ذكر خلع إبراهيم بن المهدي
وفي هذه السنة خلع أهل بغداذ ، وكان سبب ذلك ما ذكرنا من قبضه على إبراهيم بن المهدي ، على ما تقدم ، فلما كاتب أصحابه ومنهم عيسى بن محمد العباس - حميدا بالقدوم عليهم ، سار حتى أتى نهر صرصر فنزل عنده .
وخرج إليه العباس وقواد أهل بغداذ ، فلقوه ، وكانوا قد شرطوا عليه أن يعطي كل جندي خمسين درهما ، فأجابهم إلى ذلك ، ووعدهم أن يصنع لهم العطاء يوم السبت ( في الياسرية ) على أن يدعو للمأمون بالخلافة يوم الجمعة ، ويخلعوا إبراهيم ، فأجابوه إلى ذلك .
[ ص: 506 ] ولما بلغ إبراهيم الخبر أخرج عيسى ومن معه من إخوته من الحبس ، وسأله أن يرجع إلى منزله ، ويكفيه أمر هذا الجانب ، فأبى عليه .
فلما كان يوم الجمعة أحضر العباس بن محمد بن أبي رجاء الفقيه ، فصلى بالناس الجمعة ، ودعا للمأمون بالخلافة ، وجاء حميد إلى الياسرية ، فعرض جند بغداذ ، وأعطاهم الخمسين التي وعدهم ، فسألوه أن ينقصهم عشرة عشرة لما تشاءموا به من علي بن هشام حين أعطاهم الخمسين وقطع العطاء عنهم ، فقال حميد : بل أزيدكم عشرة ، وأعطيكم ستين درهما لكل رجل .
فلما بلغ ذلك إبراهيم دعا عيسى وسأله أن يقاتل حميدا ، فأجابه إلى ذلك ، فخلى سبيله ، وأخذ منه كفلاء ، وكلم عيسى الجند ، ووعدهم أن يعطيهم مثل ما أعطاهم حميد ، فأبوا ذلك ، فعبر إليهم عيسى وقواد الجانب الشرقي ، ووعد أولئك الجند أن يزيدهم على الستين ، فشتموه وأصحابه ، وقالوا : لا نريد إبراهيم . فقاتلهم ساعة ، ثم ألقى نفسه في وسطهم ، حتى أخذوه شبه الأسير ، فأخذه بعض قواده ، فأتى به منزله ، ورجع الباقون إلى إبراهيم ، فأخبروه الخبر ، فاغتم لذلك .
وكان المطلب بن عبد الله بن مالك قد اختفى من إبراهيم ، كما ذكرنا ، فلما قدم حميد أراد العبور إليه ، فعلموا به فأخذوه ، وأحضروه عند إبراهيم ، فحبسه ثلاثة أيام ، ثم خلى عنه لليلة خلت من ذي الحجة .