الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        لا فرق في الموضحة بين الصغيرة والكبيرة ، والبارزة والمستورة بالشعر ، والتي يتولد منها شين فاحش والتي لا يتولد ، فلا يجب في الجميع إلا خمس من الإبل ؛ فإن تعددت الموضحة ، تعدد الأرش ، وتعددها يكون بأسباب :

                                                                                                                                                                        الأول : اختلاف الصورة ، بأن أوضحه في موضعين من رأسه ، وبقي اللحم والجلد بينهما ؛ فيجب أرشان ، سواء رفع الحديدة عن موضحة [ ص: 267 ] ثم وضعها على موضع آخر فأوضحه ، أو جرها على الرأس من موضع الإيضاح إلى أن تحامل عليها في موضع آخر فأوضحه ، وبقي اللحم والجلد بينهما سليمين .

                                                                                                                                                                        وحكى الإمام في الصورة الثانية وجها ضعيفا أن الحاصل موضحة واحدة لاتحاد الفعل ، ولو كثرت الموضحات ، تعدد الأرش بحسبها ولا ضبط . وقيل : إذا كثرت وصارت بحيث لو أوجبنا لكل موضحة خمسا من الإبل ، لزاد المبلغ على دية نفس ، لم يوجب أكثر من دية نفس ؛ والصحيح الأول ، ولو لم يبق الحاجز بين موضعي الإيضاح بكماله ، بل بقي جلد دون اللحم أو عكسه ، فأربعة أوجه :

                                                                                                                                                                        أصحها : أن الحاصل موضحة ، والثاني : موضحتان ، والثالث : إن بقي الجلد ، فموضحة ، وإن بقي اللحم ، فموضحتان ، والرابع : عكسه .

                                                                                                                                                                        فعلى الأول ، لو أوضح في موضعين ثم أوغل الحديدة ، ونفذها من إحداهما إلى الأخرى في الداخل ثم سلها ، فهل يتحدان ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        ولو عاد الجاني ، فرفع الحاجز بين موضحتيه قبل الاندمال ، فالصحيح أنه لا يلزمه إلا أرش واحد ، وقيل : أرشان ، وقيل : ثلاثة ، ولو تآكل الحاجز بينهما ، كان كما لو رفعه الجاني ؛ لأن الحاصل بسراية فعله منسوب إليه ، ولو رفع الجلد أو اللحم ، أو تآكل أحدهما دون الآخر ، ففيه الأوجه الأربعة .

                                                                                                                                                                        ولو رفع الحاجز غير الجاني ؛ فعليه أرش موضحة ، وعلى الأول : أرشان ، ولو رفعه المجني عليه ، ففعله هدر ، ولا يسقط به شيء مما وجب على الجاني ، ولو أوضحه رجلان ، فتآكل الحاجز بين موضحتيهما ، عادتا إلى واحدة ؛ فعلى كل واحد نصف الأرش ، ولو اشتركا في موضحتين ، ثم رفع أحدهما الحاجز بينهما ؛ فعلى الرافع نصف أرش وعلى الآخر أرش كامل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        شجه شجة ، بعضها موضحة ، وبعضها متلاحمة ، أو سمحاق ، [ ص: 268 ] فالواجب في الجميع أرش موضحة ويدخل فيها حكومة المتلاحمة والسمحاق ؛ لأنها لو كانت كلها موضحة لم يجب إلا أرش ؛ فهنا أولى ، فلو اقتص فيما فيها من الموضحة ، فهل له الحكومة لما حولها من المتلاحمة والسمحاق ؟ قال البغوي : يحتمل أن يكون فيه وجهان ، كما لو قطع يده من نصف الكف ، فاقتص من الأصابع ، هل له حكومة نصف الكف ؟ وجهان :

                                                                                                                                                                        السبب الثاني : اختلاف المحل ؛ فلو نزل في الإيضاح من الرأس إلى الجبهة إما لشمول الإيضاح ، وإما بأن أوضح شيئا من الرأس وشيئا من الوجه ، وجرح بينهما جراحة دون الموضحة ؛ فوجهان ، أحدهما : الحاصل موضحة ، لأن الجبهة والرأس محل الإيضاح ، وأصحهما : موضحتان لاختلاف المحل .

                                                                                                                                                                        ولو شملت الموضحة الجبهة والوجنة ، قال الإمام : في التعدد تردد ، والمذهب الاتحاد تنزيلا لأجزاء الوجه منزلة أجزاء الرأس ، ولو جر السكين من موضحة الرأس إلى القفا ، وجرح القفا مع إيضاحه أو بغير إيضاحه ، لزمه مع أرش الموضحة حكومة لجرح القفا ؛ لأنه ليس محل الإيضاح ، فلم تدخل حكومته في الأرش ، ولو جر السكين من موضحة الرأس إلى الجبهة ، وجرحها جراحة متلاحمة ، فإن قلنا : لو أوضح في الجبهة أيضا ، كان الحاصل موضحة ، دخلت حكومة جراحة الجبهة في أرش الموضحة ، وإن قلنا : الحاصل موضحتان ، وجب مع الأرش حكومة .

                                                                                                                                                                        السبب الثالث : تعدد الفاعل ، بأن أوضح رجلا ، فوسع آخر تلك الموضحة ، أو أوضح قطعة متصلة بموضحة الأول ؛ فعلى كل واحد منهما أرش كامل ، ولو وسع الأول موضحته ، لزمه أرش واحد على الصحيح ، وقيل : أرشان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 269 ] السبب الرابع : اختلاف الحكم ، بأن أوضحه موضحة واحدة هو في بعضها مخطئ ، وفي بعضها متعمد ، أو في بعضها مقتص وفي بعضها متعد ، فهل الحاصل موضحة لاتحاد الصورة والجاني والمحل ، أم موضحتان لاختلافهما ؟ وجهان ، أصحهما : موضحتان ؛ فإن قلنا : موضحة ، وزع الأرش على البعضين ، وإن قلنا : موضحتان ، وجب أرش كامل لما تعدى به ، ولو أوضح موضحتين عمدا ورفع الحاجز بينهما خطأ ، وقلنا بالصحيح : أنه لو رفعه عمدا تداخل الأرشان ، فهل يلزمه أرش ثالث أم لا يلزمه إلا أرش واحد ؟ وجهان : أرجحهما : أرش فقط . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يتعدد أرش الجائفة بتعددها ، فلو أجاف جائفتين ، ثم رفع الحاجز بينهما ، أو تآكل ما بينهما ، أو رفعه غير الجاني ؛ فعلى ما ذكرناه في الموضحة .

                                                                                                                                                                        وتتعدد الجائفة بتعدد الصورة ؛ بأن يجرحه جراحتين نافذتين إلى الجوف ؛ فإن بقي بينهما الجلدة الظاهرة ، أو انخرق ما تحتها ، أو بالعكس ، فيشبه أن يكون حكمه كما ذكرنا في الموضحة ، وتتعدد بتعدد المحل ، بأن ينفذ جراحتين إلى جوفين ويتعدد الفاعل ، بأن يوسع جائفة غيره ، وفصله الأصحاب فقالوا : إن أدخل السكين في جائفة غيره ولم يقطع شيئا ، فلا ضمان عليه ويعزر ، وإن قطع شيئا من الظاهر دون الباطن أو بالعكس ؛ فعليه حكومة ، وإن قطع شيئا من الظاهر ومن جانب بعض الباطن ، قال المتولي : ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويسقط أرش الجائفة على المقطوع من الجائفتين ، وقد يقتضي التقسيط تمام الأرش ، بأن يقطع نصف الظاهر من جانب ، ونصف الباطن من جانب ، ولو لم يقطع من أطراف الجائفة شيئا ، ولكن زاد في غورها ، أو كان قد ظهر عضو [ ص: 270 ] باطن ، كالكبد ، فغرز السكين فيه ؛ فعليه الحكومة ، ولو عاد الجاني فوسع الجائفة ، أو زاد في غورها ، لم يزد الواجب وكان كما لو أجاف ابتداء كذلك . ويمكن أن يعود فيه الوجه السابق في توسيع الموضحة ، ويجيء في اختلاف حكم الجائفة وانقسامها إلى عمد وخطأ ما سبق في الموضحة ، ولو ضربه بسنان ، أو مشقص له رأسان ، فنفذ إلى جوفه والحاجز بينهما سليم ؛ فهما جائفتان ، ولو طعنه بسنان في بطنه ، فأنفذه من ظهره ، أو من أحد الجنبين إلى الآخر ، فهل هما جائفتان أم جائفة ؟ وجهان ، ويقال : قولان ، أصحهما : جائفتان ، فإن قلنا : جائفة ، وجب معها حكومة على الأصح ، وقيل : لا حكومة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية