الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نبأ

                                                          نبأ : النبأ : الخبر ، والجمع أنباء ، وإن لفلان نبأ أي خبرا . وقوله - عز وجل - : عم يتساءلون عن النبإ العظيم ; قيل عن القرآن ، وقيل عن البعث ، وقيل عن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد أنبأه إياه وبه ، وكذلك نبأه ، متعدية بحرف وغير حرف ، أي أخبر . وحكى سيبويه : أنا أنبؤك ; على الإتباع . وقوله :


                                                          إلى هند متى تسلي تنبي

                                                          أبدل همزة تنبئي إبدالا صحيحا حتى صارت الهمزة حرف علة ، فقوله تنبي كقوله تقضي . قال ابن سيده : والبيت هكذا وجد ، وهو لا محالة ناقص . واستنبأ النبأ : بحث عنه . ونابأت الرجل ونابأني : أنبأته وأنبأني . قال ذو الرمة يهجو قوما :


                                                          زرق العيون ، إذا جاورتهم سرقوا     ما يسرق العبد ، أو نابأتهم كذبوا

                                                          وقيل : نابأتهم : تركت جوارهم وتباعدت عنهم . وقوله - عز وجل - : [ ص: 169 ] فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون . قال الفراء : يقول القائل قال الله تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ; كيف قال ههنا : فهم لا يتساءلون ؟ قال أهل التفسير : إنه يقول عميت عليهم الحجج يومئذ ، فسكتوا ، فذلك قوله تعالى فهم لا يتساءلون ، قال أبو منصور : سمى الحجح أنباء ، وهي جمع النبإ ; لأن الحجح أنباء عن الله - عز وجل . الجوهري : والنبيء : المخبر عن الله - عز وجل - مكية ; لأنه أنبأ عنه ، وهو فعيل بمعنى فاعل . قال ابن بري : صوابه أن يقول فعيل بمعنى مفعل مثل نذير بمعنى منذر وأليم بمعنى مؤلم . وفي النهاية : فعيل بمعنى فاعل للمبالغة من النبإ الخبر ؛ لأنه أنبأ عن الله أي أخبر . قال : ويجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه . يقال نبأ ونبأ وأنبأ . قال سيبويه : ليس أحد من العرب إلا ويقول تنبأ مسيلمة ، بالهمز ، غير أنهم تركوا الهمز في النبي كما تركوه في الذرية والبرية والخابية ، إلا أهل مكة ; فإنهم يهمزون هذه الأحرف ولا يهمزون غيرها ، ويخالفون العرب في ذلك . قال : والهمز في النبيء لغة رديئة ; يعني لقلة استعمالها ، لا لأن القياس يمنع من ذلك . ألا ترى إلى قول سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وقد قيل يا نبيء الله ، فقال له : لا تنبر باسمي ; فإنما أنا نبي الله . وفي رواية : فقال لست بنبيء الله ولكني نبي الله . وذلك أنه - عليه السلام - أنكر الهمز في اسمه فرده على قائله لأنه لم يدر بما سماه ، فأشفق أن يمسك على ذلك ، وفيه شيء يتعلق بالشرع ، فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور أو حاظر مباح . والجمع : أنبئاء ونبآء . قال العباس بن مرداس :


                                                          يا خاتم النبآء ، إنك مرسل بالخير     كل هدى السبيل هداكا
                                                          إن الإله ثنى عليك محبة     في خلقه ، ومحمدا سماكا

                                                          قال الجوهري : يجمع أنبياء ; لأن الهمز لما أبدل وألزم الإبدال جمع جمع ما أصل لامه حرف العلة كعيد وأعياد ، على ما نذكره في المعتل . قال الفراء : النبي : هو من أنبأ عن الله ، فترك همزه . قال : وإن أخذ من النبوة والنباوة ، وهي الارتفاع عن الأرض ، أي إنه أشرف على سائر الخلق ، فأصله غير الهمز . وقال الزجاج : القراءة المجمع عليها ، في النبيين والأنبياء ، طرح الهمز ، وقد همز جماعة من أهل المدينة جميع ما في القرآن من هذا ، واشتقاقه من نبأ وأنبأ أي أخبر . قال : والأجود ترك الهمز ، وسيأتي في المعتل . ومن غير المهموز : حديث البراء . قلت : ورسولك الذي أرسلت ، فرد علي ، وقال : " ونبيك الذي أرسلت " . قال ابن الأثير : إنما رد عليه ليختلف اللفظان ، ويجمع له الثناء بين معنى النبوة والرسالة ، ويكون تعديدا للنعمة في الحالين ، وتعظيما للمنة على الوجهين . والرسول أخص من النبي ; لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا . ويقال : تنبى الكذاب إذا ادعى النبوة . وتنبى كما تنبى مسيلمة الكذاب وغيره من الدجالين المتنبين . وتصغير النبيء : نبيئ ، مثال نبيع . وتصغير النبوءة : نبيئة ، مثال نبيعة . قال ابن بري : ذكر الجوهري في تصغير النبيء نبيئ ، بالهمز على القطع بذلك . قال : وليس الأمر كما ذكر ; لأن سيبويه قال : من جمع نبيئا على نبآء قال في تصغيره نبيئ ، بالهمز ، ومن جمع نبيئا على أنبياء قال في تصغيره نبي ، بغير همز . يريد : من لزم الهمز في الجمع لزمه في التصغير ، ومن ترك الهمز في الجمع تركه في التصغير . وقيل : النبي مشتق من النباوة ; وهي الشيء المرتفع . وتقول العرب في التصغير : كانت نبيئة مسيلمة نبيئة سوء . قال ابن بري الذي ذكره سيبويه : كانت نبوة مسيلمة نبيئة سوء ، فذكر الأول غير مصغر ولا مهموز ليبين أنهم قد همزوه في التصغير ، وإن لم يكن مهموزا في التكبير . وقوله - عز وجل - : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ; فقدمه - عليه الصلاة والسلام - على نوح - عليه الصلاة والسلام - في أخذ الميثاق ; فإنما ذلك لأن الواو معناها الاجتماع ، وليس فيها دليل أن المذكور أولا لا يستقيم أن يكون معناه التأخير ، فالمعنى على مذهب أهل اللغة : ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم ومنك . وجاء في التفسير : إني خلقت قبل الأنبياء وبعثت بعدهم . فعلى هذا لا تقديم ولا تأخير في الكلام ، وهو على نسقه . وأخذ الميثاق حين أخرجوا من صلب آدم كالذر ، وهي النبوءة . وتنبأ الرجل : ادعى النبوءة . ورمى فأنبأ أي لم يشرم ولم يخدش . ونبأت على القوم أنبأ نبأ إذا طلعت عليهم . ويقال نبأت من الأرض إلى أرض أخرى إذا خرجت منها إليها . ونبأ من بلد كذا ينبأ نبأ ونبوءا : طرأ . والنابئ : الثور الذي ينبأ من أرض إلى أرض أي يخرج . قال عدي بن زيد يصف فرسا :


                                                          وله النعجة المري تجاه الرك     ب ، عدلا بالنابئ المخراق

                                                          أراد بالنابئ : الثور خرج من بلد إلى بلد ، يقال : نبأ وطرأ ونشط إذا خرج من بلد إلى بلد . ونبأت من أرض إلى أرض إذا خرجت منها إلى أخرى . وسيل نابئ : جاء من بلد آخر . ورجل نابئ . كذلك قال الأخطل :


                                                          ألا فاسقياني وانفيا عني القذى     فليس القذى بالعود يسقط في الخمر
                                                          وليس قذاها بالذي قد يريبها     ولا بذباب ، نزعه أيسر الأمر
                                                          ولكن قذاها كل أشعث نابئ     أتتنا به الأقدار من حيث لا ندري

                                                          ويروى : قداها ، بالدال المهملة . قال : وصوابه بالذال المعجمة . ومن هنا قال الأعرابي له - صلى الله عليه وسلم - يا نبيء الله ، فهمز ; أي يا من خرج من مكة إلى المدينة ، فأنكر عليه الهمز ؛ لأنه ليس من لغة قريش . ونبأ عليهم ينبأ نبأ ونبوءا : هجم وطلع ، وكذلك نبه ونبع ; كلاهما على البدل . ونبأت به الأرض : جاءت به . قال حنش بن مالك :


                                                          فنفسك أحرز ، فإن الحتو     ف ينبأن بالمرء في كل واد

                                                          ونبأ نبأ ونبوءا : ارتفع . والنبأة : النشز . والنبيء : الطريق الواضح . والنبأة : صوت الكلاب ، وقيل هي الجرس أيا كان . وقد نبأ نبأ . والنبأة : الصوت الخفي . قال ذو الرمة :


                                                          وقد توجس ركزا مقفر ، ندس     بنبأة الصوت ، ما في سمعه كذب

                                                          [ ص: 170 ] الركز : الصوت . والمقفر : أخو القفرة ; يريد الصائد . والندس : الفطن . التهذيب : النبأة : الصوت ليس بالشديد . قال الشاعر :


                                                          آنست نبأة ، وأفزعها القناص     قصرا ، وقد دنا الإمساء

                                                          أراد صاحب نبأة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية