ذكر عن عمار بن ياسر الكوفة وولاية عزل أبي موسى والمغيرة بن شعبة
وفيها عزل عمر بن الخطاب عن عمار بن ياسر الكوفة ، واستعمل أبا موسى . وسبب ذلك أن أهل الكوفة شكوه وقالوا له : إنه لا يحتمل ما هو فيه وإنه ليس بأمين ، ونزا به أهل الكوفة . فدعاه عمر ، فخرج معه وفد يريد أنهم معه ، فكانوا أشد عليه ممن تخلف عنه ، وقالوا : إنه غير كاف وعالم بالسياسة ، ولا يدري على ما استعملته . وكان منهم سعد بن مسعود الثقفي - عم المختار - ، ، فسعيا به ، فعزله وجرير بن عبد الله عمر . وقال عمر لعمار : أساءك العزل ؟ قال : ما سرني حين استعملت ولقد ساءني حين عزلت . فقال له : قد علمت ما أنت بصاحب عمل ، ولكني تأولت : ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين .
[ ص: 414 ] ثم أقبل عمر على أهل الكوفة فقال : من تريدون ؟ قالوا : أبا موسى . فأمره عليهم بعد عمار . فأقام عليهم سنة فباع غلامه العلف ، فشكاه الوليد بن عبد شمس وجماعة معه وقالوا : إن غلامه يتجر في جسرنا ، فعزله عنهم وصرفه إلى البصرة . وصرف عمر بن سراقة إلى الجزيرة .
وخلا عمر في ناحية المسجد فنام ، فأتاه فحرسه حتى استيقظ ، فقال : ما فعلت هذا يا أمير المؤمنين إلا من عظيم . فقال : وأي شيء أعظم من مائة ألف لا يرضون عن أمير ولا يرضى عنهم أمير ؟ وأحيطت المغيرة بن شعبة الكوفة على مائة ألف مقاتل . وأتاه أصحابه فقالوا : ما شأنك ؟ فقال : إن أهل الكوفة قد عضلوني . واستشارهم فيمن يوليه . وقال : ما تقولون في تولية رجل ضعيف مسلم أو رجل قوي مسدد ؟ فقال المغيرة : أما الضعيف المسلم فإن إسلامه لنفسه وضعفه عليك ، وأما القوي المسدد فإن سداده لنفسه وقوته للمسلمين . فولى المغيرة الكوفة ، فبقي عليها حتى مات عمر ، وذلك نحو سنتين وزيادة . وقال له حين بعثه : يا مغيرة ليأمنك الأبرار ، وليخفك الفجار . ثم أراد عمر أن يبعث سعدا على عمل المغيرة ، فقتل عمر قبل ذلك فأوصى به .