الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 263 ] الباب الثاني في دية ما دون النفس

                                                                                                                                                                        هي ثلاثة أقسام : جرح ، وإبانة طرف ، وإزالة منفعة .

                                                                                                                                                                        القسم الأول : الجروح ، وهي نوعان ، جائفة وغيرها ، الأول : غير الجائفة ، وهي ضربان : جراحات الرأس والوجه ، وجراحات سائر البدن .

                                                                                                                                                                        الضرب الأول : جراحات الرأس والوجه ، ففي الموضحة : خمس من الإبل ، سواء كانت على الهامة والناصية أو القذال ، وهو جماع مؤخر الرأس ، أو الخشاء ، وهي العظم الذي خلف الأذن ، أو منحدر القمحدوة إلى الرقبة ، وهي ما خلف الرأس ، وذكر في العظم الواصل بين عمود الرقبة وكرة الرأس وجه أنه ليس محلا للموضحة ، كالرقبة ، ويشبه أن تكون هي المنحدر المذكور ، أو تكون منه .

                                                                                                                                                                        وأما الوجه ، فالجبهة منه والجبينان ، والخدان ، وقصبة الأنف ، واللحيان ، كلها محل الإيضاح ، سواء المقبل من اللحيين الذي تقع به المواجهة ، وما تحت المقبل خارجا عن حد المغسول في الوضوء ؛ لأن اسم الموضحة يشمل جميعها ؛ وإنما يجب في الموضحة خمس من الإبل في حق من تجب الدية الكاملة بقتله ، وهو الحر المسلم الذكر ، وهذا المبلغ نصف عشر ديته ؛ فتراعى هذه النسبة في حق غيره .

                                                                                                                                                                        فتجب في موضحة اليهودي نصف عشر ديته ، وهو بعير وثلثان ، وفي موضحة المرأة بعيران ونصف ، وفي موضحة المجوسي ثلثا بعير .

                                                                                                                                                                        وعن الإصطخري وأبي محمد الفارسي أن في موضحة الوجه أكثر الأمرين من خمس من الإبل والحكومة ، وهذا شاذ مردود ولا تفريع عليه .

                                                                                                                                                                        [ ص: 264 ] فرع

                                                                                                                                                                        إذا هشم العظم مع الإيضاح ، وجب عشر من الإبل ، وإن نقل مع ذلك وجب خمسة عشر بعيرا ، وحكى السرخسي قولا قديما أن في الهاشمة خمسا من الإبل وحكومة ، وليس بشيء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في المأمومة ثلث الدية ، وفي الدامغة أيضا ثلث الدية على الصحيح المنصوص ، وقال الماوردي : ثلث الدية وحكومة ، وحكى الفوراني وجماعة أن فيها الدية بكمالها ، لأنها تذفف ؛ وبهذا قال الإمام ، وكأن الأولين يمنعون تذفيفها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هشم العظم ولم يوضح ، وجب خمس من الإبل على الأصح المنصوص ، وقال ابن أبي هريرة : تجب حكومة ككسر سائر العظام ، ولو نقل العظم من غير إيضاح ، فهل يجب عشر من الإبل أم حكومة ؟ فيه هذان الوجهان ، وفي " الرقم " وغيره أن موضع الوجهين ما إذا لم يحوج الهشم إلى بط وشق لإخراج العظم أو تقويمه ، فإن أحوج إليه ، فالذي أتى به هاشمة تجب فيها عشر من الإبل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أوضح واحد ، وهشم آخر ، ونقل ثالث ، وأم رابع ؛ فعلى الأول القصاص ، أو خمس من الإبل ، وعلى الثاني خمس ، وعلى الثالث خمس ، وعلى الرابع ما بين المنقلة والمأمومة ، وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير ، وقيل : يجب على الجميع ثلث الدية أرباعا ، والصحيح الأول ؛ فلو خرق [ ص: 265 ] خامس خريطة الدماغ ؛ ففي " التهذيب " أن عليه تمام دية النفس ، كمن حز رقبة إنسان بعدما قطعت أطرافه ، وهذا على طريقة من قال : الدامغة مذففة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ما قبل الموضحة من الشجاج كالدامية والحارصة والباضعة والمتلاحمة ليس فيها أرش مقدر وفي واجبها وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : الحكومة ، ولا يبلغ بحكومتها أرش موضحة ، والثاني وبه قال الأكثرون : إن لم يمكن معرفة قدرها من الموضحة فكذلك ، وإن أمكن بأن كان على رأسه موضحة إذا قيس بها الباضعة مثلا ، عرف أن المقطوع ثلث أو نصف في عمق اللحم وجب قسطه من أرش الموضحة ؛ فإن شككنا في قدرها من الموضحة ، أوجبنا التعين ، قال الأصحاب : وتعتبر مع ذلك الحكومة ؛ فيجب أكثر الأمرين من الحكومة ، وما يقتضيه التقسيط ؛ لأنه وجد سبب كل واحد منهما .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : جراحات سائر البدن ؛ فليس في إيضاح عظامه ولا هشمها ولا تنقيلها أرش مقدر النوع .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية