الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نسم

                                                          نسم : النسم والنسمة : نفس الروح . وما بها نسمة أي نفس . يقال : ما بها ذو نسم أي ذو روح ، والجمع نسم . والنسيم : ابتداء كل ريح قبل أن تقوى ; عن أبي حنيفة . وتنسم : تنفس ، يمانية . والنسم والنسيم : نفس الريح إذا كان ضعيفا ، وقيل : النسيم من الرياح التي يجيء منها نفس ضعيف ، والجمع منها أنسام ، قال يصف الإبل :


                                                          وجعلت تنضح من أنسامها نضح العلوج الحمر في حمامها



                                                          أنسامها : روائح عرقها ، يقول : لها ريح طيبة . والنسيم : الريح الطيبة . يقال : نسمت الريح نسيما ونسمانا . والنيسم : كالنسيم ، نسم ينسم نسما ونسيما ونسمانا . وتنسم النسيم : تشممه . وتنسم منه علما : على المثل ، والشين لغة عن يعقوب ; وسيأتي ذكرها ، وليست إحداهما بدلا من أختها لأن لكل واحد منهما وجها ، فأما تنسمت فكأنه من النسيم كقولك استروحت خبرا ، فمعناه أنه تلطف في التماس العلم منه شيئا فشيئا كهبوب النسيم ، وأما تنشمت فمن قولهم نشم في الأمر أي بدأ ولم يوغل فيه أي ابتدأت بطرف من العلم من عنده ولم أتمكن فيه . التهذيب : ونسيم الريح هبوبها . قال ابن [ ص: 249 ] شميل : النسيم من الرياح الرويد ، قال : وتنسمت ريحها بشيء من نسيم أي هبت هبوبا رويدا ذات نسيم ، وهو الرويد . وقال أبو عبيد : النسيم من الرياح التي تجيء بنفس ضعيف . والنسم : جمع نسمة ، وهو النفس والربو . وفي الحديث : تنكبوا الغبار فإن منه تكون النسمة ، قيل : النسمة هاهنا الربو ، ولا يزال صاحب هذه العلة يتنفس نفسا ضعيفا ، قال ابن الأثير : النسمة في الحديث ، بالتحريك ، النفس ، واحد الأنفاس ; أراد تواتر النفس والربو والنهيج ، فسميت العلة نسمة لاستراحة صاحبها إلى تنفسه ، فإن صاحب الربو لا يزال يتنفس كثيرا . ويقال : تنسمت الريح وتنسمتها أنا ، قال الشاعر :


                                                          فإن الصبا ريح إذا ما تنسمت     على كبد محزون ، تجلت همومها



                                                          وإذا تنسم العليل والمحزون هبوب الريح الطيبة وجد لها خفا وفرحا . ونسيم الريح : أولها حين تقبل بلين قبل أن تشتد . وفي حديث مرفوع أنه قال : بعثت في نسم الساعة ، وفي تفسيره قولان : أحدهما بعثت في ضعف هبوبها وأول أشراطها وهو قول ابن الأعرابي ، قال : والنسم أول هبوب الريح ، وقيل : هو جمع نسمة أي بعثت في ذوي أرواح خلقهم الله تعالى في وقت اقتراب الساعة كأنه قال في آخر النشء من بني آدم . وقال الجوهري : أي حين ابتدأت وأقبلت أوائلها . وتنسم المكان بالطيب : أرج ، قال سهم بن إياس الهذلي :


                                                          إذا ما مشت يوما بواد تنسمت     مجالسها بالمندلي المكلل



                                                          وما بها ذو نسيم أي ذو روح . والنسم والمنسم من النسيم . والمنسم ، بكسر السين : طرف خف البعير والنعامة والفيل والحافر ، وقيل : منسما البعير ظفراه اللذان في يديه ، وقيل : هو للناقة كالظفر للإنسان ، قال الكسائي : هو مشتق من الفعل ، يقال : نسم به ينسم نسما . قال الأصمعي : وقالوا منسم النعامة كما قالوا للبعير . وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : وطئتهم بالمناسم ، جمع منسم ، أي بأخفافها ، قال ابن الأثير : وقد تطلق على مفاصل الإنسان اتساعا ، ومنه الحديث : على كل منسم من الإنسان صدقة أي كل مفصل . ونسم به ينسم نسما : ضرب ، واستعاره بعض الشعراء للظبي فقال :


                                                          تذب بسحماوين لم يتفللا     وحى الذئب عن طفل مناسمه مخلي



                                                          ونسم نسما : نقب منسمه . والنسمة : الإنسان ، والجمع نسم ونسمات ، قال الأعشى :


                                                          بأعظم منه تقى في الحساب     إذا النسمات نقضن الغبارا


                                                          وتنسم أي تنفس . وفي الحديث : لما تنسموا روح الحياة أي وجدوا نسيمها . والتنسم : طلب النسيم واستنشاقه . والنسمة في العتق : المملوك ; ذكرا كان أو أنثى . ابن خالويه : تنسمت منه وتنشمت بمعنى . وكان في بني أسد رجل ضمن لهم رزق كل بنت تولد فيهم ، وكان يقال له المنسم أي يحيي النسمات ، ومنه قول الكميت :

                                                          ومنا ابن كوز ، والمنسم قبله ، وفارس يوم الفيلق العضب ذو العضب

                                                          والمنسم : محيي النسمات . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من أعتق نسمة مؤمنة وقى الله - عز وجل - بكل عضو منه عضوا من النار " ، قال خالد : النسمة النفس والروح . وكل دابة في جوفها روح فهي نسمة . والنسم : الروح ، وكذلك النسيم ، قال الأغلب :


                                                          ضرب القدار نقيعة القديم     يفرق بين النفس والنسيم



                                                          قال أبو منصور : أراد بالنفس هاهنا جسم الإنسان أو دمه لا الروح ، وأراد بالنسيم الروح ، قال : ومعنى قوله - عليه السلام - : "من أعتق نسمة " ، أي من أعتق ذا نسمة ، وقال ابن الأثير : أي من أعتق ذا روح ، وكل دابة فيها روح فهي نسمة ، وإنما يريد الناس . وفي حديث علي : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أي خلق ذات الروح ، وكثيرا ما كان يقولها إذا اجتهد في يمينه . وقال ابن شميل : النسمة غرة عبد أو أمة . وفي الحديث عن البراء بن عازب قال : جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : علمني عملا يدخلني الجنة ، قال : " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة ، أعتق النسمة وفك الرقبة " ، قال : أوليسا واحدا ؟ قال : " لا ، عتق النسمة أن تفرد بعتقها ، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها ، والمنحة الوكوف ، وأبق على ذي الرحم الظالم ، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع ، واسق الظمآن ، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر ، فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير " . ويقال : نسمت نسمة إذا أحييتها أو أعتقتها . وقال بعضهم : النسمة الخلق ، يكون ذلك للصغير والكبير والدواب وغيرها ولكل من كان في جوفه روح حتى قالوا للطير ، وأنشد شمر :


                                                          يا زفر القيسي ذو الأنف الأشم     هيجت من نخلة أمثال النسم



                                                          قال : النسم هاهنا طير سراع خفاف لا يستبينها الإنسان من خفتها وسرعتها ، قال : وهي فوق الخطاطيف غبر تعلوهن خضرة ، قال : والنسم كالنفس ، ومنه يقال : ناسمت فلانا أي وجدت ريحه ووجد ريحي ، وأنشد :


                                                          لا يأمنن صروف الدهر ذو نسم



                                                          أي ذو نفس ، وناسمه أي شامه ، قال ابن بري : وجاء في شعر الحارث بن خالد بن العاص :


                                                          علت به الأنياب والنسم



                                                          يريد به الأنف الذي يتنسم به . ونسم الشيء ونسم نسما : تغير ، وخص بعضهم به الدهن . والنسم : ريح اللبن والدسم . والنسم : أثر الطريق الدارس . والنيسم : الطريق المستقيم ، لغة في النيسب . وفي حديث عمرو بن العاص وإسلامه قال : لقد استقام المنسم وإن الرجل لنبي ، فأسلم . يقال : قد استقام المنسم أي تبين الطريق . ويقال : رأيت منسما من الأمر أعرف به وجهه أي أثرا منه وعلامة ، قال أوس بن حجر :


                                                          لعمري ! لقد بينت يوم سويقة     لمن كان ذا رأي بوجهه منسم



                                                          أي بوجه بيان ، قال : والأصل فيه منسما خف البعير ، وهما كالظفرين في مقدمه بهما يستبان أثر البعير الضال ، ولكل خف منسمان ، ولخف الفيل منسم . وقال أبو مالك : المنسم الطريق ، [ ص: 250 ] وأنشد للأحوص :


                                                          وإن أظلمت يوما على الناس غسمة     أضاء بكم يا آل مروان منسم



                                                          يعني الطريق ، والغسمة : الظلمة . ابن السكيت : النيسم ما وجدت من الآثار في الطريق ، وليست بجادة بينة ، قال الراجز :


                                                          باتت على نيسم خل جازع     وعث النهاض قاطع المطالع



                                                          والمنسم : المذهب والوجه منه . يقال : أين منسمك أي أين مذهبك ومتوجهك . ومن أين منسمك أي من أين وجهتك . وحكى ابن بري : أين منسمك أي بيتك . والناسم : المريض الذي قد أشفى على الموت . يقال : فلان ينسم كنسم الريح الضعيف ، وقال المرار :


                                                          يمشين رهوا وبعد الجهد من نسم     ومن حياء غضيض الطرف مستور



                                                          ابن الأعرابي : النسيم العرق . والنسمة العرقة في الحمام وغيره ، ويجمع النسم بمعنى الخلق أناسم . ويقال : ما في الأناسم مثله كأنه جمع النسم أنساما ، ثم أناسم جمع الجمع .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية