الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثانيا: ماهية الإجهاض وأنواعه

1 - مؤتمر الإسلام وتنظيم الوالدية الذي عقد في الرباط عام 1971م، عرف الإجهاض علميا بأنه: إخراج الحمل من الرحم، بقصد التخلص منه. وأصدر قرارا مفاده: أن جميع فقهاء المسلمين يتفقون على أنه بعد الشهر الرابع يحرم الإجهاض، إلا إذا كانت هـناك ضرورة قصوى. ومع أن هـناك آراء فقهية متعددة في المسألة فإن النظر الصحيح يتجه إلى منعه في أي دور من أدوار الحمل، إلا للضرورة القصوى الناتجة عن استشارة مختص أمين مسلم.

2 - والحق أن التعريف اللغوي الذي يبدأ به عادة في تعريف الأشياء لا يختلف عن المعنى العلمي السابق كثيرا، فقد جاء في القاموس: (جهض: بمعنى أجهضت الناقة؛ ألقت ولدها لغير تمام، وجاء الإجهاض بمعنى الإذلاق، وبمعنى الإزالة، تقول: أجهضته عن مكانه؛ أي: أزلته عنه، وفي الحديث: فأجهضوهم عن أثقالهم يوم أحد؛ أي: نحوهم وأعجلوهم وأزالوهم) [1] .

3 - والإجهاض عند الأطباء لا يختلف كثيرا في المعنى عما سبق ذكره؛ لأنه عندهم يعني: انتهاء الحمل قبل حيوية الجنين، وتقدر هـذه الحيوية بثمانية وعشرين أسبوعا، وهي تساوي سبعة أشهر، يكون فيها الجنين مكتمل الأعضاء، وله القدرة على الحياة. [ ص: 104 ]

وأهل الطب الشرعي يعرفونه بأنه: طرد مكونات الرحم الحامل في أي وقت، قبل نهاية تسعة أشهر.

وواضح أن ماهية الإجهاض عند أهل الطب، وعند أهل العلم الشرعي لا تختلف من حيث الجوهر، أما الفارق الوحيد هـو أن أهل العلم الشرعي يضعون له من حيث الحل والحرمة ضابطا زمنيا، مرتبطا بشروط شرعية، حتى يكتسب حليته؛ سواء قبل الشهور الأربعة من بداية الحمل أو بعده [2]

أنواع الإجهـاض

للإجهاض أقسام ثلاثة، لكل قسم من هـذه الأقسام حكمه الفقهي، وهذه الأقسام هـي:

أ - الإجهاض العفوي

وهذا الذي يتم من دون إرادة من المرأة، أو قصد منها؛ للتخلص مما يركض في أصلابها، ويكون السبب فيه عادة خطأ من المرأة ارتكبته، أو حالة مرضية تعاني منها، وحكم هـذا النوع يدخل تحت ( قول النبي صلى الله عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) . [3]

ب - الإجهاض الاجتماعي

وسمي بهذا الاسم نسبة إلى الدافع عليه، حيث يتوفر فيه القصد والعمدية في إسقاط الجنين من [ ص: 105 ] رحم المرأة، بباعث عدم الإنجاب، أو نحو ذلك، وحكم هـذا النوع الحرمة تحت ظل أي ظرف اجتماعي كان، حتى ولو كان الباعث مغلفا بما يدعو إلى الترقي في مجال التنمية الاقتصادية، طلبا للغنى الفردي والقومي.

جـ - الإجهاض العلاجي

وهو الذي يتم تحت إشراف طبيب مسلم عدل، بغرض ضرورة المحافظة على حياة الأم ووضعها الصحي، من جراء خطر أحدق بها، ثمرة لحمل شرعي، ويدخل في هـذا النوع الإجهاض الذي يكون بالجناية على الأم [4] ، ويعبر الحنفية عن هـذه الجناية بمسمى: جناية على ما هـو نفس من جهة دون جهة؛ لأن الجنين يعتبر نفسا من وجه، ولا يعتبر كذلك من وجه آخر. فيعتبر نفسا من وجه؛ لأنه آدمي، ولا يعتبر كذلك؛ لأنه لم ينفصل عن أمه.

وعلة ذلك عند الحنفية أن الجنين ما دام مختبئا في بطن أمه فليس له ذمة صالحة أو كاملة، ولا يعتبر أهلا لوجوب الحق عليه؛ لكونه في حكم جزء من الأم، لكنه لما كان منفردا بالحياة، فهو نفس وله ذمة، وباعتبار هـذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من إرث، ونسب، ووصية... إلخ [5] .

وهذا النوع من الإجهاض هـو الذي تكلم الفقهاء عن حكمه, كما يلى بيانه: [ ص: 106 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية