الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        عالم إسلامي بلا فقر

        الدكتور / رفعت السيد العوضي

        المبحث الثاني: التخصيص الصحيح للموارد الاقتصادية

        تبحث نظرية تخصيص الموارد الاقتصادية في كيفية توزيع الموارد الاقتصادية المتاحة على الأنشطة الاقتصادية. والنظام الرأسمالي -كما هـو معروف- يجعل السوق هـو الذي يقوم بهذا التخصيص.

        أما في الاقتصاد الإسلامي، فإن تخصيص الموارد الاقتصادية يضمن ثلاثة أنواع من التخصيص، هـي:

        (أ ) التخصيص بين القطاع العام والقطاع الخاص.

        (ب ) التخصيص بين الجيل الحالي والأجيال القادمة.

        (ج ) التخصيص في داخل القطاع العام. [ ص: 55 ]

        ويمثل الحمى أحد عناصر القطاع العام، وهو إجراء ينصب على جزء من الأرض من حيث ملكيتها والانتفاع بها. ويعرف حمى الموات بأنه: المنع من إحيائه ليكون مستبقى الإباحة لنبت الكلأ ورعي المواشي [1] وللحمى فقهه الواسع، كما تتعلق به تحليلات اقتصادية متعددة.

        ونشير هـنا إلى بعض ما يتعلق بالحمى، وهو مما يدخل في موضوع علاج الإسلام للفقر والقضاء عليه.

        ومن الأحكام الفقهية المنظمة للحمى:

        - لا يجوز حمى جميع الموات أو أكثره.

        - لا يجوز الحمى لخاص من الناس أو لأغنيائهم.

        - جواز الحمى للفقراء والمساكين ولمصالح كافة المسلمين.

        هذه الأحكام الفقهية لها توظيفها المباشر في حل مشكلة الفقر والقضاء عليها. ومن السياسات الاقتصادية التي تتبعها الدولة لمواجهة مشكلة الفقر استخدام القطاع العام في المجال الزراعي في توفير أنشطة اقتصادية وفي توفير فرص عمل للفقراء.

        ومن أشهر التطبيقات في استغلال الحمى لحل مشكلة الفقر تطبيق " أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقد حمى أرضا بمنطقة اسمها الشرف وعين مسئولا عنها يقال له (هني ) ، ومن التعليمات التي أصدرها إلى [ ص: 56 ] هـذا المسئول: يا هـني ضم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصريمة (الإبل ) ورب الغنيمة، وإياك ونعم ابن عفان (عثمان بن عفان ) وابن عوف (عبد الرحمن بن عوف ) فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة يأتيني بعياله، فيقول: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا؟ فالكلأ أهون علي من الدينار والدرهم " [2]

        هذه السياسة التي اتبعها عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، من الأساليب الإسلامية لمواجهة مشكلة الفقر والقضاء عليه، بل إنه أسلوب متميز لأنه يحل المشكلة على مستوى النشاط الإنتاجي. لقد قصـر عمر بن الخطاب رضي الله عنه الانتفاع (الإنتاجي ) بالحمى على الفئات ذات الدخل المحدود، ومنع الفئات ذات الدخل المرتفع.

        يلاحظ أن إجراء عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلق بتخصيص الموارد الاقتصادية التي في يد القطاع العام . ويستنتج بناء على ذلك، أن الإسلام يوظف تخصيص الموارد الاقتصادية لمواجهة مشكلة الفقر والقضاء عليها.

        ومما يدخل في تخصيص الموارد في الاقتصاد الإسلامي، التخصيص بين الجيل الحالي والأجيال المقبلة. لقد فتح الله على المسلمين بلادا كثيرة، منها العراق وخراسان والسند ومصر وبلادا أخرى، وقد أشار بعـض الصحابة رضي الله عنهم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقسم أرض السواد، [ ص: 57 ] فقال لهم: فما يكون لمن يجيء من المسلمين [3] ؟!

        إن السياسة الاقتصادية الإسلامية التى طبقها عمر بن الخطاب رضي الله عنه في توزيع أرض السواد ، والتي بموجبها جعل الدولة تأخذ في الاعتبار عند تخصيص الموارد الاقتصادية الجيل الحالي والأجيال القادمة، هـذه السياسة تستحق أن تعطى لها مساحة في المناقشة لتظهر أهميتها وما يترتب عليها.

        فهي تقضي على الفقر الموروث (أو تخفف منه على الأقل ) ، وهو الفقر الذي يورثه الآباء للأبناء. ونستطيع القول: إن هـذا الموضوع من أعقد المظاهر المتعلقة بالفقر ومن أخطرها.

        إن السياسة الاقتصادية التي واجه بها الإسلام الفقر الموروث، وذلك باستبقاء موارد اقتصادية في يد الدولة للأجيال القادمة، ليس لها نظير في السياسات الاقتصادية التي هـي من وضع الإنسان، وبهذا يتفوق الإسلام تفوقا لا يملك أحد إنكاره.

        هذه السياسة الاقتصادية الإسلامية لا تمثل أي عبء على الأغنياء، وبهذا يمول القضاء على الفقر بعيدا عن الأغنياء وبأسلوب متميز، وهذا يوجب الاهتمام بهذه السياسة.

        هذه السياسية الاقتصادية الإسلامية تضع الدولة أمام مسئوليتها الحقيقية عن الفقر.. فهي مسئولة، وفي يدها الموارد التي تتصدى بها لهذه [ ص: 58 ] المسـئولية، وبهذا تسقط ادعاءات العولمة المعاصرة عن عدم مسئولية الدولة عن الفقر.

        والعالم الإسلامي على وجه الخصوص، في أشد الحاجة إلى هـذه السياسة الاقتصادية، وذلك لمواجهة ما يحدث فيه الآن من تمكين فئة محدودة العدد لتضع يدها على الموارد الاقتصادية التي يملكها المجتمع، مع أن هـذا ليس حقا لها، وهي غير قادرة أن تشغلها كلها.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية