الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( والسنة في ) أرض ( المطر ) وكذا أرض النيل تنقضي ( بالحصاد ) كانت تزرع مرة أو أكثر فمن استأجرها سنة أيام نزول المطر أو أيام ريها بالنيل فإنهاء السنة جذ الزرع ، سواء كان قمحا أو شعيرا أو قصبا أو غيرها ويشمل الجذ الرعي في نحو البرسيم ، وإن كان الزرع مما يخلف فبآخر بطن ( وفي ) أرض ( السقي بالشهور ) اثني عشر شهرا من العقد ( فإن تمت ) السنة ( وله ) فيها ( زرع أخضر ) أو ثمر لم يطب لزم رب الأرض إبقاؤه ، وإذا أبقاه ( فكراء مثل الزائد ) على السنة يلزم المكتري فلو بقي بعد السنة شهرين فعليه كراء مثلهما بما تقوله أهل المعرفة ، وظاهر المصنف أن عليه كراء المثل مطلقا سواء ظن الزارع تمامه بعد مدة يسيرة أو كثيرة ، وهو الراجح ( وإذا انتثر ) بآفة أو غيرها ( للمكتري ) أرضا فزرعا ( حب ) من زرعه في الأرض ( فنبت ) زمنا ( قابلا ) في عامه أو العام القابل ( فهو لرب الأرض ) لإعراض ربه عنه بانقضاء مدته بالحصاد ولذا لو بقيت مدة الكراء كان الزرع له ، ومفهوم انتثر أنه لو زرعه فلم ينبت في سنته بل في قابل كان لربه وعليه كراء الأرض كما أن عليه كراء العام الماضي إن كان لغير عطش ونحوه ، وإلا فلا كما يأتي ( كمن ) أي كشخص له أرض ( جره ) أي جر الحب ( السيل إليه ) أي إلى أرضه من أرض غيره فنبت فيها فالزرع لرب الأرض المجرور إليها الحب لا لرب الحب ، والنيل كالسيل والزرع كالحب على قول ، والثاني لربه .

التالي السابق


( قوله : كانت تزرع مرة أو أكثر ) أي فإذا كانت تزرع مرارا فانتهاء السنة بالحصاد الأول ( قوله : أيام نزول المطر أو أيام ريها ) أي أو قبل ذلك ، وقوله : جذ الزرع أي سواء مكث في الأرض سنة أو أقل أو أكثر ( قوله : وله فيها زرع أخضر ) أي في أرض السقي ( قوله : أو ثمر لم يطب ) أي ثمر مؤبر ; لأنه هو الذي يلحق بالزرع بجامع الضرر كما في ابن عرفة والتوضيح ، وأما غير المؤبر فلا يلزم رب الأرض إبقاؤه لتمام طيبه بل له أن يأمر صاحبه بقلع النخل الذي هو عليه ( قوله : إبقاؤه ) أي إلى تمام طيبه ( قوله : فعليه كراء مثلهما ) أي فعليه كراء المثل فيهما ، وقوله : بما تقوله أهل المعرفة أي ، ولا يعتبر كراؤهما بالنظر للسنة الماضية بل ينظر لهما في حد ذاتهما إذ قد يكون كراؤهما أغلى أو أرخص ، وهذا قول سحنون وقال ابن يونس تلزمه أجرة ما زاد على السنة على حساب ما أكرى به السنة وذلك بأن يقوم كراء الزيادة فإذا قيل دينار قيل ، وما قيمة السنة كلها فإذا قيل خمسة فقد وقع للزيادة مثل كراء خمس السنة فيكون عليه الكراء المسمى ، ومثل خمسه ( قوله : وهو الراجح ) أي ، وهو قول ابن القاسم وقال ابن حبيب إن زرع وهو يعلم أو يظن تأخره عن مدة الكراء بأمد كثير فلربها قلعه أو تركه بالأكثر من كراء الزائد على حساب المسمى وكراء مثله في حد ذاته ، وأما إن كان يعلم أو يظن تأخره عن أمد الكراء بأمد قليل فلرب الأرض كراء الزائد فقط ، وليس له قلعه قال ابن ناجي وقد وقع الحكم من بعض القضاة بقول ابن حبيب وحكمت به ، وقد اقتصر ح في شرح كلام المصنف عليه . ا هـ . قال في الشامل : وليس لرب الأرض شراؤه على الأصح أي ، وهو قول ابن القاسم ونقل ابن يونس عن بعض القرويين أن الأشبه أنه يجوز لرب الأرض شراء ما فيها من الزرع ; لأن الأرض ملكه فصار مقبوضا بالعقد وما يحدث فيها إنما هو في ضمان المشتري لكونه في أرضه ونهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لكون ضمانها من البائع لكونها في أصوله انظر بن ( قوله : بآفة ) أي كبرد بفتح الباء والراء أو شرد ( قوله : في الأرض ) أي التي اكتراها وزرعها ( قوله : فهو لرب الأرض ) انظر إذا لم يكن لها رب ، وأعرض ذلك الزارع عنها بعد حصاد زرعه منها هل يكون لرب الحب أو مباحا كالعشب . ا هـ . عج ( قوله : ولذا لو بقيت مدة الكراء كان الزرع له ) أي لا لرب الأرض وكذا لو اكتراها قابلا عقب اكترائه الأول ، وأما إن كان أكراها ربها لغيره ونبت في مدته فهو لرب الأرض لا للمكتري الثاني ويحط عن المكتري الثاني من الأجرة بقدر ما أشغله ذلك الحب من الأرض ( قوله : إن كان لغير عطش ) أي إن كان عدم نباته في العام الماضي لغير عطش ( قوله : والزرع كالحب ) أي فإذا جره السيل في أرض ونبت في الأرض المجرور إليها فهو لصاحبها وقوله : على قول أي ، وهو المعتمد ; لأنه مذهب المدونة كما عزاه لها اللخمي ( قوله : والثاني لربه ) أي ويلزمه كراء الأرض المجرور إليها وعلى هذا اقتصر في المج ، ولو جر الريح أو السيل حبا ملقى بأرض جرين لأرض أخرى ، ولم ينبت فيها فهو لربه لا لرب الأرض المنجر إليها لعدم نباته بها كما لو جر شجرة فنبتت وكانت إذا قلعت نبتت ، وأراد ربها أخذها ليغرسها في أرض أخرى فله ذلك فإن كانت إذا قلعت لا تنبت أو كانت تنبت ، وأراد ربها قلعها ليجعلها حطبا فلرب الأرض منعه من قلعها ويدفع له قيمتها مقلوعة ، وأما لو جر السيل أو الريح ترابا ينتفع به أو رمادا لأرض آخر وطلب ربه أخذه فله ذلك لعدم نباته ، وإن طلب من جاء بأرضه من ربه نقله وأبى لم يلزمه ; لأنه ليس من فعله ، وأما إن جره بطريق أو مسجد لزم ربه نقله كموت دابته بطريق فيلزم ربها نقلها لا إن ماتت [ ص: 50 ] بدار ، ولم يدخلها ربها فيها فنقلها على رب الدار ، ولو انهدم بناء شخص بأرض آخر لم يلزم صاحبه إلا نقل ما له قيمة كالأخشاب والأحجار لا نقل التراب إذ هو بمنزلة دابة دخلت دارا وحدها فماتت .




الخدمات العلمية