( فصل )
في صدقة التطوع ، وهي المرادة عند الإطلاق غالبا ( ) مؤكدة للآيات والأحاديث الكثيرة الشهيرة فيها منها الخبر الصحيح { صدقة التطوع سنة كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس } وقد تحرم كأن علم كذا وكذا إن ظن فيما يظهر من الآخذ أنه يصرفها في معصية لا يقال : تجب للمضطر لتصريحهم بأنه لا يجب البذل له إلا بثمنه ولو في الذمة لمن لا شيء معه نعم من لا يتأهل للالتزام يمكن جريان ذلك فيه حيث لم ينو الرجوع [ ص: 177 ] وسيأتي في السير أنه يلزم المياسير على الكفاية نحو إطعام المحتاجين ( وتحل لغني ) للخبر الصحيح به ويكره له ، وإن لم يكفه ماله ، أو كسبه إلا يوما وليلة ، ويظهر أخذا مما مر آنفا أنه لا عبرة بكسب حرام ، أو غير لائق به أخذها ، والتعرض له إن لم يظهر الفاقة ، أو يسأل وإلا حرم عليه قبولها ، واستثنى في الإحياء من تحريم سؤال القادر على الكسب ما إذا كان مستغرق الوقت في طلب العلم ، وفيه أيضا سؤال الغني حرام بأن يحتاجون إليها ، وهل له سؤال ما يحتاج إليه بعد يوم وليلة ؟ . ينظر إن كان السؤال متيسرا عند نفاد ذلك لم يجز ، وإلا جاز أن يطلب ما يحتاج إليه لسنة . ا هـ . وجد ما يكفيه هو وممونه يومهم وليلتهم وسترتهم وآنية
ونازع الأذرعي في التحديد بالسنة وبحث جواز طلب ما يحتاج إليه إلى وقت يعلم عادة تيسر السؤال والإعطاء فيه لا يحرم على من علم غنى سائل ، أو مظهر للفاقة الدفع إليه فيما يظهر خلافا للأذرعي ؛ لأن الحرمة إنما هي لتغريره بإظهار الفاقة من لا يعطيه لو علم غناه فمن علمه ، وأعطاه لم يحصل له تغرير ، ثم رأيت بعضهم [ ص: 178 ] رد عليه بتصريح شرح بعدم الحرمة ، وظاهر أن سؤال ما اعتيد سؤاله بين الأصدقاء ، ونحوهم مما لا يشك في رضا باذله ، وإن علم غنى آخذه كقلم ، وسواك لا حرمة فيه لاعتياد المسامحة به ، ومن أعطي لوصف يظن به كفقر ، أو صلاح ، أو نسب بأن توفرت القرائن أنه إنما أعطي بهذا القصد ، أو صرح له المعطي بذلك ، وهو باطنا بخلافه حرم عليه الأخذ مطلقا ، ومثله ما لو كان به وصف باطنا لو اطلع عليه المعطي لم يعطه ، ويجري ذلك في الهدية أيضا على الأوجه ، ومثلها سائر عقود التبرع فيما يظهر كهبة ووصية ووقف ونذر وبحث مسلم الأذرعي ندب إلا إن حصل للمعطي نحو تأذ ، أو قطع رحم ، وقد يعارضه الخبر الصحيح { التنزه للفقير عن قبول صدقة التطوع } إلا أن يجاب بحمل البحث على ما إذا كان في الأخذ نحو شك في الحل ، أو هتك للمروءة ، أو دناءة في التناول ، وفي شرح ما أتاك من هذا المال ، وأنت غير مستشرف ولا سائل فخذه وغيره متى أذل نفسه ، أو ألح في السؤال ، أو آذى المسئول حرم اتفاقا أي : وإن كان محتاجا كما أفتى به مسلم وفي الإحياء متى ابن الصلاح فهو حرام إجماعا ، ويلزمه رده . ا هـ ، وحيث حرم الأخذ لم يملك ما أخذه ؛ لأن مالكه لم يرض ببذله له [ ص: 179 ] وذهب أخذ من جوزنا له المسألة عالما بأن باعث المعطي الحياء منه ، أو من الحاضرين ولولاه لما أعطاه الحليمي إلى حرمة السؤال بالله تعالى إن أدى إلى تضجر ، ولم يأمن أن يرده وإلى أن رد السائل صغيرة ما لم ينهره ، وإلا فكبيرة .
ا هـ ، ويحمل الأول على ما إذا آذى بذلك المسئول إيذاء لا يحتمل عادة ، والثاني على نحو مضطر مع العلم بحاله ، وإلا فعموم ما قاله غريب ، وقد أطلقوا أنه يكره سؤال مخلوق بوجه الله لخبر أبي داود { } وقضيته أن السؤال بالله من غير ذكر الوجه لا كراهة فيه ، وفيه نظر إذ الوجه بمعنى الذات فتساويا إلا أن يقال : إن ذكر الوجه فيه من الفخامة ما يناسب أن لا يسأل به إلا الجنة بخلاف ما إذا حذف ، ويظهر أن سؤال المخلوق بوجه الله ما يؤدي إلى الجنة كتعليم خبر لا يكره ، وأن سؤال الله بوجهه ما يتعلق بالدنيا يكره كما دل عليه الحديث ، وقد بسطت الكلام على ذلك في شرح المشكاة لا يسأل بوجه الله إلا الجنة