الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نحا

                                                          نحا : الأزهري : ثبت عن أهل يونان ، فيما يذكر المترجمون العارفون بلسانهم ولغتهم ، أنهم يسمون علم الألفاظ والعناية بالبحث عنه نحوا ، ويقولون كان فلان من النحويين ، ولذلك سمي يوحنا الإسكندراني يحيى النحوي للذي كان حصل له من المعرفة بلغة اليونانيين . والنحو : إعراب الكلام العربي . والنحو : القصد والطريق ، يكون ظرفا ويكون اسما ، نحاه ينحوه وينحاه نحوا وانتحاه ، ونحو العربية منه ، إنما هو انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من إعراب وغيره كالتثنية والجمع والتحقير والتكبير والإضافة والنسب وغير ذلك ، ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة فينطق بها وإن لم يكن منهم ، أو إن شذ بعضهم عنها رد به إليها ، وهو في الأصل مصدر شائع أي نحوت نحوا كقولك قصدت قصدا ، ثم خص به انتحاء هذا القبيل من العلم ، كما أن الفقه في الأصل مصدر فقهت الشيء أي عرفته ، ثم خص به علم الشريعة من [ ص: 214 ] التحليل والتحريم ، وكما أن بيت الله - عز وجل - خص به الكعبة ، وإن كانت البيوت كلها لله - عز وجل - ، قال ابن سيده : وله نظائر في قصر ما كان شائعا في جنسه على أحد أنواعه ، وقد استعملته العرب ظرفا ، وأصله المصدر ، وأنشد أبو الحسن :


                                                          ترمي الأماعيز بمجمرات بأرجل روح مجنبات     يحدو بها كل فتى هيات
                                                          وهن نحو البيت عامدات

                                                          والجمع أنحاء ونحو ، قال سيبويه : شبهوها بعتو ; وهذا قليل . وفي بعض كلام العرب : إنكم لتنظرون في نحو كثيرة أي في ضروب من النحو ، شبهها بعتو ، والوجه في مثل هذه الواوات إذا جاءت في جمع الياء كقولهم في جمع ثدي ثدي وعصي وحقي . الجوهري : يقال نحوت نحوك أي قصدت قصدك . التهذيب : وبلغنا أن أبا الأسود الدؤلي وضع وجوه العربية وقال للناس انحوا نحوه فسمي نحوا . ابن السكيت : نحا نحوه إذا قصده ، ونحا الشيء ينحاه وينحوه إذا حرفه ، ومنه سمي النحوي لأنه يحرف الكلام إلى وجوه الإعراب . ابن بزرج : نحوت الشيء أممته أنحوه وأنحاه . ونحيت الشيء ونحوته ، وأنشد :


                                                          فلم يبق إلا أن ترى ، في محله     رمادا نحت عنه السيول جنادله

                                                          ورجل ناح من قوم نحاة : نحوي ، وكأن هذا إنما هو على النسب كقولك تامر ولابن . الليث : النحو القصد نحو الشيء . وأنحى عليه وانتحى عليه إذا اعتمد عليه . ابن الأعرابي : أنحى ونحى وانتحى أي اعتمد على الشيء . وانتحى له وتنحى له : اعتمد . وتنحى له بمعنى نحا له وانتحى ، وأنشد :


                                                          تنحى له عمرو فشك ضلوعه     بمدرنفق الخلجاء ، والنقع ساطع

                                                          وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - : أنه رأى رجلا تنحى في سجوده فقال لا تشينن صورتك ، قال شمر : الانتحاء في السجود الاعتماد على الجبهة والأنف حتى يؤثر فيهما ذلك . الأزهري في ترجمة ترح : ابن مناذر الترح الهبوط ، وأنشد :


                                                          كأن جرس القتب المضبب     إذا انتحى بالترح المصوب

                                                          قال : الانتحاء أن يسقط هكذا ، وقال بيده ، بعضها فوق بعض ، وهو في السجود أن يسقط جبينه إلى الأرض ويشده ولا يعتمد على راحتيه ولكن يعتمد على جبينه ، قال الأزهري : حكى شمر هذا عن عبد الصمد بن حسان عن بعض العرب ، قال شمر : وكنت سألت ابن مناذر عن الانتحاء في السجود فلم يعرفه ، قال : فذكرت له ما سمعت فدعا بدواته فكتبه بيده . وانتحيت لفلان أي عرضت له . وفي حديث حرام بن ملحان : فانتحى له عامر بن الطفيل فقتله أي عرض له وقصد . وفي الحديث : فانتحاه ربيعة أي اعتمده بالكلام وقصده . وفي حديث الخضر - عليه السلام - : وتنحى له أي اعتمد خرق السفينة . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها - : فلم أنشب حتى أنحيت عليها . قال ابن الأثير : هكذا جاء في رواية ، والمشهور بالثاء المثلثة والخاء المعجمة والنون . وفي حديث الحسن : قد تنحى في برنسه وقام الليل في حندسه أي تعمد العبادة وتوجه لها وصار في ناحيتها وتجنب الناس وصار في ناحية منهم . وأنحيت على حلقه السكين أي عرضت ، وأنشد ابن بري :

                                                          أنحى على ودجي أنثى مرهفة مشحوذة ، وكذاك الإثم يقترف وأنحى عليه ضربا : أقبل . وأنحى له السلاح : ضربه بها أو طعنه أو رماه ، وأنحى له بسهم أو غيره من السلاح . وتنحى ، وانتحى : اعتمد . يقال : انتحى له بسهم ونحا عليه بشفرته ، ونحا له بسهم . ونحا الرجل وانتحى : مال على أحد شقيه أو انحنى في قوسه . وأنحى في سيره أي اعتمد على الجانب الأيسر . قال الأصمعي : الانتحاء في السير الاعتماد على الجانب الأيسر ، ثم صار الاعتماد في كل وجه ، قال رؤبة :


                                                          منتحيا من نحوه على وفق

                                                          ابن سيده : والانتحاء اعتماد الإبل في سيرها على الجانب الأيسر ، ثم صار الانتحاء الميل والاعتماد في كل وجه ، وأنشد ابن بري لكعب بن زهير :


                                                          إذا ما انتحاهن شؤبوبه

                                                          أي اعتمدهن . ونحوت بصري إليه أي صرفت . ونحا إليه بصره ينحوه وينحاه . صرفه . وأنحيت إليه بصري : عدلته ، وقول طريف العبسي :

                                                          نحاه للحد زبرقان وحرث ، وفي الأرض للأقوام بعدك غول أي صيرا هذا الميت في ناحية القبر . ونحيت بصري إليه : صرفته . التهذيب : شمر انتحى لي ذلك الشيء إذا اعترض له واعتمده ، وأنشد للأخطل :


                                                          وأهجرك هجرانا جميلا وينتحي     لنا ، من ليالينا العوارم ، أول

                                                          قال ابن الأعرابي : ينتحي لنا يعود لنا ، والعوارم : القباح . ونحى الرجل : صرفه ، قال العجاج :

                                                          لقد نحاهم جدنا والناحي ابن سيده : والنحواء الرعدة ، وهي أيضا التمطي ، قال شبيب بن البرصاء :


                                                          وهم تأخذ النحواء منه     يعل بصالب أو بالملال

                                                          وانتحى في الشيء : جد . وانتحى الفرس في جريه أي جد . والنحي والنحي والنحى : الزق ، وقيل : هو ما كان للسمن خاصة . الأزهري : النحي عند العرب الزق الذي فيه السمن خاصة ، وكذلك قال الأصمعي وغيره : النحي الزق الذي يجعل فيه السمن خاصة ، ومنه قصة ذات النحيين المثل المشهور : أشغل من ذات النحيين ، وهي امرأة من تيم الله بن ثعلبة وكانت تبيع السمن في الجاهلية ، فأتى خوات بن جبير الأنصاري يبتاع منها سمنا فساومها ، فحلت نحيا مملوءا ، فقال : أمسكيه حتى أنظر غيره ، ثم حل آخر وقال لها : أمسكيه ، فلما شغل يديها ساورها حتى قضى ما أراد وهرب فقال في ذلك :

                                                          [ ص: 215 ]

                                                          وذات عيال ، واثقين بعقلها     خلجت لها جار استها خلجات
                                                          وشدت يديها ; إذ أردت خلاطها     بنحيين من سمن ذوي عجرات
                                                          فكانت لها الويلات من ترك     سمنها ، ورجعتها صفرا بغير بتات
                                                          فشدت على النحيين كفا شحيحة     على سمنها ، والفتك من فعلاتي

                                                          قال ابن بري قال علي بن حمزة الصحيح في رواية خوات بن جبير :


                                                          فشدت على النحيين كفي شحيحة

                                                          تثنية كف ، ثم أسلم خوات وشهد بدرا ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كيف شرادك ؟ وتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، قد رزق الله خيرا وأعوذ بالله من الحور بعد الكور
                                                          ! وهجا العديل بن الفرخ بني تيم الله فقال :


                                                          تزحزح ، يا ابن تيم الله عنا     فما بكر أبوك ، ولا تميم
                                                          لكل قبيلة بدر ونجم     وتيم الله ليس لها نجوم
                                                          أناس ربة النحيين منهم     فعدوها إذا عد الصميم

                                                          قال ابن بري : قال ابن حمزة الصحيح أنها امرأة من هذيل ، وهي خولة أم بشر بن عائذ ، ويحكى أن أسديا وهذليا افتخرا ورضيا بإنسان يحكم بينهما فقال : يا أخا هذيل كيف تفاخرون العرب وفيكم خلال ثلاث : منكم دليل الحبشة على الكعبة ، ومنكم خولة ذات النحيين ، وسألتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يحلل لكم الزنا ؟ قال : ويقوي قول الجوهري إنها من تيم الله ما أنشده في هجائهم :


                                                          أناس ربة النحيين منهم

                                                          وجمع النحي أنحاء ونحي ونحاء ; عن سيبويه . والنحي أيضا : جرة فخار يجعل فيها اللبن ليمخض . وفي التهذيب : يجعل فيها اللبن الممخوض . الأزهري : العرب لا تعرف النحي غير الزق ، والذي قاله الليث إنه الجرة يمخض فيها اللبن غير صحيح . ونحى اللبن ينحيه وينحاه : مخضه ، وأنشد :


                                                          في قعر نحي أستثير حمه

                                                          والنحي : ضرب من الرطب ; عن كراع . ونحى الشيء ينحاه نحيا ونحاه فتنحى : أزاله . التهذيب : يقال نحيت فلانا فتنحى ، وفي لغة : نحيته وأنا أنحاه نحيا بمعناه ، وأنشد :


                                                          ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه     لشيء نحته ، عن يديه ، المقادر

                                                          أي باعدته . ونحيته عن موضعه تنحية فتنحى ، وقال الجعدي :

                                                          أمر ونحي عن زوره ، كتنحية القتب المجلب ويقال : فلان نحية القوارع إذا كانت الشدائد تنتحيه ، وأنشد :


                                                          نحية أحزان جرت من جفونه     نضاضة دمع ، مثل ما دمع الوشل

                                                          ويقال : استخذ فلان فلانا أنحية أي انتحى عليه حتى أهلك ما له أو ضره أو جعل به شرا ، وأنشد :


                                                          إني إذا ما القوم كانوا أنحيه

                                                          أي انتحوا عن عمل يعملونه . الليث : كل من جد في أمر فقد انتحى فيه ، كالفرس ينتحي في عدوه .

                                                          والناحية من كل شيء : جانبه . والناحية : واحدة النواحي ، وقول عتي بن مالك :


                                                          لقد صبرت حنيفة صبر قوم     كرام ، تحت أظلال النواحي

                                                          فإنما يريد نواحي السيوف ، وقيل : أراد النوائح فقلب ، يعني الرايات المتقابلات . ويقال : الجبلان يتناوحان إذا كانا متقابلين . والناحية والناحاة : كل جانب تنحى عن القرار كناصية وناصاة ، وقوله :

                                                          ألكني إليها ، وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر إنما يعني أعلمهم بنواحي الكلام . وإبل نحي : متنحية ; عن ابن الأعرابي ، وأنشد :


                                                          ظل وظلت عصبا نحيا     مثل النجي استبرز النجيا



                                                          والنحي من السهام : العريض النصل الذي إذا أردت أن ترمي به اضطجعته حتى ترسله . والمنحاة : ما بين البئر إلى منتهى السانية ، قال جرير :


                                                          لقد ولدت أم الفرزدق فخة     ترى بين فخذيها مناحي أربعا



                                                          الأزهري : المنحاة منتهى مذهب السانية ، وربما وضع عنده حجر ليعلم قائد السانية أنه المنتهى فيتيسر منعطفا لأنه إذا جاوزه تقطع الغرب وأداته . الجوهري : والمنحاة طريق السانية ، قال ابن بري : ومنه قول الراجز :


                                                          كأن عيني ، وقد بانوني     غربان في منحاة منجنون

                                                          وقال ابن الأعرابي : المنحاة مسيل الماء إذا كان ملتويا ، وأنشد :


                                                          وفي أيمانهم بيض رقاق     كباقي السيل أصبح في المناحي

                                                          وأهل المنحاة : القوم البعداء الذين ليسوا بأقارب . وقوله في الحديث : " يأتيني أنحاء من الملائكة " ، أي ضروب منهم ; واحدهم نحو ، يعني أن الملائكة كانوا يزورونه سوى جبريل - عليه السلام - . وبنو نحو : بطن من الأزد ، وفي الصحاح : قوم من العرب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية