الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في الجناية على الرقيق : قد سبق أن الواجب بقتل الرقيق قيمته بالغة ما بلغت ، يستوي فيه القن والمدبر والمكاتب وأم الولد ، وأما الجناية عليه فيما دون النفس ، فينظر ، إن كانت مما يوجب في الحر بدلا مقدرا ، كالموضحة وقطع الأطراف ؛ فقولان : أظهرهما : أن الواجب فيها جزء من القيمة ، نسبته إلى القيمة كنسبة الواجب في [ ص: 312 ] الحر إلى الدية ، والثاني : الواجب ما نقص من قيمته ، ومن الأصحاب من أنكر القول الثاني وقطع بالأول . والجمهور على إثباتهما ، ثم منهم من يقول : الأول منصوص ، والثاني خرجه ابن سريج من قوله : لا تحمل العاقلة عبدا ؛ فإنه جعله كالبهيمة ، ومنهم من يقول : هما منصوصان ؛ الأول جديد ، والثاني قديم ، وإن كانت الجناية لا توجب مقدرا في الحر ، فواجبها في العبد ما نقص من القيمة بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        إذا عرف هذا فعلى الأظهر في يد العبد نصف قيمته ، وفي يديه قيمته ، وفي أصبعه عشرها ، وفي أنملته ثلث عشرها ، وفي موضحته نصف عشرها ، وعلى هذا القياس .

                                                                                                                                                                        ولو قطع ذكره وأنثييه ؛ فعليه قيمتان ، وعلى القول الآخر الواجب فيها كلها ما نقص ، فإن لم تنقص القيمة بقطع الذكر والأنثيين ، أو زادت ؛ فوجهان : أصحهما : لا يجب شيء .

                                                                                                                                                                        والثاني : تجب حكومة يقدرها الحاكم بالاجتهاد ، أو يعتبر بما قبل الاندمال ، كالوجهين فيما إذا اندملت الجراحة ولم يبق شين ولا أثر ، ومنهم من قطع بالوجه الأول ، ولو قطع يد عبد قيمته ألف ، فعادت إلى مائتين ؛ فعلى الأظهر يجب خمسمائة ، وعلى القديم ثمانمائة ، ولو عادت إلى ثمانمائة وجب على الأظهر خمسمائة ، وعلى القديم مائتان .

                                                                                                                                                                        ولو جنى على العبد اثنان ، فقطع أحدهما يده ، والآخر يده الأخرى ، نظر ، إن وقعت الجنايتان معا ، فعليهما قيمته ، وإن تعاقبتا وكانت القيمة عند قطع الثاني ناقصة بسبب القطع الأول ، فإن مات منهما ، ففي الواجب عليهما أوجه سبقت في كتاب الصيد والذبائح . وإن وقف القطعان ، نظر ؛ إن كان قطع الثاني بعد اندمال الأول ، لزم كل واحد منهما نصف قيمته قبل جنايته ؛ فإن كانت قيمته ألفا ، فصارت بالقطع الأول ثمانمائة ، وبالثاني ستمائة ، لزم الأول خمسمائة ، والثاني أربعمائة . وإن قطع الثاني قبل الاندمال الأول ، لزم الثاني نصف ما أوجبنا [ ص: 213 ] على الأول وهو مائتان وخمسون ، لأن الجناية الأولى لم تستقر وقد أوجبنا نصف القيمة ؛ فكأنه انتقص نصف القيمة ، فلو قطع الواحد يدي العبد ولم يسر ؛ فالحكم كما لو قطعه اثنان ، هذا كله تفريع على الأظهر .

                                                                                                                                                                        وعلى الثاني يلزم كل قاطع ما نقص بجنايته . وإذا قطعت أطراف عبد ، ثم حز رقبته ، لزمه قيمة العبد ذاهب الأطراف ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية