مسألة : في الغضب
في " الموطأ " : " . وقال عليه السلام : " جاء رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : علمني كلمات أعيش بهن ، ولا تكثر علي فأنسى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تغضب " ، قال ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب الباجي : جمع له عليه السلام جوامع الخير في قوله : " " ، فإن الغضب يدخل عليه الآثام ، وعلى الناس في معاداته ، وتفوت عليه مصالح دنياه ، وأخراه ، ومعنى " لا تغضب " : لا تمض ما يبعثك عليه غضبك ، فالمنهي عنه آثار الغضب لا الغضب ; لأنه يهجم على النفس قهرا عند أسبابه ، ويتفاضل الناس أيضا في مدافعة الغضب عن أنفسهم ، فبسبب المدافعة لا يغضب من السبب الحقير ، وهذا في أسباب الدنيا ، وأما في القيام بالحق فقد يجب الغضب في الجهاد ، وأهل العناد بالباطل [ ص: 335 ] وغيره ، وقد يكون مندوبا إذا علمت أنه يبعث على الخير ، ويحث على ترك الشرور ممن يعلم ذلك منك ، لا تغضب " . ويحتمل أن يكون هذا السائل في الحديث الأول علم منه كثرة الغضب فخصه عليه السلام بالوصية على ترك الغضب ، والصرعة الذي يكثر منه أن يصرع الناس ، كالهزأة ، والضحكة ، والنومة ، وقوله عليه السلام : " فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل ، فغضب حتى احمرت وجنتاه ، وقال : " ما لك ولها " . لم يرد نفي الشدة عنه ، فإنه بالضرورة شديد ، بل أراد نفي الشدة التامة أو الشدة النافعة ، فإن الذي يملك نفسه عند الغضب هو أعظم شدة ، وانفتح نفعا عظيما ، كما قال عليه السلام : " ليس الشديد بالصرعة يوسف " ، لم يرد نفي الكرم عن غيره ، بل أراد إثبات مزية له في الكرم منفية عن غيره . إنما الكريم