الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السابعة : إذا اصطدم سفينتان ، وغرقتا بما فيهما ؛ فإما أن [ ص: 336 ] يحصل الاصطدام بفعلهما ، وإما لا ؛ فهما حالان .

                                                                                                                                                                        الأول بفعلهما ؛ فينظر إن كانت السفينتان وما فيهما ملكا للملاحين المجريين لهما ؛ فنصف قيمة كل سفينة وما فيهما مهدر ، ونصف قيمتها ونصف قيمة ما فيها على صاحب الأخرى ؛ فإن هلك الملاحان أيضا ؛ فهما كالفارسين يموتان بالاصطدام .

                                                                                                                                                                        وإن كانت السفينتان لهما وحملا الأموال والأنفس تبرعا أو بأجرة ، نظر إن تعمدا الاصطدام بما يعده أهل الخبرة مفضيا إلى الهلاك ؛ تعلق بفعلهما القصاص حتى إذا كان في كل سفينة عشرة أنفس مثلا يقرع بينهم لموتهم معا ؛ فمن خرجت قرعته ، قتل به الملاحان . وفي مال كل واحد منهما نصف ديات الباقين ؛ فيكون على كل واحد تسع ديات ونصف مع القصاص ، وفي مال كل واحد من الكفارات بعدد من في السفينتين من الأحرار والعبيد ، وعلى كل واحد منهما نصف قيمة ما في السفينتين لا يهدر منه شيء ، ونصف قيمة سفينة صاحبه ، ويهدر نصفها ، ويجري التقاص في القدر الذي يشتركان فيه .

                                                                                                                                                                        وإن تعمدا الاصطدام بما لا يفضي إلى الهلاك غالبا وقد يفضي إليه ؛ فهو شبه عمد ، والحكم كما ذكرنا ؛ إلا أنه لا يتعلق به قصاص ، وتكون الدية على العاقلة مغلظة ، وإن لم يتعمدا الاصطدام بل ظنا أنهما يجريان على الريح ؛ فأخطأ أو لم يعلم واحد منهما أن بقرب سفينته سفينة الآخر ؛ فالدية على العاقلة .

                                                                                                                                                                        وإن كانت السفينتان لغير الملاحين ، وكانا أجيرين للمالك ، أو أمينين ، لم يسقط شيء من ضمان السفينتين بل على كل واحد منهما نصف قيمة كل سفينة ، وكل واحد من المالكين مخير بين أن يأخذ جميع قيمة سفينته من أمينه ، ثم هو يرجع بنصفها على أمين الآخر ، وبين أن يأخذ نصفها منه ونصفها من أمين الآخر .

                                                                                                                                                                        وإن كان المجريان عبدين ؛ فالضمان يتعلق برقبتهما .

                                                                                                                                                                        [ ص: 337 ] الحال الثاني : أن يحصل الاصطدام لا بفعلهما ؛ فإن وجد منهما تقصير بأن توانيا في الضبط ؛ فلم يعدلاهما عن صوب الاصطدام مع إمكانه ، أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن ، أو لم يكملا عدتهما من الرجال والآلات ، وجب الضمان على ما ذكرنا .

                                                                                                                                                                        وإن لم يوجد منهما تقصير ، وحصل الهلاك بغلبة الرياح وهيجان الأمواج ؛ ففي وجوب الضمان قولان ؛ أحدهما : نعم كالفارسين إذا غلبتهما دابتاهما ؛ وأصحهما : لا ؛ لعدم تقصيرهما ، كما لو حصل الهلاك بصاعقة بخلاف غلبة الدابة ؛ فإن ضبطها ممكن باللجام .

                                                                                                                                                                        وقيل : القولان إذا لم يكن منهما فعل ؛ بأن كانت السفينة مربوطة بالشط أو مرساة في موضع ؛ فهاجت ريح فسيرتها فأما إذا سيراهما ، ثم غلبت الريح ، وعجزا عن ضبطهما ؛ فيجب الضمان قطعا . والمذهب طرد القولين في الحالين ؛ فإن قلنا : يجب الضمان ؛ فهو كما لو فرطا ، ولكن لم يقصدا الاصطدام . وإن قلنا بالأظهر : لم يجب ضمان الأحرار ، ولا ضمان الودائع والأمانات فيهما ولا ضمان الأموال المحمولة بالأجرة إن كان مالكها أو عبده معها يحفظها .

                                                                                                                                                                        وإن استقل المجريان باليد ؛ فعلى القولين في أن يد الأجير المشترك هل هي يد ضمان ؟ وإن كان فيهما عبيد ؛ فإن كانوا أعوانا أو حفاظا للمال لم يجب ضمانهم ؛ وإلا فهم كسائر الأموال ، وعلى هذا لو اختلف صاحب المال والملاحان ؛ فقال صاحب المال : كان الاصطدام بفعلكما ، وقالا : بل بغلبة الريح ، صدقا بيمينهما ؛ ومتى كان أحدهما مفرطا أو عامدا دون الآخر ؛ خص كل واحد منهما بالحكم الذي يقتضيه حاله على ما ذكرنا ، ولو صدمت سفينة السفينة المربوطة بالشط فكسرتها ؛ فالضمان على مجري السفينة الصادمة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا خرق واحد سفينة ؛ فغرق ما فيها من نفس ومال ؛ وجب ضمانه ، [ ص: 338 ] ثم إن تعمد الخرق بما يفضي إلى الهلاك غالبا كالخرق الواسع الذي لا مدفع ، وجب القصاص والدية المغلظة في ماله .

                                                                                                                                                                        وإن تعمده بما لا يحصل به الهلاك غالبا ؛ فهو شبه عمد ، وكذا لو قصد إصلاح السفينة ؛ فنفذت الآلة في موضع الإصلاح فغرقت به السفينة ، وإن أصابت الآلة غير موضع الإصلاح ، أو سقط من يده حجر ، أو غيره ؛ فخرقت السفينة فهو خطأ محض .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو كانت السفينة مثقلة بتسعة أعدال ، فوضع آخر فيها عدلا آخر عدوانا ؛ فغرقت ؛ فهل يغرم جميع الأعدال التسعة أم بعضها ؟ وجهان : أحدهما : جميعها ؛ لأن الهلاك ترتب على فعله ؛ وأصحهما : البعض ، وفيه وجهان ؛ أحدهما : النصف ، والثاني : قسطه إذا وزع على جميع الأعدال ، وهو كالخلاف في الجلاد إذا زاد على الحد المشروع ، وله نظائر متقدمة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية