الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خبر بيروذ من الأهواز

ولما فصلت الخيول إلى الكور ، اجتمع ببيروذ جمع عظيم من الأكراد وغيرهم . وكان عمر قد عهد إلى أبي موسى أن يسير إلى أقصى ذمة البصرة ، حتى لا يؤتى المسلمون من خلفهم ، وخشي أن يهلك بعض جنوده أو يخلفوا في أعقابهم ، فاجتمع الأكراد ببيروذ ، وأبطأ أبو موسى حتى تجمعوا ، ثم سار فنزل بهم ببيروذ ، فالتقوا في رمضان بين نهر تيرى ومناذر ، فقام المهاجر بن زياد وقد تحنط واستقتل ، وعزم أبو موسى على الناس فأفطروا ، وتقدم المهاجر فقاتل قتالا شديدا حتى قتل . ووهن الله المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة ، واشتد جزع الربيع بن زياد على أخيه المهاجر ، وعظم عليه فقده ، فرق له أبو موسى فاستخلفه عليهم في جند ، وخرج أبو موسى حتى بلغ أصبهان ، واجتمع بها بالمسلمين الذين يحاصرون جيا ، فلما فتحت رجع أبو موسى إلى البصرة ، وفتح الربيع بن زياد الحارثي بيروذ من نهر تيرى وغنم ما معهم .

ووفد أبو موسى وفدا معهم الأخماس ، فطلب ضبة بن محصن العنزي أن يكون في [ ص: 426 ] الوفد ، فلم يجبه أبو موسى ، وكان أبو موسى قد اختار من سبي بيروذ ستين غلاما ، فانطلق ضبة إلى عمر شاكيا ، وكتب أبو موسى إلى عمر يخبره ، فلما قدم ضبة على عمر سلم عليه . فقال : من أنت ؟ فأخبره . فقال : لا مرحبا ولا أهلا ! فقال : أما المرحب فمن الله ، وأما الأهل فلا أهل . ثم سأله عمر عن حاله فقال : إن أبا موسى انتقى ستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه ، وله جارية تغدى جفنة وتعشى جفنة تدعى عقيلة ، وله قفيزان وله خاتمان ، وفوض إلى زياد بن أبي سفيان أمور البصرة ، وأجاز الحطيئة بألف .

فاستدعى عمر أبا موسى . فلما قدم عليه حجبه أياما ، ثم استدعاه فسأل عمر ضبة عما قال فقال : أخذ ستين غلاما لنفسه . فقال أبو موسى : دللت عليهم وكان لهم فداء ففديتهم وقسمته بين المسلمين . فقال ضبة : ما كذب ولا كذبت . فقال : له قفيزان . فقال أبو موسى : قفيز لأهلي أقوتهم به ، وقفيز للمسلمين في أيديهم يأخذون به أرزاقهم . فقال ضبة : ما كذب ولا كذبت . فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى ولم يعتذر . فعلم أن ضبة قد صدقه ، قال : وولى زيادا . قال : رأيت له رأيا ونبلا فأسندت إليه عملي . قال : وأجاز الحطيئة بألف . قال : سددت فمه بمالي أن يشتمني . فرده عمر وأمره أن يرسل إليه زيادا وعقيلة ، ففعل . فلما قدم عليه زياد سأله عن حاله وعطائه والفرائض والسنن والقرآن ، فرآه فقيها ، فرده وأمر أمراء البصرة أن يسيروا برأيه ، وحبس عقيلة بالمدينة .

وقال عمر : ألا إن ضبة غضب على أبي موسى وفارقه مراغما أن فاته أمر من أمور الدنيا ، فصدق عليه وكذب ، فأفسد كذبه صدقه ، فإياكم والكذب فإنه يهدي إلى النار .

( بيروذ : بفتح الباء الموحدة ، وسكون الياء تحتها نقطتان ، وضم الراء ، وسكون الواو ، وآخره ذال معجمة ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية