[ ص: 526 ] 35
ثم دخلت سنة خمس وثلاثين
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33710_33711مسير من سار إلى حصر عثمان قيل : في هذه السنة كان مسير من سار من
أهل مصر إلى
ذي خشب ، ومسير من سار من
أهل العراق إلى
ذي المروة .
وكان سبب ذلك أن
عبد الله بن سبأ كان يهوديا ، وأسلم أيام
عثمان ، ثم تنقل في
الحجاز ثم
بالبصرة ثم
بالكوفة ثم
بالشام يريد إضلال الناس ، فلم يقدر منهم على ذلك ، فأخرجه
أهل الشام ، فأتى
مصر فأقام فيهم وقال لهم : العجب ممن يصدق أن
عيسى يرجع ، ويكذب أن
محمدا يرجع ، فوضع لهم الرجعة ، فقبلت منه ، ثم قال لهم بعد ذلك : إنه كان لكل نبي وصي ،
وعلي وصي
محمد ، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووثب على وصيه ، وإن
عثمان أخذها بغير حق ، فانهضوا في هذا الأمر وابتدءوا بالطعن على أمرائكم ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس .
وبث دعاته ، وكاتب من استفسد في الأمصار وكاتبوه ، ودعوا في السر إلى ما هو عليه رأيهم ، وصاروا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيب ولاتهم ، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون ، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا بذلك الأرض إذاعة ، فيقول أهل كل مصر : إنا لفي عافية مما ابتلي به هؤلاء ، إلا أهل المدينة فإنهم جاءهم ذلك عن جميع الأمصار ، فقالوا : إنا لفي عافية مما فيه الناس . فأتوا
عثمان فقالوا : يا أمير المؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا ؟ فقال : ما جاءني إلا السلامة وأنتم شركائي وشهود المؤمنين ، فأشيروا علي . قالوا : نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم .
فدعا
محمد بن مسلمة فأرسله إلى
الكوفة ، وأرسل
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد إلى
البصرة ،
[ ص: 527 ] وأرسل
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر إلى
مصر ، وأرسل
عبد الله بن عمر إلى
الشام ، وفرق رجالا سواهم ، فرجعوا جميعا قبل
عمار فقالوا : ما أنكرنا شيئا أيها الناس ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم . وتأخر
عمار حتى ظنوا أنه قد اغتيل ، فوصل كتاب من
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن أبي سرح يذكر أن
عمارا قد استماله قوم وانقطعوا إليه ، منهم :
عبد الله بن السوداء ،
وخالد بن ملجم ،
وسودان بن حمران ،
وكنانة بن بشر .
فكتب
عثمان إلى أهل الأمصار : [ أما بعد ] فإني آخذ عمالي بموافاتي كل موسم ، وقد رفع إلي
أهل المدينة أن أقواما يشتمون ويضربون ، فمن ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم يأخذ حقه حيث كان مني أو من عمالي ، أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين . فلما قرئ في الأمصار بكى الناس ودعوا
لعثمان . وبعث إلى عمال الأمصار فقدموا عليه في الموسم :
nindex.php?page=showalam&ids=16447عبد الله بن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16436وعبد الله بن سعد ،
ومعاوية ، وأدخل معهم
nindex.php?page=showalam&ids=74سعيد بن العاص وعمرا ، فقال : ويحكم ما هذه الشكاية والإذاعة ؟ إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب هذا إلا بي ! فقالوا له : ألم تبعث ؟ ألم يرجع إليك الخبر عن العوام ؟ ألم يرجع رسلك ولم يشافههم أحد بشيء ؟ والله ما صدقوا ولا بروا ولا نعلم لهذا الأمر أصلا ، ولا يحل الأخذ بهذه الإذاعة ! فقال : أشيروا علي . فقال
سعيد : هذا أمر مصنوع يلقى في السر فيتحدث به الناس ، ودواء ذلك طلب هؤلاء وقتل الذين يخرج هذا من عنده . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد : خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتم الذي لهم فإنه خير من أن تدعهم . وقال
معاوية : قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير ، والرجلان أعلم بناحيتيهما ، والرأي حسن الأدب . وقال
عمرو : أرى أنك قد لنت لهم ورخيت عليهم وزدتهم على ما كان يصنع
عمر ، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة ، وتلين في موضع اللين .
فقال
عثمان : قد سمعت كل ما أشرتم به علي ، ولكل أمر باب يؤتى منه ، إن هذا الأمر الذي يخاف على هذه الأمة كائن ، وإن بابه الذي يغلق عليه ليفتحن فنكفكفه باللين والمؤاتاة إلا في حدود الله ، فإن فتح فلا يكون لأحد علي حجة حق ، وقد علم الله أني لم آل الناس خيرا ، وإن رحى الفتنة لدائرة ، فطوبى
لعثمان إن مات ولم يحركها . سكنوا الناس وهبوا لهم حقوقهم ، فإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها . فلما نفر
عثمان وشخص
معاوية والأمراء معه واستقل على الطريق رجز به الحادي فقال :
[ ص: 528 ] قد علمت ضوامر المطي وضمرات عوج القسي أن الأمير بعده علي
وفي الزبير خلف رضي [ وطلحة الحامي لها ولي
]
فقال
كعب : كذبت بل يلي بعده صاحب البغلة الشهباء - يعني
معاوية - فطمع فيها من يومئذ .
فلما قدم
عثمان المدينة دعا
عليا وطلحة والزبير وعنده
معاوية ، فحمد الله
معاوية ثم قال : أنتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخيرته من خلفه وولاة أمر هذه الأمة ، لا يطمع فيه أحد غيركم ، اخترتم صاحبكم عن غير غلبة ولا طمع ، وقد كبر وولى عمره ، ولو انتظرتم به الهرم لكان قريبا ، مع أني أرجو أن يكون أكرم على الله أن يبلغه ذلك ، وقد فشت مقالة خفتها عليكم فما عتبتم فيه من شيء ، فهذه يدي لكم به ، ولا تطمعوا الناس في أمركم ، فوالله إن طمعوا فيه لا رأيتم منها أبدا إلا إدبارا .
قال
علي : ما لك ولذلك لا أم لك ؟ قال : دع أمي فإنها ليست بشر أمهاتكم ، قد أسلمت وبايعت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجبني عما أقول لك . فقال
عثمان : صدق ابن أخي ، أنا أخبركم عني وعما وليت ، إن صاحبي اللذين كانا قبلي ظلما أنفسهما ومن كان منهما بسبيل احتسابا ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي قرابته وأنا في رهط أهل عيلة وقلة معاش ، فبسطت يدي في شيء من ذلك لما أقوم به فيه ، فإن رأيتم ذلك خطأ فردوه فأمري لأمركم تبع . فقالوا : قد أصبت وأحسنت ، قد أعطيت
عبد الله بن خالد بن أسيد خمسين ألفا ، وأعطيت
مروان خمسة عشر ألفا . فأخذ منهما ذلك ، فرضوا وخرجوا راضين .
وقال
معاوية لعثمان : اخرج معي إلى
الشام فإنهم على الطاعة قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به . فقال : لا أبيع جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء وإن كان فيه خيط عنقي . قال : فإن بعثت إليك جندا منهم يقيم معك لنائبة إن نابت ؟ قال : لا أضيق على جيران رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : والله لتغتالن ولتغزين ! فقال : حسبي الله ونعم الوكيل !
ثم خرج
معاوية فمر على نفر من
المهاجرين فيهم
علي وطلحة والزبير وعليه ثياب
[ ص: 529 ] السفر ، فقام عليهم وقال : إنكم قد علمتم أن هذا الأمر كان الناس يتغالبون عليه حتى بعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكانوا يتفاضلون بالسابقة والقدمة والاجتهاد ، فإن أخذوا بذلك فالأمر أمرهم والناس لهم تبع ، وإن طلبوا الدنيا بالتغالب سلبوا ذلك ورده الله إلى غيرهم ، وإن الله على البدل لقادر ، وإني قد خلفت فيكم شيخا فاستوصوا به خيرا وكانفوه تكونوا أسعد منه بذلك . ثم ودعهم ومضى . فقال
علي : [ ما ] كنت أرى في هذا خيرا . فقال
الزبير : والله ما كان قط أعظم في صدرك وصدورنا منه اليوم .
واتعد المنحرفون عن
عثمان يوما يخرجون فيه بالأمصار جميعا إذا سار عنها الأمراء ، فلم يتهيأ لهم ذلك ، ولما رجع الأمراء ولم يتم لهم الوثوب صاروا يكاتبون في القدوم إلى المدينة ، لينظروا فيما يريدون ويسألوا
عثمان عن أشياء لتطير في الناس . وكان
بمصر محمد بن أبي بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16891ومحمد بن أبي حذيفة يحرضان على
عثمان .
فلما خرج المصريون خرج فيهم
عبد الرحمن بن عديس البلوي في خمسمائة ، وقيل : في ألف ، وفيهم
كنانة بن بشر الليثي ،
وسودان بن حمران السكوني ،
وقتيرة بن فلان السكوني ، وعليهم جميعا
الغافقي بن حرب العكي ، وخرج
أهل الكوفة وفيهم
nindex.php?page=showalam&ids=3254زيد بن صوحان العبدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13707والأشتر النخعي ،
وزياد بن النضر الحارثي ،
وعبد الله بن الأصم العامري ، وهم في عداد
أهل مصر ، وخرج
أهل البصرة فيهم
nindex.php?page=showalam&ids=2316حكيم بن جبلة العبدي ،
وذريح بن عباد ، وبشر بن شريح القيسي ،
وابن المحترش ، وهم بعداد
أهل مصر ، وأميرهم
حرقوص بن زهير السعدي ، فخرجوا جميعا في شوال وأظهروا أنهم يريدون الحج ، فلما كانوا من
المدينة على ثلاث ، تقدم ناس من
أهل البصرة فنزلوا ذا خشب ، وكان هواهم في
طلحة ، وتقدم ناس من
أهل الكوفة ، وكان هواهم في
الزبير ، وتركوا
الأعوص ، وجاءهم ناس من
أهل مصر ، وكان هواهم في
علي ، ونزلوا عامتهم
بذي المروة ، ومشى فيما بين
أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر ،
وعبد الله بن الأصم وقالا لهم : لا تعجلوا حتى ندخل
المدينة ونرتاد لكم ، فقد بلغنا أنهم عسكروا لنا ، فوالله إن كان هذا حقا واستحلوا قتالنا بعد علم حالنا إن أمرنا لباطل ، وإن كان الذي بلغنا باطلا رجعنا إليكم بالخبر . قالوا : اذهبا . فذهبا فدخلا المدينة فلقيا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
وعليا وطلحة والزبير ، فقالا : إنما نريد هذا البيت ونستعفي من بعض عمالنا ، واستأذناهم في الدخول ،
[ ص: 530 ] فكلمهما أبي ونهاهما ، فرجعا إلى أصحابهما . فاجتمع نفر من
أهل مصر فأتوا
عليا ، ونفر من
أهل البصرة فأتوا
طلحة ، ونفر من
أهل الكوفة فأتوا
الزبير ، وقال كل فريق منهم : إن بايعنا صاحبنا وإلا كذبناهم وفرقنا جماعتهم ، ثم رجعنا عليهم حتى نبغتهم . فأتى
المصريون عليا وهو في عسكر عند أحجار الزيت متقلدا سيفه ، وقد أرسل ابنه
الحسن إلى
عثمان فيمن اجتمع إليه ، فسلموا عليه وعرضوا عليه ، فصاح بهم وطردهم وقال : لقد علم الصالحون أن جيش
ذي المروة وجيش
ذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - فانصرفوا عنه . وأتى
البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك ، وكان قد أرسل ابنيه إلى
عثمان ، وأتى
الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك ، وكان قد أرسل ابنه
عبد الله إلى
عثمان .
فرجعوا وتفرقوا عن
ذي خشب وذي المروة والأعوص إلى عسكرهم ليتفرق
أهل المدينة ثم يرجعوا إليهم . فلما بلغوا عسكرهم تفرق
أهل المدينة ، فرجعوا بهم ، فلم يشعر
أهل المدينة إلا والتكبير في نواحيها ، ونزلوها وأحاطوا
بعثمان وقالوا : من كف يده فهو آمن . وصلى
عثمان بالناس أياما ، ولزم الناس بيوتهم ولم يمنعوا الناس من كلامه ، وأتاهم
أهل المدينة وفيهم علي فقال لهم : ما ردكم بعد ذهابكم ؟ فقالوا : أخذنا مع بريد كتابا بقتلنا . وأتى
طلحة الكوفيين فسألهم عن عودتهم فقالوا مثل ذلك . وأتى
الزبير البصريين فقالوا مثل ذلك ، وكل منهم يقول : نحن نمنع إخواننا وننصرهم ، كأنما كانوا على ميعاد . فقال لهم
علي : كيف علمتم يا
أهل الكوفة ويا
أهل البصرة بما لقي
أهل مصر وقد سرتم مراحل حتى رجعتم علينا ؟ هذا والله أمر أبرم بليل ! فقالوا : ضعوه كيف شئتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل - ليعتزل عنا .
وعثمان يصلي بهم وهم يصلون خلفه ، وهم أدق في عينه من التراب ، وكانوا يمنعون الناس من الاجتماع .
وكتب
عثمان إلى أهل الأمصار يستنجدهم ويأمرهم بالحث للمنع عنه ، ويعرفهم ما الناس فيه . فخرج أهل الأمصار على الصعب والذلول ، فبعث
معاوية nindex.php?page=showalam&ids=200حبيب بن مسلمة الفهري ، وبعث
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد nindex.php?page=showalam&ids=8044معاوية بن حديج ، وخرج من
الكوفة القعقاع بن عمرو وقام
بالكوفة نفر يحضون على إعانة
أهل المدينة ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=51وعبد الله بن أبي أوفى ،
وحنظلة الكاتب ، وغيرهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن التابعين :
مسروق ،
[ ص: 531 ] والأسود ،
وشريح ،
وعبد الله بن حكيم ، وغيرهم ، وقام
بالبصرة :
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين ،
nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك ،
وهشام بن عامر ، وغيرهم من الصحابة ، ومن التابعين :
nindex.php?page=showalam&ids=7519كعب بن سور ،
nindex.php?page=showalam&ids=17234وهرم بن حيان ، وغيرهما ، وقام
بالشام جماعة من الصحابة والتابعين وكذلك
بمصر .
ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم
المدينة ، خرج
عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال : يا هؤلاء ، الله الله ! فوالله إن
أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان
محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فامحوا الخطأ بالصواب . فقام
محمد بن مسلمة فقال : أنا أشهد بذلك ، فأقعده
nindex.php?page=showalam&ids=2316حكيم بن جبلة ، وقام
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ، فأقعده
محمد بن أبي قتيرة ، وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد ، وحصبوا
عثمان حتى صرع عن المنبر مغشيا عليه ، فأدخل داره واستقتل نفر من
أهل المدينة مع
عثمان ، منهم :
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ،
nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين بن علي ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة . فأرسل إليهم
عثمان يعزم عليهم بالانصراف ، فانصرفوا ، وأقبل
علي ،
وطلحة ،
والزبير ، فدخلوا على
عثمان يعودونه من صرعته ، ويشكون إليه ما يجدون ، وكان عند
عثمان نفر من
بني أمية فيهم
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم ، فقالوا كلهم
لعلي : أهلكتنا وصنعت هذا الصنيع ، والله لئن بلغت الذي تريد لتمرن عليك الدنيا ! فقام مغضبا وعاد هو والجماعة إلى منازلهم . وصلى
عثمان بالناس بعدما نزلوا به في المسجد ثلاثين يوما ، ثم منعوه الصلاة ، وصلى بالناس أميرهم
الغافقي ، وتفرق
أهل المدينة في حيطانهم ولزموا بيوتهم لا يجلس أحد ولا يخرج إلا بسيفه ليتمنع به ، وكان الحصار أربعين يوما ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح .
وقد قيل : إن
محمد بن أبي بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16891ومحمد بن أبي حذيفة كانا
بمصر يحرضان على
عثمان ، وسار
محمد بن أبي بكر مع من سار إلى
عثمان ، وأقام
ابن أبي حذيفة بمصر وغلب عليها لما سار عنها
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد ، على ما يأتي . فلما خرج
المصريون إلى قصد
عثمان أظهروا أنهم يريدون العمرة وخرجوا في رجب وعليهم
عبد الرحمن بن عديس [ ص: 532 ] البلوي ، وبعث
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد رسولا إلى
عثمان يخبره بحالهم ، وأنهم قد أظهروا العمرة وقصدهم خلعه أو قتله ، فخطب
عثمان الناس وأعلمهم حالهم ، وقال لهم : إنهم قد أسرعوا إلى الفتنة واستطالوا عمري ، والله لئن فارقتهم ليتمنون أن عمري كان عليهم مكان كل يوم سنة مما يرون من الدماء المسفوكة والإحن والأثرة الظاهرة والأحكام المغيرة .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد قد خرج إلى
عثمان في آثار
المصريين بإذنه له ، فلما كان
بأيلة بلغه أن
المصريين رجعوا إلى
عثمان فحصروه ، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=16891محمد بن أبي حذيفة غلب على
مصر واستجابوا له ، فعاد
عبد الله إلى
مصر فمنع عنها ، فأتى
فلسطين فأقام بها حتى قتل
عثمان .
فلما نزل القوم
ذا خشب يريدون قتل
عثمان إن لم ينزع عما يكرهون ، ولما رأى
عثمان ذلك جاء إلى
علي فدخل عليه بيته فقال له : يا ابن عم ، إن قرابتي قريبة ولي عليك حق عظيم ، وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي ، ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك ، وأحب أن تركب إليهم فتردهم عني ، فإن في دخولهم علي توهينا لأمري وجرأة علي ! فقال
علي : على أي شيء أردهم عنك ؟ قال : على أن أصير إلى ما أشرت إليه ورأيته لي . فقال
علي : إني قد كلمتك مرة بعد أخرى ، فكل ذلك نخرج ونقول ثم ترجع عنه ، وهذا من فعل
مروان ،
وابن عامر ،
ومعاوية ،
nindex.php?page=showalam&ids=16436وعبد الله بن سعد ، فإنك أطعتهم وعصيتني . قال
عثمان : فأنا أعصيهم وأطيعك .
فأمر الناس فركب معه من
المهاجرين والأنصار ثلاثون رجلا فيهم
nindex.php?page=showalam&ids=85سعيد بن زيد ،
وأبو جهم العدوي ،
nindex.php?page=showalam&ids=67وجبير بن مطعم ،
nindex.php?page=showalam&ids=137وحكيم بن حزام ،
ومروان nindex.php?page=showalam&ids=74وسعيد بن العاص ،
وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، ومن
الأنصار nindex.php?page=showalam&ids=45أبو أسيد الساعدي ،
وأبو حميد ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=144وحسان بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=331وكعب بن مالك ، ومن
العرب نيار بن مكرز ، فأتوا
المصريين فكلموهم ، وكان الذي يكلمهم
علي ومحمد بن مسلمة ، فسمعوا مقالتهم ورجعوا إلى
مصر . فقال
ابن عديس nindex.php?page=showalam&ids=17024لمحمد بن مسلمة : أتوصينا بحاجة ؟ قال : نعم ، تتقي الله وترد من قبلك عن إمامهم ، فإنه قد وعدنا أن يرجع وينزع . قال
ابن عديس : أفعل إن شاء الله . ورجع
علي ومن معه إلى
المدينة ، فدخل على
عثمان فأخبره برجوعهم وكلمه بما في نفسه ، ثم خرج من عنده ، فمكث
عثمان ذلك اليوم ، وجاءه
مروان بكرة الغد فقال له :
[ ص: 533 ] تكلم وأعلم الناس أن
أهل مصر قد رجعوا ، وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا قبل أن يجيء الناس إليك من أمصارهم ويأتيك ما لا تستطيع دفعه . ففعل
عثمان ، فلما خطب الناس قال له
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص : اتق الله يا
عثمان ، فإنك قد ركبت أمورا وركبناها معك ، فتب إلى الله نتب . فناداه
عثمان : وإنك هنالك يا
ابن النابغة ! قملت والله جبتك منذ عزلتك عن العمل ! فنودي من ناحية أخرى : تب إلى الله . فرفع يديه وقال : اللهم إني أول تائب !
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص إلى منزله
بفلسطين ، وكان يقول : والله إني كنت لألقى الراعي فأحرضه على
عثمان . وأتى
عليا وطلحة والزبير فحرضهم على
عثمان ، ( فبينما هو بقصره
بفلسطين ومعه ابناه
محمد وعبد الله ،
وسلامة بن روح الجذامي إذ مر به راكب من
المدينة ، فسأله
عمرو عن
عثمان ، فقال : هو محصور . قال
عمرو : أنا
أبو عبد الله ، قد يضرط العير والمكواة في النار . ثم مر به راكب آخر فسأله فقال : قتل
عثمان . فقال
عمرو : أنا
أبو عبد الله ، إذا حككت قرحة نكأتها . فقال له
سلامة بن روح : يا معشر
قريش كان بينكم وبين
العرب باب فكسرتموه ! فقال : أردنا أن نخرج الحق من خاصرة الباطل ليكون الناس في الحق شرعا سواء ) .
وقيل : إن
عليا لما رجع من عند
المصريين بعد رجوعهم إلى
عثمان قال له : تكلم كلاما يسمعه الناس منك ويشهدون عليك ، ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والأمانة ، فإن البلاد قد تمخضت عليك ، فلا آمن أن يجيء ركب آخر من
الكوفة والبصرة فتقول : يا
علي اركب إليهم ، فإن لم أفعل رأيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك . فخرج
عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة وقال : أنا أول من اتعظ ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه ، فمثلي نزع وتاب ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا في رأيهم ، فوالله لئن ردني الحق عبدا لأستنن بسنة العبد ولأذلن ذل العبد ، وما عن الله مذهب إلا إليه ، فوالله لأعطينكم الرضا ولأنحين
مروان وذويه ، ولا أحتجب عنكم ! فرق الناس وبكوا حتى أخضلوا لحاهم وبكى هو أيضا .
فلما نزل
عثمان وجد
مروان وسعيدا ونفرا من
بني أمية في منزله لم يكونوا شهدوا
[ ص: 534 ] خطبته ، فلما جلس قال
مروان : يا أمير المؤمنين أتكلم أم أسكت ؟ فقالت
نائلة بنت الفرافصة امرأة
عثمان : لا بل اصمت فإنهم والله قاتلوه ومؤثموه ، إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها . فقال لها
مروان : ما أنت وذاك ! فوالله قد مات أبوك وما يحسن يتوضأ ! فقالت : مهلا يا
مروان عن ذكر ( الآباء ! تخبر ) عن أبي وهو غائب تكذب عليه ، وإن أباك لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ؟ أما والله لولا أنه عمه . ( وأنه يناله غمه ) لأخبرتك عنه ما لن أكذب عليه . قالت : فأعرض عنها
مروان ، فقال : يا أمير المؤمنين أتكلم أم أسكت ؟ قال : تكلم . فقال
مروان : بأبي أنت وأمي ، والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع فكنت أول من رضي بها وأعان عليها ، ولكنك قلت ما قلت وقد بلغ الحزام الطبيين وخلف السيل الزبى ، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل ، والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها أجمل من توبة يخوف عليها ، وأنت إن شئت تقربت بالتوبة ولم تقر بالخطيئة ، وقد اجتمع بالباب أمثال الجبال من الناس . فقال
عثمان : فاخرج إليهم فكلمهم فإني أستحيي أن أكلمهم . فخرج
مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا ، فقال : ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب ؟ شاهت الوجوه ! ألا من أريد ؟ جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا ! اخرجوا عنا ، والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم . ارجعوا إلى منازلكم فإنا والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا . فرجع الناس وأتى بعضهم عليا فأخبره الخبر .
فأقبل
علي على
عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فقال : أحضرت خطبة
عثمان ؟ قال : نعم . قال : أفحضرت مقالة
مروان للناس ؟ قال : نعم . فقال
علي : أي عباد الله ! يا للمسلمين ! إني إن قعدت في بيتي قال لي : تركتني وقرابتي وحقي ، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به
مروان فصار سيقة له يسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقام مغضبا حتى دخل على
عثمان فقال له : أما رضيت من
مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به ؟
[ ص: 535 ] والله ما
مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه ! وايم الله إني لأراه يوردك ولا يصدرك ! وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك ، أذهبت شرفك وغلبت على رأيك .
( فلما خرج
علي دخلت عليه امرأته
نائلة ابنة الفرافصة فقالت : قد سمعت قول
علي وليس يعاودك ، وقد أطعت
مروان يقودك حيث شاء . قال : فما أصنع ؟ قالت : تتقي الله وتتبع سنة صاحبيك ، فإنك متى أطعت
مروان قتلك ،
ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة ، وإنما تركك الناس لمكانه ، فأرسل إلى
علي فاستصلحه فإن له قرابة وهو لا يعصى . فأرسل
عثمان إلى
علي فلم يأته وقال : قد أعلمته أني غير عائد . فبلغ
مروان مقالة
نائلة فيه ، فجلس بين يدي
عثمان فقال : يا
ابنة الفرافصة ! فقال
عثمان : لا تذكرنها بحرف فأسود وجهك ، فهي والله أنصح لي ! فكف
مروان ) .
وأتى
عثمان إلى
علي بمنزله ليلا وقال له : إني غير عائد ، وإني فاعل . فقال له
علي : بعدما تكلمت على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأعطيت من نفسك ، ثم دخلت بيتك فخرج
مروان إلى الناس يشتمهم على بابك ويؤذيهم . فخرج
عثمان من عنده وهو يقول : خذلتني وجرأت الناس علي . فقال
علي : والله إني لأكثر الناس ذبا عنك ، ولكني كلما جئت بشيء أظنه لك رضا جاء
مروان بأخرى فسمعت قوله وتركت قولي .
ولم يعد
علي يعمل ما كان يعمل إلى أن منع
عثمان الماء . فقال
علي لطلحة ( أريد أن ) تدخل عليه الروايا ، وغضب غضبا شديدا حتى دخلت الروايا على
عثمان .
قال : وقد قيل إن
عليا كان عند حصر
عثمان بخيبر ، فقدم
المدينة والناس مجتمعون عند
طلحة ، وكان ممن له فيه أثر ، فلما قدم
علي أتاه
عثمان وقال له : أما بعد فإن لي حق الإسلام وحق الإخاء والقرابة والصهر ، ولو لم يكن من ذلك شيء وكنا في الجاهلية لكان عارا على
بني عبد مناف أن ينتزع أخو
بني تيم ، يعني
طلحة أمرهم . فقال له
علي : سيأتيك الخبر ، ثم خرج إلى المسجد فرأى
أسامة فتوكأ على يده حتى دخل دار
طلحة ، وهو [ في ] خلوة من الناس ، فقال له : يا
طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه ؟ فقال يا أبا
[ ص: 536 ] الحسن بعدما مس الحزام الطبيين . فانصرف
علي حتى أتى بيت المال فقال : افتحوه ، فلم يجدوا المفاتيح ، فكسر الباب وأعطى الناس ، فانصرفوا من عند
طلحة حتى بقي وحده ، وسر بذلك
عثمان ، وجاء
طلحة فدخل على
عثمان وقال له : يا أمير المؤمنين أردت أمرا فحال الله بيني وبينه ! فقال
عثمان : والله ما جئت تائبا ، ولكن جئت مغلوبا ، الله حسيبك يا
طلحة !
[ ص: 526 ] 35
ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ
ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=33710_33711مَسِيرِ مَنْ سَارَ إِلَى حَصْرِ عُثْمَانَ قِيلَ : فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَ مَسِيرُ مَنْ سَارَ مِنْ
أَهْلِ مِصْرَ إِلَى
ذِي خُشُبٍ ، وَمَسِيرُ مَنْ سَارَ مِنْ
أَهْلِ الْعِرَاقِ إِلَى
ذِي الْمَرْوَةِ .
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأٍ كَانَ يَهُودِيًّا ، وَأَسْلَمَ أَيَّامَ
عُثْمَانَ ، ثُمَّ تَنَقَّلَ فِي
الْحِجَازِ ثُمَّ
بِالْبَصْرَةِ ثُمَّ
بِالْكُوفَةِ ثُمَّ
بِالشَّامِ يُرِيدُ إِضْلَالَ النَّاسِ ، فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَخْرَجَهُ
أَهْلُ الشَّامِ ، فَأَتَى
مِصْرَ فَأَقَامَ فِيهِمْ وَقَالَ لَهُمْ : الْعَجَبُ مِمَّنْ يُصَدِّقُ أَنَّ
عِيسَى يَرْجِعُ ، وَيُكَذِّبُ أَنَّ
مُحَمَّدًا يَرْجِعُ ، فَوَضَعَ لَهُمُ الرَّجْعَةَ ، فَقُبِلَتْ مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ : إِنَّهُ كَانَ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَصِيٌّ ،
وَعَلِيٌّ وَصِيُّ
مُحَمَّدٍ ، فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ لَمْ يُجِزْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَثَبَ عَلَى وَصِيِّهِ ، وَإِنَّ
عُثْمَانَ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَانْهَضُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ وَابْتَدِءُوا بِالطَّعْنِ عَلَى أُمَرَائِكُمْ ، وَأَظْهِرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ تَسْتَمِيلُوا بِهِ النَّاسَ .
وَبَثَّ دُعَاتَهُ ، وَكَاتَبَ مَنِ اسْتَفْسَدَ فِي الْأَمْصَارِ وَكَاتَبُوهُ ، وَدَعَوْا فِي السِّرِّ إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ رَأْيُهُمْ ، وَصَارُوا يَكْتُبُونَ إِلَى الْأَمْصَارِ بِكُتُبٍ يَضَعُونَهَا فِي عَيْبِ وُلَاتِهِمْ ، وَيَكْتُبُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ مِنْهُمْ إِلَى مِصْرٍ آخَرَ بِمَا يَصْنَعُونَ ، حَتَّى تَنَاوَلُوا بِذَلِكَ الْمَدِينَةَ وَأَوْسَعُوا بِذَلِكَ الْأَرْضَ إِذَاعَةً ، فَيَقُولُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ : إِنَّا لَفِيَ عَافِيَةٍ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ هَؤُلَاءِ ، إِلَّا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ جَاءَهُمْ ذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْأَمْصَارِ ، فَقَالُوا : إِنَّا لَفِيَ عَافِيَةٍ مِمَّا فِيهِ النَّاسُ . فَأَتَوْا
عُثْمَانَ فَقَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَيَأْتِيكَ عَنِ النَّاسِ الَّذِي يَأْتِينَا ؟ فَقَالَ : مَا جَاءَنِي إِلَّا السَّلَامَةُ وَأَنْتُمْ شُرَكَائِي وَشُهُودُ الْمُؤْمِنِينَ ، فَأَشِيرُوا عَلَيَّ . قَالُوا : نُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَبْعَثَ رِجَالًا مِمَّنْ تَثِقُ بِهِمْ إِلَى الْأَمْصَارِ حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْكَ بِأَخْبَارِهِمْ .
فَدَعَا
مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَأَرْسَلَهُ إِلَى
الْكُوفَةِ ، وَأَرْسَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى
الْبَصْرَةِ ،
[ ص: 527 ] وَأَرْسَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=56عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ إِلَى
مِصْرَ ، وَأَرْسَلَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ إِلَى
الشَّامِ ، وَفَرَّقَ رِجَالًا سِوَاهُمْ ، فَرَجَعُوا جَمِيعًا قَبْلَ
عَمَّارٍ فَقَالُوا : مَا أَنْكَرْنَا شَيْئًا أَيُّهَا النَّاسُ وَلَا أَنْكَرَهُ أَعْلَامُ الْمُسْلِمِينَ وَلَا عَوَامُّهُمْ . وَتَأَخَّرَ
عَمَّارٌ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدِ اغْتِيلَ ، فَوَصَلَ كِتَابٌ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَذْكُرُ أَنَّ
عَمَّارًا قَدِ اسْتَمَالَهُ قَوْمٌ وَانْقَطَعُوا إِلَيْهِ ، مِنْهُمْ :
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّوْدَاءِ ،
وَخَالِدُ بْنُ مُلْجَمٍ ،
وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانَ ،
وَكِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ .
فَكَتَبَ
عُثْمَانُ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ : [ أَمَّا بَعْدُ ] فَإِنِّي آخِذٌ عُمَّالِي بِمُوَافَاتِي كُلَّ مَوْسِمٍ ، وَقَدْ رَفَعَ إِلَيَّ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّ أَقْوَامًا يُشْتَمُونَ وَيُضْرَبُونَ ، فَمَنِ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلْيُوَافِ الْمَوْسِمَ يَأْخُذْ حَقَّهُ حَيْثُ كَانَ مِنِّي أَوْ مِنْ عُمَّالِي ، أَوْ تَصَّدَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ . فَلَمَّا قُرِئَ فِي الْأَمْصَارِ بَكَى النَّاسُ وَدَعَوْا
لِعُثْمَانَ . وَبَعَثَ إِلَى عُمَّالِ الْأَمْصَارِ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ :
nindex.php?page=showalam&ids=16447عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16436وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدٍ ،
وَمُعَاوِيَةَ ، وَأَدْخَلَ مَعَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=74سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَمْرًا ، فَقَالَ : وَيْحَكُمُ مَا هَذِهِ الشِّكَايَةُ وَالْإِذَاعَةُ ؟ إِنِّي وَاللَّهِ لَخَائِفٌ أَنْ تَكُونُوا مَصْدُوقًا عَلَيْكُمْ وَمَا يُعْصَبُ هَذَا إِلَّا بِي ! فَقَالُوا لَهُ : أَلَمْ تَبْعَثْ ؟ أَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْكَ الْخَبَرُ عَنِ الْعَوَامِّ ؟ أَلَمْ يَرْجِعْ رُسُلُكَ وَلَمْ يُشَافِهْهُمْ أَحَدٌ بِشَيْءٍ ؟ وَاللَّهِ مَا صَدَقُوا وَلَا بَرُّوا وَلَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَصْلًا ، وَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ بِهَذِهِ الْإِذَاعَةِ ! فَقَالَ : أَشِيرُوا عَلَيَّ . فَقَالَ
سَعِيدٌ : هَذَا أَمْرٌ مَصْنُوعٌ يُلْقَى فِي السِّرِّ فَيَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ ، وَدَوَاءُ ذَلِكَ طَلَبُ هَؤُلَاءِ وَقَتْلُ الَّذِينَ يَخْرُجُ هَذَا مِنْ عِنْدِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ : خُذْ مِنَ النَّاسِ الَّذِي عَلَيْهِمْ إِذَا أَعْطَيْتُمُ الَّذِي لَهُمْ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ . وَقَالَ
مُعَاوِيَةُ : قَدْ وَلَّيْتَنِي فَوُلِّيتُ قَوْمًا لَا يَأْتِيكَ عَنْهُمْ إِلَّا الْخَيْرُ ، وَالرَّجُلَانِ أَعْلَمُ بِنَاحِيَتَيْهِمَا ، وَالرَّأْيُ حُسْنُ الْأَدَبِ . وَقَالَ
عَمْرٌو : أَرَى أَنَّكَ قَدْ لِنْتَ لَهُمْ وَرَخَيْتَ عَلَيْهِمْ وَزِدْتَهُمْ عَلَى مَا كَانَ يَصْنَعُ
عُمَرُ ، فَأَرَى أَنْ تَلْزَمَ طَرِيقَةَ صَاحِبَيْكَ فَتَشْتَدَّ فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ ، وَتَلِينَ فِي مَوْضِعِ اللِّينِ .
فَقَالَ
عُثْمَانُ : قَدْ سَمِعْتُ كُلَّ مَا أَشَرْتُمْ بِهِ عَلَيَّ ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ بَابٌ يُؤْتَى مِنْهُ ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي يُخَافُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ كَائِنٌ ، وَإِنَّ بَابَهُ الَّذِي يُغْلَقُ عَلَيْهِ لَيُفْتَحَنَّ فَنُكَفْكِفُهُ بِاللِّينِ وَالْمُؤَاتَاةِ إِلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ ، فَإِنْ فُتِحَ فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ عَلَيَّ حُجَّةُ حَقٍّ ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنِّي لَمْ آلُ النَّاسَ خَيْرًا ، وَإِنَّ رَحَى الْفِتْنَةِ لَدَائِرَةٌ ، فَطُوبَى
لِعُثْمَانَ إِنْ مَاتَ وَلَمْ يُحَرِّكْهَا . سَكِّنُوا النَّاسَ وَهَبُوا لَهُمْ حُقُوقَهُمْ ، فَإِذَا تُعُوطِيَتْ حُقُوقُ اللَّهِ فَلَا تُدْهِنُوا فِيهَا . فَلَمَّا نَفَرَ
عُثْمَانُ وَشَخَصَ
مُعَاوِيَةُ وَالْأُمَرَاءُ مَعَهُ وَاسْتَقَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ رَجَزَ بِهِ الْحَادِي فَقَالَ :
[ ص: 528 ] قَدْ عَلِمَتْ ضَوَامِرُ الْمَطِيُّ وَضُمَّرَاتُ عُوَّجِ الْقِسِيِّ أَنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ عَلِيٌّ
وَفِي الزُّبَيْرِ خَلَفٌ رَضِيٌّ [ وَطَلْحَةُ الْحَامِي لَهَا وَلِيٌّ
]
فَقَالَ
كَعْبٌ : كَذَبْتَ بَلْ يَلِي بَعْدَهُ صَاحِبُ الْبَغْلَةِ الشَّهْبَاءِ - يَعْنِي
مُعَاوِيَةَ - فَطَمِعَ فِيهَا مِنْ يَوْمِئِذٍ .
فَلَمَّا قَدِمَ
عُثْمَانُ الْمَدِينَةَ دَعَا
عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعِنْدَهُ
مُعَاوِيَةُ ، فَحَمِدَ اللَّهَ
مُعَاوِيَةُ ثُمَّ قَالَ : أَنْتُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلَفِهِ وَوُلَاةُ أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، لَا يَطْمَعُ فِيهِ أَحَدٌ غَيْرَكُمْ ، اخْتَرْتُمْ صَاحِبَكُمْ عَنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ وَلَا طَمَعٍ ، وَقَدْ كَبُرَ وَوَلَّى عُمْرُهُ ، وَلَوِ انْتَظَرْتُمْ بِهِ الْهَرَمَ لَكَانَ قَرِيبًا ، مَعَ أَنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ أَنْ يَبْلُغَهُ ذَلِكَ ، وَقَدْ فَشَتْ مَقَالَةٌ خِفْتُهَا عَلَيْكُمْ فَمَا عَتَبْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَهَذِهِ يَدِي لَكُمْ بِهِ ، وَلَا تُطْمِعُوا النَّاسَ فِي أَمْرِكُمْ ، فَوَاللَّهِ إِنْ طَمِعُوا فِيهِ لَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا أَبَدًا إِلَّا إِدْبَارًا .
قَالَ
عَلِيٌّ : مَا لَكَ وَلِذَلِكَ لَا أُمَّ لَكَ ؟ قَالَ : دَعْ أُمِّي فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرِّ أُمَّهَاتِكُمْ ، قَدْ أَسْلَمَتْ وَبَايَعَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجِبْنِي عَمَّا أَقُولُ لَكَ . فَقَالَ
عُثْمَانُ : صَدَقَ ابْنُ أَخِي ، أَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنِّي وَعَمَّا وُلِّيتُ ، إِنَّ صَاحِبَيَّ اللَّذَيْنِ كَانَا قَبْلِي ظَلَمَا أَنْفُسَهُمَا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا بِسَبِيلٍ احْتِسَابًا ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعْطِي قَرَابَتَهُ وَأَنَا فِي رَهْطٍ أَهْلِ عَيْلَةٍ وَقِلَّةِ مَعَاشٍ ، فَبَسَطْتُ يَدِي فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِمَا أَقُومُ بِهِ فِيهِ ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ خَطَأً فَرُدُّوهُ فَأَمْرِي لِأَمْرِكُمْ تَبَعٌ . فَقَالُوا : قَدْ أَصَبْتَ وَأَحْسَنْتَ ، قَدْ أَعْطَيْتَ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ خَمْسِينَ أَلْفًا ، وَأَعْطَيْتَ
مَرْوَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا . فَأُخِذَ مِنْهُمَا ذَلِكَ ، فَرَضُوا وَخَرَجُوا رَاضِينَ .
وَقَالَ
مُعَاوِيَةُ لِعُثْمَانَ : اخْرُجْ مَعِي إِلَى
الشَّامِ فَإِنَّهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ قَبْلَ أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْكَ مَنْ لَا قِبَلَ لَكَ بِهِ . فَقَالَ : لَا أَبِيعُ جِوَارَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خَيْطُ عُنُقِي . قَالَ : فَإِنْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ جُنْدًا مِنْهُمْ يُقِيمُ مَعَكَ لِنَائِبَةٍ إِنْ نَابَتْ ؟ قَالَ : لَا أُضَيِّقُ عَلَى جِيرَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَقَالَ : وَاللَّهِ لَتُغْتَالَنَّ وَلَتُغْزَيَنَّ ! فَقَالَ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ !
ثُمَّ خَرَجَ
مُعَاوِيَةُ فَمَرَّ عَلَى نَفَرٍ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ
عَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُ
[ ص: 529 ] السَّفَرِ ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ : إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ النَّاسُ يَتَغَالَبُونَ عَلَيْهِ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانُوا يَتَفَاضَلُونَ بِالسَّابِقَةِ وَالْقُدْمَةِ وَالِاجْتِهَادِ ، فَإِنْ أَخَذُوا بِذَلِكَ فَالْأَمْرُ أَمْرُهُمْ وَالنَّاسُ لَهُمْ تَبَعٌ ، وَإِنْ طَلَبُوا الدُّنْيَا بِالتَّغَالُبِ سُلِبُوا ذَلِكَ وَرَدَّهُ اللَّهُ إِلَى غَيْرِهِمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى الْبَدَلِ لَقَادِرٌ ، وَإِنِّي قَدْ خَلَفْتُ فِيكُمْ شَيْخًا فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَيْرًا وَكَانِفُوهُ تَكُونُوا أَسْعَدَ مِنْهُ بِذَلِكَ . ثُمَّ وَدَّعَهُمْ وَمَضَى . فَقَالَ
عَلِيٌّ : [ مَا ] كُنْتُ أَرَى فِي هَذَا خَيْرًا . فَقَالَ
الزُّبَيْرُ : وَاللَّهِ مَا كَانَ قَطُّ أَعْظَمَ فِي صَدْرِكَ وَصُدُورِنَا مِنْهُ الْيَوْمَ .
وَاتَّعَدَ الْمُنْحَرِفُونَ عَنْ
عُثْمَانَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ بِالْأَمْصَارِ جَمِيعًا إِذَا سَارَ عَنْهَا الْأُمَرَاءُ ، فَلَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَلَمَّا رَجَعَ الْأُمَرَاءُ وَلَمْ يَتِمَّ لَهُمُ الْوُثُوبُ صَارُوا يُكَاتِبُونَ فِي الْقُدُومِ إِلَى الْمَدِينَةِ ، لِيَنْظُرُوا فِيمَا يُرِيدُونَ وَيَسْأَلُوا
عُثْمَانَ عَنْ أَشْيَاءَ لِتَطِيرَ فِي النَّاسِ . وَكَانَ
بِمِصْرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16891وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ يُحَرِّضَانِ عَلَى
عُثْمَانَ .
فَلَمَّا خَرَجَ الْمِصْرِيُّونَ خَرَجَ فِيهِمْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ الْبَلَوِيُّ فِي خَمْسِمِائَةٍ ، وَقِيلَ : فِي أَلْفٍ ، وَفِيهِمْ
كِنَانَةُ بْنُ بِشْرٍ اللَّيْثِيُّ ،
وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانَ السَّكُونِيُّ ،
وَقُتَيْرَةُ بْنُ فُلَانٍ السَّكُونِيُّ ، وَعَلَيْهِمْ جَمِيعًا
الْغَافِقِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْعَكِّيُّ ، وَخَرَجَ
أَهْلُ الْكُوفَةِ وَفِيهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=3254زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ الْعَبْدِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13707وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ ،
وَزِيَادُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَصَمِّ الْعَامِرِيُّ ، وَهُمْ فِي عِدَادِ
أَهْلِ مِصْرَ ، وَخَرَجَ
أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِيهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=2316حُكَيْمُ بْنُ جَبَلَةَ الْعَبْدِيُّ ،
وَذُرَيْحُ بْنُ عَبَّادٍ ، وَبِشْرُ بْنُ شُرَيْحٍ الْقَيْسِيُّ ،
وَابْنُ الْمُحْتَرِشِ ، وَهُمْ بِعِدَادِ
أَهْلِ مِصْرَ ، وَأَمِيرُهُمْ
حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ السَّعْدِيُّ ، فَخَرَجُوا جَمِيعًا فِي شَوَّالٍ وَأَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْحَجَّ ، فَلَمَّا كَانُوا مِنَ
الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثٍ ، تَقَدَّمَ نَاسٌ مِنْ
أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَنَزَلُوا ذَا خُشُبٍ ، وَكَانَ هَوَاهُمْ فِي
طَلْحَةَ ، وَتَقَدَّمَ نَاسٌ مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَكَانَ هَوَاهُمْ فِي
الزُّبَيْرِ ، وَتَرَكُوا
الْأَعْوَصَ ، وَجَاءَهُمْ نَاسٌ مِنْ
أَهْلِ مِصْرَ ، وَكَانَ هَوَاهُمْ فِي
عَلِيٍّ ، وَنَزَلُوا عَامَّتُهُمْ
بِذِي الْمَرْوَةِ ، وَمَشَى فِيمَا بَيْنَ
أَهْلِ مِصْرَ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ زِيَادُ بْنُ النَّضْرِ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَصَمِّ وَقَالَا لَهُمْ : لَا تَعْجَلُوا حَتَّى نَدْخُلَ
الْمَدِينَةَ وَنَرْتَادَ لَكُمْ ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ عَسْكَرُوا لَنَا ، فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا وَاسْتَحَلُّوا قِتَالَنَا بَعْدَ عِلْمِ حَالِنَا إِنَّ أَمْرَنَا لَبَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَلَغَنَا بَاطِلًا رَجَعْنَا إِلَيْكُمْ بِالْخَبَرِ . قَالُوا : اذْهَبَا . فَذَهَبَا فَدَخَلَا الْمَدِينَةَ فَلَقِيَا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ،
وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ ، فَقَالَا : إِنَّمَا نُرِيدُ هَذَا الْبَيْتَ وَنَسْتَعْفِي مِنْ بَعْضِ عُمَّالِنَا ، وَاسْتَأْذَنَاهُمْ فِي الدُّخُولِ ،
[ ص: 530 ] فَكَلَّمَهُمَا أُبَيٌّ وَنَهَاهُمَا ، فَرَجَعَا إِلَى أَصْحَابِهِمَا . فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ
أَهْلِ مِصْرَ فَأَتَوْا
عَلِيًّا ، وَنَفَرٌ مِنْ
أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَأَتَوْا
طَلْحَةَ ، وَنَفَرٌ مِنْ
أَهْلِ الْكُوفَةِ فَأَتَوُا
الزُّبَيْرَ ، وَقَالَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ : إِنْ بَايَعْنَا صَاحِبَنَا وَإِلَّا كَذَبْنَاهُمْ وَفَرَّقْنَا جَمَاعَتَهُمْ ، ثُمَّ رَجَعْنَا عَلَيْهِمْ حَتَّى نُبْغِتَهُمْ . فَأَتَى
الْمِصْرِيُّونَ عَلِيًّا وَهُوَ فِي عَسْكَرٍ عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ مُتَقَلِّدًا سَيْفَهُ ، وَقَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ
الْحَسَنَ إِلَى
عُثْمَانَ فِيمَنِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَرَضُوا عَلَيْهِ ، فَصَاحَ بِهِمْ وَطَرَدَهُمْ وَقَالَ : لَقَدْ عَلِمَ الصَّالِحُونَ أَنَّ جَيْشَ
ذِي الْمَرْوَةِ وَجَيْشَ
ذِي خُشُبٍ وَالْأَعْوَصِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْصَرَفُوا عَنْهُ . وَأَتَى
الْبَصْرِيُّونَ طَلْحَةَ فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَيْهِ إِلَى
عُثْمَانَ ، وَأَتَى
الْكُوفِيُّونَ الزُّبَيْرَ فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ ابْنَهُ
عَبْدَ اللَّهِ إِلَى
عُثْمَانَ .
فَرَجَعُوا وَتَفَرَّقُوا عَنْ
ذِي خُشُبٍ وَذِي الْمَرْوَةِ وَالْأَعْوَصِ إِلَى عَسْكَرِهِمْ لِيَتَفَرَّقَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ . فَلَمَّا بَلَغُوا عَسْكَرَهُمْ تَفَرَّقَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، فَرَجَعُوا بِهِمْ ، فَلَمْ يَشْعُرْ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَّا وَالتَّكْبِيرُ فِي نَوَاحِيهَا ، وَنَزَلُوهَا وَأَحَاطُوا
بِعُثْمَانَ وَقَالُوا : مَنْ كَفَّ يَدَهُ فَهُوَ آمِنٌ . وَصَلَّى
عُثْمَانُ بِالنَّاسِ أَيَّامًا ، وَلَزِمَ النَّاسُ بُيُوتَهُمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا النَّاسَ مِنْ كَلَامِهِ ، وَأَتَاهُمْ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَفِيهِمْ عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُمْ : مَا رَدَّكُمْ بَعْدَ ذَهَابِكُمْ ؟ فَقَالُوا : أَخَذْنَا مَعَ بَرِيدٍ كِتَابًا بِقَتْلِنَا . وَأَتَى
طَلْحَةُ الْكُوفِيِّينَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ عَوْدَتِهِمْ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ . وَأَتَى
الزُّبَيْرُ الْبَصْرِيِّينَ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَقُولُ : نَحْنُ نَمْنَعُ إِخْوَانَنَا وَنَنْصُرُهُمْ ، كَأَنَّمَا كَانُوا عَلَى مِيعَادٍ . فَقَالَ لَهُمْ
عَلِيٌّ : كَيْفَ عَلِمْتُمْ يَا
أَهْلَ الْكُوفَةِ وَيَا
أَهْلَ الْبَصْرَةِ بِمَا لَقِيَ
أَهْلُ مِصْرَ وَقَدْ سِرْتُمْ مَرَاحِلَ حَتَّى رَجَعْتُمْ عَلَيْنَا ؟ هَذَا وَاللَّهِ أَمْرٌ أُبْرِمَ بِلَيْلٍ ! فَقَالُوا : ضَعُوهُ كَيْفَ شِئْتُمْ ، لَا حَاجَةَ لَنَا فِي هَذَا الرَّجُلِ - لِيَعْتَزِلْ عَنَّا .
وَعُثْمَانُ يُصَلِّي بِهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ ، وَهُمْ أَدَقُّ فِي عَيْنِهِ مِنَ التُّرَابِ ، وَكَانُوا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ .
وَكَتَبَ
عُثْمَانُ إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ يَسْتَنْجِدُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْحَثِّ لِلْمَنْعِ عَنْهُ ، وَيُعَرِّفُهُمْ مَا النَّاسُ فِيهِ . فَخَرَجَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ عَلَى الصَّعْبِ وَالذَّلُولِ ، فَبَعَثَ
مُعَاوِيَةُ nindex.php?page=showalam&ids=200حَبِيبَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ ، وَبَعَثَ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ nindex.php?page=showalam&ids=8044مُعَاوِيَةَ بْنَ حُدَيْجٍ ، وَخَرَجَ مِنَ
الْكُوفَةِ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو وَقَامَ
بِالْكُوفَةِ نَفَرٌ يَحُضُّونَ عَلَى إِعَانَةِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، مِنْهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=27عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=51وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى ،
وَحَنْظَلَةُ الْكَاتِبُ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنَ التَّابِعِينَ :
مَسْرُوقٌ ،
[ ص: 531 ] وَالْأَسْوَدُ ،
وَشُرَيْحٌ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَكِيمٍ ، وَغَيْرُهُمْ ، وَقَامَ
بِالْبَصْرَةِ :
nindex.php?page=showalam&ids=40عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ،
وَهِشَامُ بْنُ عَامِرٍ ، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ ، وَمِنَ التَّابِعِينَ :
nindex.php?page=showalam&ids=7519كَعْبُ بْنُ سُورٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17234وَهَرِمُ بْنُ حَيَّانَ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَقَامَ
بِالشَّامِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكَذَلِكَ
بِمِصْرَ .
وَلَمَّا جَاءَتِ الْجُمُعَةُ الَّتِي عَلَى أَثَرِ دُخُولِهِمُ
الْمَدِينَةَ ، خَرَجَ
عُثْمَانُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ : يَا هَؤُلَاءِ ، اللَّهَ اللَّهَ ! فَوَاللَّهِ إِنَّ
أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَيَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَامْحُوا الْخَطَأَ بِالصَّوَابِ . فَقَامَ
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ : أَنَا أَشْهَدُ بِذَلِكَ ، فَأَقْعَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2316حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ ، وَقَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَأَقْعَدَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قُتَيْرَةَ ، وَثَارَ الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ فَحَصَبُوا النَّاسَ حَتَّى أَخْرَجُوهُمْ مِنَ الْمَسْجِدِ ، وَحَصَبُوا
عُثْمَانَ حَتَّى صُرِعَ عَنِ الْمِنْبَرِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، فَأُدْخِلَ دَارَهُ وَاسْتَقْتَلَ نَفَرٌ مِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَعَ
عُثْمَانَ ، مِنْهُمْ :
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17وَالْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبُو هُرَيْرَةَ . فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ
عُثْمَانُ يَعْزِمُ عَلَيْهِمْ بِالِانْصِرَافِ ، فَانْصَرَفُوا ، وَأَقْبَلَ
عَلِيٌّ ،
وَطَلْحَةُ ،
وَالزُّبَيْرُ ، فَدَخَلُوا عَلَى
عُثْمَانَ يَعُودُونَهُ مِنْ صَرْعَتِهِ ، وَيَشْكُونَ إِلَيْهِ مَا يَجِدُونَ ، وَكَانَ عِنْدَ
عُثْمَانَ نَفَرٌ مِنْ
بَنِي أُمَيَّةَ فِيهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=17065مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ ، فَقَالُوا كُلُّهُمْ
لِعَلِيٍّ : أَهْلَكْتَنَا وَصَنَعْتَ هَذَا الصَّنِيعَ ، وَاللَّهِ لَئِنْ بَلَغْتَ الَّذِي تُرِيدُ لَتَمُرَّنَ عَلَيْكَ الدُّنْيَا ! فَقَامَ مُغْضَبًا وَعَادَ هُوَ وَالْجَمَاعَةُ إِلَى مَنَازِلِهِمْ . وَصَلَّى
عُثْمَانُ بِالنَّاسِ بَعْدَمَا نَزَلُوا بِهِ فِي الْمَسْجِدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ مَنَعُوهُ الصَّلَاةَ ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ أَمِيرُهُمُ
الْغَافِقِيُّ ، وَتَفَرَّقَ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي حِيطَانِهِمْ وَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ لَا يَجْلِسُ أَحَدٌ وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا بِسَيْفِهِ لِيَتَمَنَّعَ بِهِ ، وَكَانَ الْحِصَارُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَمَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ وَضَعُوا فِيهِ السِّلَاحَ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ
مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16891وَمُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَا
بِمِصْرَ يُحَرِّضَانِ عَلَى
عُثْمَانَ ، وَسَارَ
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ مَنْ سَارَ إِلَى
عُثْمَانَ ، وَأَقَامَ
ابْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بِمِصْرَ وَغَلَبَ عَلَيْهَا لَمَّا سَارَ عَنْهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ ، عَلَى مَا يَأْتِي . فَلَمَّا خَرَجَ
الْمِصْرِيُّونَ إِلَى قَصْدِ
عُثْمَانَ أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْعُمْرَةَ وَخَرَجُوا فِي رَجَبٍ وَعَلَيْهِمْ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ [ ص: 532 ] الْبَلَوِيُّ ، وَبَعَثَ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ رَسُولًا إِلَى
عُثْمَانَ يُخْبِرُهُ بِحَالِهِمْ ، وَأَنَّهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا الْعُمْرَةَ وَقَصْدُهُمْ خَلْعُهُ أَوْ قَتْلُهُ ، فَخَطَبَ
عُثْمَانُ النَّاسَ وَأَعْلَمَهُمْ حَالَهُمْ ، وَقَالَ لَهُمْ : إِنَّهُمْ قَدْ أَسْرَعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ وَاسْتَطَالُوا عُمْرِي ، وَاللَّهِ لَئِنْ فَارَقْتُهُمْ لِيَتَمَنَّوْنَ أَنَّ عُمْرِي كَانَ عَلَيْهِمْ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ سَنَةً مِمَّا يَرَوْنَ مِنَ الدِّمَاءِ الْمَسْفُوكَةِ وَالْإِحَنِ وَالْأَثَرَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَحْكَامِ الْمُغَيَّرَةِ .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=16436عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ قَدْ خَرَجَ إِلَى
عُثْمَانَ فِي آثَارِ
الْمِصْرِيِّينَ بِإِذْنِهِ لَهُ ، فَلَمَّا كَانَ
بِأَيْلَةَ بَلَغَهُ أَنَّ
الْمِصْرِيِّينَ رَجَعُوا إِلَى
عُثْمَانَ فَحَصَرُوهُ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16891مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ غَلَبَ عَلَى
مِصْرَ وَاسْتَجَابُوا لَهُ ، فَعَادَ
عَبْدُ اللَّهِ إِلَى
مِصْرَ فَمُنِعَ عَنْهَا ، فَأَتَى
فِلَسْطِينَ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى قُتِلَ
عُثْمَانُ .
فَلَمَّا نَزَلَ الْقَوْمُ
ذَا خُشُبٍ يُرِيدُونَ قَتْلَ
عُثْمَانَ إِنْ لَمْ يَنْزِعْ عَمَّا يَكْرَهُونَ ، وَلَمَّا رَأَى
عُثْمَانُ ذَلِكَ جَاءَ إِلَى
عَلِيٍّ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ عَمِّ ، إِنَّ قَرَابَتِي قَرِيبَةٌ وَلِي عَلَيْكَ حَقٌّ عَظِيمٌ ، وَقَدْ جَاءَ مَا تَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ وَهُمْ مُصَبِّحِيَّ ، وَلَكَ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْكَ ، وَأُحِبُّ أَنْ تَرْكَبَ إِلَيْهِمْ فَتَرُدَّهُمْ عَنِّي ، فَإِنَّ فِي دُخُولِهِمْ عَلَيَّ تَوْهِينًا لِأَمْرِي وَجُرْأَةً عَلَيَّ ! فَقَالَ
عَلِيٌّ : عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَرُدُّهُمْ عَنْكَ ؟ قَالَ : عَلَى أَنْ أَصِيرَ إِلَى مَا أَشَرْتَ إِلَيْهِ وَرَأَيْتَهُ لِي . فَقَالَ
عَلِيٌّ : إِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ، فَكُلُّ ذَلِكَ نَخْرُجُ وَنَقُولُ ثُمَّ تَرْجِعُ عَنْهُ ، وَهَذَا مِنْ فِعْلِ
مَرْوَانَ ،
وَابْنِ عَامِرٍ ،
وَمُعَاوِيَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16436وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ ، فَإِنَّكَ أَطَعْتَهُمْ وَعَصَيْتَنِي . قَالَ
عُثْمَانُ : فَأَنَا أَعْصِيهِمْ وَأُطِيعُكَ .
فَأَمَرَ النَّاسَ فَرَكِبَ مَعَهُ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ثَلَاثُونَ رَجُلًا فِيهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=85سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ،
وَأَبُو جَهْمٍ الْعَدَوِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=67وَجَبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=137وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ،
وَمَرْوَانُ nindex.php?page=showalam&ids=74وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ ، وَمِنَ
الْأَنْصَارِ nindex.php?page=showalam&ids=45أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ ،
وَأَبُو حُمَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=144وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=331وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، وَمِنَ
الْعَرَبِ نِيَارُ بْنُ مِكْرَزٍ ، فَأَتَوُا
الْمِصْرِيِّينَ فَكَلَّمُوهُمْ ، وَكَانَ الَّذِي يُكَلِّمُهُمْ
عَلِيٌّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، فَسَمِعُوا مَقَالَتَهُمْ وَرَجَعُوا إِلَى
مِصْرَ . فَقَالَ
ابْنُ عُدَيْسٍ nindex.php?page=showalam&ids=17024لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ : أَتُوصِينَا بِحَاجَةٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، تَتَّقِي اللَّهَ وَتَرُدُّ مَنْ قِبَلَكَ عَنْ إِمَامِهِمْ ، فَإِنَّهُ قَدْ وَعَدَنَا أَنْ يَرْجِعَ وَيَنْزِعَ . قَالَ
ابْنُ عُدَيْسٍ : أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَرَجَعَ
عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، فَدَخَلَ عَلَى
عُثْمَانَ فَأَخْبَرَهُ بِرُجُوعِهِمْ وَكَلَّمَهُ بِمَا فِي نَفْسِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ ، فَمَكَثَ
عُثْمَانُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَجَاءَهُ
مَرْوَانُ بُكْرَةَ الْغَدِ فَقَالَ لَهُ :
[ ص: 533 ] تَكَلَّمْ وَأَعْلِمِ النَّاسَ أَنَّ
أَهْلَ مِصْرَ قَدْ رَجَعُوا ، وَأَنَّ مَا بَلَغَهُمْ عَنْ إِمَامِهِمْ كَانَ بَاطِلًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ النَّاسُ إِلَيْكَ مِنْ أَمْصَارِهِمْ وَيَأْتِيَكَ مَا لَا تَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ . فَفَعَلَ
عُثْمَانُ ، فَلَمَّا خَطَبَ النَّاسَ قَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : اتَّقِ اللَّهَ يَا
عُثْمَانُ ، فَإِنَّكَ قَدْ رَكِبْتَ أُمُورًا وَرَكِبْنَاهَا مَعَكَ ، فَتُبْ إِلَى اللَّهِ نَتُبْ . فَنَادَاهُ
عُثْمَانُ : وَإِنَّكَ هُنَالِكَ يَا
ابْنَ النَّابِغَةِ ! قَمِلَتْ وَاللَّهِ جُبَّتُكَ مُنْذُ عَزَلْتُكَ عَنِ الْعَمَلِ ! فَنُودِيَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى : تُبْ إِلَى اللَّهِ . فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ تَائِبٍ !
وَخَرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى مَنْزِلِهِ
بِفِلَسْطِينَ ، وَكَانَ يَقُولُ : وَاللَّهِ إِنِّي كُنْتُ لَأَلْقَى الرَّاعِيَ فَأُحَرِّضُهُ عَلَى
عُثْمَانَ . وَأَتَى
عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَحَرَّضَهُمْ عَلَى
عُثْمَانَ ، ( فَبَيْنَمَا هُوَ بِقَصْرِهِ
بِفِلَسْطِينَ وَمَعَهُ ابْنَاهُ
مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ ،
وَسَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ الْجِذَامِيُّ إِذْ مَرَّ بِهِ رَاكِبٌ مِنَ
الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلَهُ
عَمْرٌو عَنْ
عُثْمَانَ ، فَقَالَ : هُوَ مَحْصُورٌ . قَالَ
عَمْرٌو : أَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، قَدْ يَضْرِطُ الْعِيرُ وَالْمِكْوَاةُ فِي النَّارِ . ثُمَّ مَرَّ بِهِ رَاكِبٌ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ : قُتِلَ
عُثْمَانُ . فَقَالَ
عَمْرٌو : أَنَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، إِذَا حَكَكْتُ قُرْحَةً نَكَأْتُهَا . فَقَالَ لَهُ
سَلَامَةُ بْنُ رَوْحٍ : يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ
الْعَرَبِ بَابٌ فَكَسَرْتُمُوهُ ! فَقَالَ : أَرَدْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَةِ الْبَاطِلِ لِيَكُونَ النَّاسُ فِي الْحَقِّ شَرَعًا سَوَاءً ) .
وَقِيلَ : إِنَّ
عَلِيًّا لَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ
الْمِصْرِيِّينَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ إِلَى
عُثْمَانَ قَالَ لَهُ : تَكَلَّمْ كَلَامًا يَسْمَعُهُ النَّاسُ مِنْكَ وَيَشْهَدُونَ عَلَيْكَ ، وَيَشْهَدُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي قَلْبِكَ مِنَ النُّزُوعِ وَالْأَمَانَةِ ، فَإِنَّ الْبِلَادَ قَدْ تَمَخَّضَتْ عَلَيْكَ ، فَلَا آمَنُ أَنْ يَجِيءَ رَكْبٌ آخَرُ مِنَ
الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ فَتَقُولَ : يَا
عَلِيُّ ارْكَبْ إِلَيْهِمْ ، فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ رَأَيْتَنِي قَدْ قَطَعْتُ رَحِمَكَ وَاسْتَخْفَفْتُ بِحَقِّكَ . فَخَرَجَ
عُثْمَانُ فَخَطَبَ الْخُطْبَةَ الَّتِي نَزَعَ فِيهَا وَأَعْطَى النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ التَّوْبَةَ وَقَالَ : أَنَا أَوَّلُ مَنِ اتَّعَظَ ، أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِمَّا فَعَلْتُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ ، فَمِثْلِي نَزَعَ وَتَابَ ، فَإِذَا نَزَلْتُ فَلْيَأْتِنِي أَشْرَافُكُمْ فَلْيَرَوْا فِيَّ رَأْيَهُمْ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَدَّنِي الْحَقُّ عَبْدًا لَأَسْتَنَّنَّ بِسُنَّةِ الْعَبْدِ وَلَأَذِلَّنَّ ذُلَّ الْعَبْدِ ، وَمَا عَنِ اللَّهِ مَذْهَبٌ إِلَّا إِلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكُمُ الرِّضَا وَلَأُنَحِّيَنَّ
مَرْوَانَ وَذَوِيهِ ، وَلَا أَحْتَجِبُ عَنْكُمْ ! فَرَقَّ النَّاسُ وَبَكَوْا حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَبَكَى هُوَ أَيْضًا .
فَلَمَّا نَزَلَ
عُثْمَانُ وَجَدَ
مَرْوَانَ وَسَعِيدًا وَنَفَرًا مِنْ
بَنِي أُمَيَّةَ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا
[ ص: 534 ] خُطْبَتَهُ ، فَلَمَّا جَلَسَ قَالَ
مَرْوَانُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَكَلَّمُ أَمْ أَسْكُتُ ؟ فَقَالَتْ
نَائِلَةُ بِنْتُ الْفَرَافِصَةِ امْرَأَةُ
عُثْمَانَ : لَا بَلِ اصْمُتْ فَإِنَّهُمْ وَاللَّهِ قَاتِلُوهُ وَمُؤَثِّمُوهُ ، إِنَّهُ قَدْ قَالَ مَقَالَةً لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْزِعَ عَنْهَا . فَقَالَ لَهَا
مَرْوَانُ : مَا أَنْتِ وَذَاكَ ! فَوَاللَّهِ قَدْ مَاتَ أَبُوكِ وَمَا يُحْسِنُ يَتَوَضَّأُ ! فَقَالَتْ : مَهْلًا يَا
مَرْوَانُ عَنْ ذِكْرِ ( الْآبَاءِ ! تُخْبِرُ ) عَنْ أَبِي وَهُوَ غَائِبٌ تَكْذِبُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّ أَبَاكَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ عَمُّهُ . ( وَأَنَّهُ يَنَالُهُ غَمُّهُ ) لَأَخْبَرْتُكَ عَنْهُ مَا لَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ . قَالَتْ : فَأَعْرَضَ عَنْهَا
مَرْوَانُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَكَلَّمُ أَمْ أَسْكُتُ ؟ قَالَ : تَكَلَّمْ . فَقَالَ
مَرْوَانُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ مَقَالَتَكَ هَذِهِ كَانَتْ وَأَنْتَ مُمْتَنِعٌ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ رَضِيَ بِهَا وَأَعَانَ عَلَيْهَا ، وَلَكِنَّكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَقَدْ بَلَغَ الْحِزَامُ الطِّبْيَيْنِ وَخَلَّفَ السَّيْلُ الزُّبَى ، وَحِينَ أَعْطَى الْخُطَّةَ الذَّلِيلَةَ الذَّلِيلُ ، وَاللَّهِ لَإِقَامَةٌ عَلَى خَطِيئَةٍ يُسْتَغْفَرُ مِنْهَا أَجْمَلُ مِنْ تَوْبَةٍ يُخَوَّفُ عَلَيْهَا ، وَأَنْتَ إِنْ شِئْتَ تَقَرَّبْتَ بِالتَّوْبَةِ وَلَمْ تُقِرَّ بِالْخَطِيئَةِ ، وَقَدِ اجْتَمَعَ بِالْبَابِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ مِنَ النَّاسِ . فَقَالَ
عُثْمَانُ : فَاخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَكَلِّمْهُمْ فَإِنِّي أَسْتَحْيِي أَنْ أُكَلِّمَهُمْ . فَخَرَجَ
مَرْوَانُ إِلَى الْبَابِ وَالنَّاسُ يَرْكَبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ كَأَنَّكُمْ قَدْ جِئْتُمْ لِنَهْبٍ ؟ شَاهَتِ الْوُجُوهُ ! أَلَا مَنْ أُرِيدَ ؟ جِئْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْزِعُوا مُلْكَنَا مِنْ أَيْدِينَا ! اخْرُجُوا عَنَّا ، وَاللَّهِ لَئِنْ رُمْتُمُونَا لَيَمُرَّنَّ عَلَيْكُمْ مِنَّا أَمْرٌ لَا يَسُرُّكُمْ وَلَا تَحْمَدُوا غِبَّ رَأْيِكُمْ . ارْجِعُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ فَإِنَّا وَاللَّهِ مَا نَحْنُ بِمَغْلُوبِينَ عَلَى مَا فِي أَيْدِينَا . فَرَجَعَ النَّاسُ وَأَتَى بَعْضُهُمْ عَلِيًّا فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ .
فَأَقْبَلَ
عَلِيٌّ عَلَى
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَقَالَ : أَحَضَرْتَ خُطْبَةَ
عُثْمَانَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : أَفَحَضَرْتَ مَقَالَةَ
مَرْوَانَ لِلنَّاسِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَقَالَ
عَلِيٌّ : أَيْ عِبَادَ اللَّهِ ! يَا لَلْمُسْلِمِينَ ! إِنِّي إِنْ قَعَدْتُ فِي بَيْتِي قَالَ لِي : تَرَكْتَنِي وَقَرَابَتِي وَحَقِّي ، وَإِنِّي إِنْ تَكَلَّمْتُ فَجَاءَ مَا يُرِيدُ يَلْعَبُ بِهِ
مَرْوَانُ فَصَارَ سَيِّقَةً لَهُ يَسُوقُهُ حَيْثُ يَشَاءُ بَعْدَ كِبَرِ السِّنِّ وَصُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَقَامَ مُغْضَبًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى
عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ : أَمَا رَضِيتَ مِنْ
مَرْوَانَ وَلَا رَضِيَ مِنْكَ إِلَّا بِتَحَرُّفِكَ عَنْ دِينِكَ وَعَنْ عَقْلِكَ مِثْلَ جَمَلِ الظَّعِينَةِ يُقَادُ حَيْثُ يُسَارُ بِهِ ؟
[ ص: 535 ] وَاللَّهِ مَا
مَرْوَانُ بِذِي رَأْيٍ فِي دِينِهِ وَلَا نَفْسِهِ ! وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ يُورِدُكَ وَلَا يُصْدِرُكَ ! وَمَا أَنَا عَائِدٌ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا لِمُعَاتَبَتِكَ ، أَذْهَبْتَ شَرَفَكَ وَغُلِبْتَ عَلَى رَأْيِكَ .
( فَلَمَّا خَرَجَ
عَلِيٌّ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ
نَائِلَةُ ابْنَةُ الْفَرَافِصَةِ فَقَالَتْ : قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ
عَلِيٍّ وَلَيْسَ يُعَاوِدُكَ ، وَقَدْ أَطَعْتَ
مَرْوَانَ يَقُودُكَ حَيْثُ شَاءَ . قَالَ : فَمَا أَصْنَعُ ؟ قَالَتْ : تَتَّقِي اللَّهَ وَتَتَّبِعُ سُنَّةَ صَاحِبَيْكَ ، فَإِنَّكَ مَتَى أَطَعْتَ
مَرْوَانَ قَتَلَكَ ،
وَمَرْوَانُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ قَدْرٌ وَلَا هَيْبَةٌ وَلَا مَحَبَّةٌ ، وَإِنَّمَا تَرَكَكَ النَّاسُ لِمَكَانِهِ ، فَأَرْسِلْ إِلَى
عَلِيٍّ فَاسْتَصْلِحْهُ فَإِنَّ لَهُ قَرَابَةً وَهُوَ لَا يُعْصَى . فَأَرْسَلَ
عُثْمَانُ إِلَى
عَلِيٍّ فَلَمْ يَأْتِهِ وَقَالَ : قَدْ أَعْلَمْتُهُ أَنِّي غَيْرُ عَائِدٍ . فَبَلَغَ
مَرْوَانَ مَقَالَةُ
نَائِلَةَ فِيهِ ، فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ
عُثْمَانَ فَقَالَ : يَا
ابْنَةَ الْفَرَافِصَةِ ! فَقَالَ
عُثْمَانُ : لَا تَذْكُرَنَّهَا بِحَرْفٍ فَأُسَوِّدَ وَجْهَكَ ، فَهِيَ وَاللَّهِ أَنْصَحُ لِي ! فَكَفَّ
مَرْوَانُ ) .
وَأَتَى
عُثْمَانُ إِلَى
عَلِيٍّ بِمَنْزِلِهِ لَيْلًا وَقَالَ لَهُ : إِنِّي غَيْرُ عَائِدٍ ، وَإِنِّي فَاعِلٌ . فَقَالَ لَهُ
عَلِيٌّ : بَعْدَمَا تَكَلَّمْتَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَعْطَيْتَ مِنْ نَفْسِكَ ، ثُمَّ دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَخَرَجَ
مَرْوَانُ إِلَى النَّاسِ يَشْتُمُهُمْ عَلَى بَابِكَ وَيُؤْذِيهِمْ . فَخَرَجَ
عُثْمَانُ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَقُولُ : خَذَلْتَنِي وَجَرَّأْتَ النَّاسَ عَلَيَّ . فَقَالَ
عَلِيٌّ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ النَّاسِ ذَبًّا عَنْكَ ، وَلَكِنِّي كُلَّمَا جِئْتُ بِشَيْءٍ أَظُنُّهُ لَكَ رِضًا جَاءَ
مَرْوَانُ بِأُخْرَى فَسَمِعْتَ قَوْلَهُ وَتَرَكْتَ قَوْلِي .
وَلَمْ يَعُدْ
عَلِيٌّ يَعْمَلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ إِلَى أَنْ مُنِعَ
عُثْمَانُ الْمَاءَ . فَقَالَ
عَلِيٌّ لِطَلْحَةَ ( أُرِيدُ أَنْ ) تُدْخَلَ عَلَيْهِ الرَّوَايَا ، وَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى دَخَلَتِ الرَّوَايَا عَلَى
عُثْمَانَ .
قَالَ : وَقَدْ قِيلَ إِنْ
عَلِيًّا كَانَ عِنْدَ حَصْرِ
عُثْمَانَ بِخَيْبَرَ ، فَقَدِمَ
الْمَدِينَةَ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَ
طَلْحَةَ ، وَكَانَ مِمَّنْ لَهُ فِيهِ أَثَرٌ ، فَلَمَّا قَدِمَ
عَلِيٌّ أَتَاهُ
عُثْمَانُ وَقَالَ لَهُ : أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ لِي حَقَّ الْإِسْلَامِ وَحَقَّ الْإِخَاءِ وَالْقَرَابَةِ وَالصِّهْرِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَكُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَكَانَ عَارًا عَلَى
بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْ يَنْتَزِعَ أَخُو
بَنِي تَيْمٍ ، يَعْنِي
طَلْحَةَ أَمْرَهُمْ . فَقَالَ لَهُ
عَلِيٌّ : سَيَأْتِيكَ الْخَبَرُ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَرَأَى
أُسَامَةَ فَتَوَكَّأَ عَلَى يَدِهِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ
طَلْحَةَ ، وَهُوَ [ فِي ] خَلْوَةٍ مِنَ النَّاسِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا
طَلْحَةُ مَا هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي وَقَعْتَ فِيهِ ؟ فَقَالَ يَا أَبَا
[ ص: 536 ] الْحَسَنِ بَعْدَمَا مَسَّ الْحِزَامُ الطِّبْيَيْنِ . فَانْصَرَفَ
عَلِيٌّ حَتَّى أَتَى بَيْتَ الْمَالِ فَقَالَ : افْتَحُوهُ ، فَلَمْ يَجِدُوا الْمَفَاتِيحَ ، فَكَسَرَ الْبَابَ وَأَعْطَى النَّاسَ ، فَانْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِ
طَلْحَةَ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ ، وَسُرَّ بِذَلِكَ
عُثْمَانُ ، وَجَاءَ
طَلْحَةُ فَدَخَلَ عَلَى
عُثْمَانَ وَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَدْتُ أَمْرًا فَحَالَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ! فَقَالَ
عُثْمَانُ : وَاللَّهِ مَا جِئْتَ تَائِبًا ، وَلَكِنْ جِئْتَ مَغْلُوبًا ، اللَّهُ حَسِيبُكَ يَا
طَلْحَةُ !