الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ثانيا: المساواة والشريعة الإسلامية

أ - الزعم السابق في الوثيقة - محل البحث - جوهره أن الإسلام لم ينصف المرأة، ولم يسو بينها وبين الرجل في بعض الحقوق.. مع أن الحق غير ذلك تماما، حيث رفع القرآن الكريم من شأن المرأة إلى درجة لم تكن تحلم بها من قبل، ولم تصل إليها من بعد في غير فقه الإسلام، ومن أمثلة المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الإسلام، أن جعل لها حقا في المال كالرجل، ومنحها حق التصرف فيه دون رقابة عليها أو ولاية. وجعل إذنها شرطا في صحة زواجها، وجعل لها من حقوق الزوجية مثل ما عليها [1] ، وجعلها ذات مسئولية مستقلة في العبادات، والمدنيات، والجنائيات، وفي الثواب والعقاب عند الله.. فالمرأة في القرآن، لايؤثر عليها وهي صالحة فساد الرجل وطغيانه، ولاينفعها وهى طالحة صلاح الرجل وتقواه، فهي صاحبة مسئولية مستقلة أمام الله [2] . [ ص: 75 ]

بـل إن خطـاب القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم بشأن مبايعته للنساء [3] ، يؤكد وبحق كما يرى الشيخ شلتوت يرحمه الله أن هـذه المبايعة من فروع استقلال النساء في المسئولية، حيث بايعهن الرسول صلى الله عليه وسلم على خصوص وعموم [4] .. وأكثر من هـذا، وهو أنه في كثير من الخطاب القرآني، جمع بين الرجال، والنساء، على السواء، مما يؤكد تمام التسوية بينهما في توجه التكليف [5] .

ب - وفي سيرة المصطفى عليه السلام ، مايؤكد أن المرأة شاركت في الدعوة، وشاركت في الهجرة، وشاركت في الابتلاء، وشاركت في الغزو، وشاركت في العلم، وشاركت في الرواية، وشاركت في الاجتهاد، وشاركت في تأمين الإسلام من الأعداء، بل اعترف الإسلام بدورها، وفضلها في حفظ كيان الجماعة الإسلامية، ووقايتها من أى اضطراب يؤثر على أمنها الداخلي.

فها هـي أمنا أم سلمة رضي الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي يدخل عليها غاضبا بعد صده وأصحابه رضي الله عنهم ، عن المسجد الحرام ، ثم توقيع صلح الحديبية ، الذي كان وقع بعض شروطه على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدا، حيث رأى فيه بعضهم غبنا شديدا. [ ص: 76 ] على المسلمين، وأن قبوله لون من الذلة لا يتفق وعزة الإسلام، وإعطاء الدنية في الدين، ومن هـنا لم يبادروا إلى تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتحلل من إحرامهم.

نعم ( يدخل النبي عليه الصلاة والسلام ، على زوجه أم سلمة صائحا : هـلك المسلمون يا أم سلمة، أمرتهم فلم يمتثلوا! ) (رواه أحمد والبخاري) ، وفي روية وحزم، قالت رضي الله عنها : اعذرهم يا رسول الله، فقد حملت نفسك أمرا عظيما في الصلح، ورجعوا دون فتح، ولاحج. فهم لذلك مكروبون، والرأي : أن تخرج، ولا تلوي على أحد، فتبدأ بما تريد، فإذا رأوك فعلت تبعوك، وعلموا أن الأمر حتم لا هـوادة فيه، وهم مؤمنون بك، محبوك، مضحون فيك.. فانشرح من النبي صلى الله عليه وسلم صدره، واستقر قلبه، واطمأن إلى ما ارتأت ربة الفكر الجيد، والرأي السليم، فقام من فوره إلى هـديه فنحره، ودعا بالحلاق فحلق رأسه، فلم يكد المسلمون يرون النبي صلى الله عليه وسلم يذبح، ويحلق، حتى تواثبوا إلى تنفيذ الأمر، والتأم الشمل، وكان ذلك الرأي فتحا، وأي فتح.

وقد صاغ هـذا الحديث الأستاذ الشيخ شلتوت بقوله: انتظم الشمل، وسار جند الله برأي أمة الله، في سبيل الله، حتى تمت كلمة الله، وأنزل على نبيه: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) (المائدة: 3) . [ ص: 77 ]

أمة بقائدها تأخذ برأي أمة من إماء الله سبحانه، ويراه القرآن فتحا، ثم يأتي بعد ذلك من جف فكره، ومن لا رسالة له في الدنيا، اللهم إلا رسالة مادية محدودة، قوامها الباطل والهوى، ويغمز من شرع الله سبحانه وتعالى ، ويتهمه بالقصور، وعدم الفاعلية.. أليس ذلك من العجب العجاب؟!

التالي السابق


الخدمات العلمية