الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        الحافز في الفكر الاقتصادي عند ابن خلدون

        نختار ابن خلدون لنعرض بعض آرائه التي ترتبط بموضوع الحافز الاقتصادي. سبب اختيار ابن خلدون، أنه يمثل نموذجا لمفكر مسلم عمل على [ ص: 100 ] صياغة الاقتصاد الإسلامي في صياغات اقتصادية متطورة. ولعله يكون من المفيد أن نشير إلى أن تحليل ابن خلدون يعكس الحرية الاقتصادية على النحو الذي يتفق مع الإسلام، وهذا الارتباط بالحرية يجـعل فكره في تلاؤم مع الحافز الاقتصادي.

        1- في معرض كتابة ابن خلدون عن الآثار الاقتصادية السلبية للمكوس، كتب ما يلي:

        فتكسد السوق لفساد الآمال [1]

        وعبارة فساد الآمال مساوية لعبارة ضعف الحافز الاقتصادي.

        2- عند كتابته عن الآثار الاقتصادية السلبية لتدخل الدولة في الأسواق، كتب ما يلي:

        (ويدخل به على الرعايا من العنت والمضايقة وفساد الأرباح ما يقبض آمالهم عن السعي ) [2]

        قبض الآمال عن السعي تترجم إلى ضعف الحافز الاقتصادي.

        3- عند كتـابة ابن خـلدون عـن أن الظـلم مـؤذن بخراب العـمران، كتب ما يلي:

        اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها، لما يرونه حينئذ من أن غايتـها ومصيرها انتهابها من أيديهم، [ ص: 101 ] وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت عن السعي في ذلك. وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيرا عاما في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك، لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها، وإن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته. والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هـو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين، فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم كسدت أسواق العمران، وانتقضت الأحوال، وانذعر الناس في الآفاق، من غير تلك الإيالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها، فخف ساكن القطر، وخلت دياره، وخربت أمصاره، واختل باختلاله حال الدولة والسلطان، لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة [3]

        هذا الذي كتبه ابن خلدون يعتبر من أدق ما قيل عن الحافز الاقتصادي وعن الآثار الاقتصادية المرتبطة به. وابن خلدون لم يقف بالآثار المرتبطة بالحافز عند الآثار الاقتصادية، وإنما مد هـذه الآثار إلى حياة المجتمع كله سياسية واقتصادية وغيرها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية