرق كأنه لم يزل .
فإن قيل : فالتساوي في الملك يقتضي التساوي في أدائه إليهما ، ويلزم منه وفاء كتابة أحدهما قبل الآخر ، فيعتق نصيبه ويسري إلى نصيب صاحبه ويرجع عليه الآخر بنصف قيمته ، قلنا : يمكن أداء كتابته إليهما دفعة واحدة فيعتق عليهما ، ويمكن أن يكاتب أحدهما على مائة في نجمين ، في كل نجم خمسون ، ويكاتب الآخر على مائتين في نجمين ، في النجم الأول خمسون ، وفي الثاني مائة وخمسون ، ويكون وقتهما واحدا فيؤدي إلى كل واحد منهما حقه ، على أن أصحابنا قالوا : لا يسري العتق إلى نصيب الآخر مادام مكاتبا ، فعلى هذا القول لا يفضي إلى ما ذكروه ، على أنه وإن قدر إفضاؤه إليه فلا مانع فيه من صحة الكتابة ، فإنه لا يخل بمقصود الكتابة - وهو العتق بها ،
ويمكن وجود سراية العتق من غير ضرر بأن يكاتبه على مثلي قيمته ، فإذا عتق عليه غرم لشريكه نصف قيمته وسلم له باقي المال ، وحصل له ولاء العبد ولا ضرر في هذا ، ثم لو كان فيه ضرر لكن قد رضي به حين كتابته على أقل مما كاتبه به شريكه ، والضرر المرضي به من جهة المضرور لا عبرة به ، كما لو باشره بالعتق أو أبرأه من مال الكتابة ، فإنه يعتق عليه ويسري عتقه ويغرم لشريكه وهو جائز ، فهذا أولى بالجواز .
ولا يجوز أن يختلفا في التنجيم ولا في أن يكون لأحدهما في النجوم قبل النجم الأخير أكثر من الآخر في أحد الوجهين ; لأنه لا يجوز أن يؤدي إليهما إلا على السواء ، ولا يجوز تقديم أحدهما بالأداء على الآخر ، واختلافهما في ميقات النجوم وقدر المؤدى فيهما يفضي إلى ذلك .
والثاني يجوز ; لأنه يمكن أن يعجل لمن تأخر نجمه قبل محله ، ويعطي من قل نجمه أكثر من الواجب له ، ويمكن أن يأذن له أحدهما في الدفع إلى الآخر قبله أو أكثر منه ، ويمكن أن ينظره من حل نجمه ، أو يرضى من [ ص: 370 ] له الكثير بأخذ دون حقه ، وإذا أمكن إفضاء العقد إلى مقصوده فلا نبطله باحتمال عدم الإفضاء إليه .