. ص ( وخصصت [ ص: 279 ] نية الحالف وقيدت إن نافت وساوت )
ش : لما فرغ رحمه الله من الكلام على حد اليمين وصيغتها واليمين الموجب للكفارة وأنواع الكفارة وتكريرها واتحادها أتبعه بالكلام على مقتضيات البر والحنث ، فذكر من ذلك خمسة أمور : الأول النية الثاني البساط الثالث العرف القولي الرابع المقصد اللغوي الخامس المقصد الشرعي ، وبدأ بالكلام على النية فقال : وخصصت إلخ يعني أن نية الحالف قال في الجواهر : النية تقيد المطلقات وتخصص العمومات إذا صلح لها اللفظ نقله في الذخيرة ، ومعنى كون اللفظ صالحا لها كما قال النية تخصص العام وتقيد المطلق إذا صلح اللفظ لها ابن عبد السلام أن لا يكون اللفظ صريحا فيما نواه الحالف ، ولو كان كذلك لما افترق الحكم فيه بين ما يكون الحالف فيه على نية وبين ما لا يكون كذلك ، بل لا بد أن يكون اللفظ محتملا لما نواه ولغيره ، انتهى .
قال القرافي في الفرق الثامن والعشرين والمائة : اعلم أن الألفاظ نصوص وظواهر فالنصوص لا تقبل المجاز ولا التخصيص ، والظواهر هي التي تقبلها ، والنصوص قسمان : الأول أسماء الأعداد كالخمسة والعشرة ، فلا يجوز أن تطلق العشرة وتريد بها التسعة ولا غيرها من مراتب الأعداد فهذا هو المجاز ، وأما التخصيص فلا يجوز أن تقول : رأيت عشرة ، ثم تبين بعد ذلك مرادك بها وتقول : أردت خمسة فإن التخصيص مجاز أيضا لكنه يختص ببقاء بعض المسمى ، والمجاز قد لا يبقى معه من المسمى شيء كما تقول رأيت إخوتك ، ثم تقول بعد ذلك أردت بإخوتك نصفهم فهذا تخصيص ، والمجاز الذي ليس بتخصيص أن تقول أردت بإخوتك مساكنهم فليس المساكن بعض الإخوة ، فلم يبق من المسمى شيء ، فالمجاز أعم من التخصيص .
القسم الثاني من النصوص الألفاظ التي هي مختصة بالله تعالى نحو لفظ الجلالة ولفظ الرحمن فإنه لا يجوز استعمالهما في غير الله ألبتة إجماعا ، فلو ، وعبرت بهذا اللفظ عن بعض المخلوقات لله تعالى من باب إطلاق الفاعل على أثره ، والحلف بالمخلوق لا يلزم به كفارة هل تسقط عنه الكفارة ( قال والله والرحمن لا فعلت كذا ، وقال أردت : بلفظ الجلالة والرحمن غير الله عز وجل قلت ) ظاهر كلام العلماء أن هذا تلزمه الكفارة إذا حنث وأن هذين اللفظين لا يجوز استعمالهما في غير الله وما امتنع شرعا فهو كالمعدوم حسا فهذا الامتناع شرعي والامتناع في الأعداد لغوي ، انتهى .
وقوله : إن نافت أصله نافيت فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، ثم حذفت الألف لالتقاء الساكنين كما في ساوت ومعناه أن من شرط النية المخصصة أن تكون منافية أي مخالفة لمقتضى اللفظ بمعنى أن يكون لفظ الحالف يقتضي ثبوت الحكم لصور ، والنية المخصصة تنفي ذلك الحكم عن تلك الصور قال القرافي في الفرق التاسع والعشرين : من شرط المخصص أن يكون منافيا للمخصص ومتى لم تكن النية منافية لم تكن مخصصة ، وكذلك المخصصات اللفظية إذا لم تكن معارضة لا تكون منافية ، انتهى .
وهذا إنما هو في المخصصة لا في المقيدة كما يفهم من كلام المصنف قال في الذخيرة : تنبيه سئل ، فإن قال : أردت بعض أنواعه لا يلتفت لنيته ويعتبر عموم لفظه ; لأن هذه النية مؤكدة للفظ في ذلك النوع غير صارفة له عن بقية الأنواع ، ومن شرط المخصصة أن تكون صارفة ، فإن قال : أردت إخراج ما عدا هذا النوع حملت يمينه على ما بقي بعد الإخراج ، ومن شرط النية المخصصة أن تكون منافية لمقتضى اللفظ ، بخلاف المقيدة ، وقاله الأئمة ، وهذا مقام لا يحققه أكثر مفتي العصر ، انتهى . الحالف باللفظ العام
وقال المقري في قواعده إثر نقله لهذا الكلام قلت شرط التخصيص منافاة حكم الخاص للعام وإلا فهو تقييد ، فإذا قال الله عز وجل : { حرمت عليكم الميتة والدم } فإن قلنا بعمومه يتناول المسفوح وغيره ، ولا يختص بقوله : دما مسفوحا لموافقته له خلافا ، وإن قلنا بإطلاقه : تقيد فمن ثم جاء القولان في تحريم الدم غير المسفوح ، انتهى . لأبي ثور
وقال في لباب اللباب القاعدة السابعة : فالمؤكدة هي الموافقة لمدلول اللفظ [ ص: 280 ] والمخصصة منافية مثل أن الفرق بين النية المؤكدة والمخصصة قال يقول : والله لا لبست ثوبا ونوى كتانا عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى : الفقهاء يفتون أنه لا يحنث إلا بالكتان ، والصواب أن يقال يحنث في الكتان باللفظ والنية ; لأن النية هنا مؤكدة ، ويحنث في غيره بعموم اللفظ ، وإن استحضر غير الكتان في نيته ونوى إخراجه عن عموم اللفظ لم يحنث به ; لأن النية حينئذ مخصصة ; لأن من شرط المخصص أن يكون منافيا ، انتهى .
وقال ابن عبد السلام المالكي : تقييد المطلق لا يلزم منه مخالفة الظاهر لأن المقيد يستلزم المطلق ، بخلاف تخصيص العام فإنه يلزم منه مخالفة الظاهر ; لأن الدليل اللفظي يقتضي ثبوت الحكم لصورة أو صور ، والنية المخصصة تنفي ذلك الحكم عن تلك الصور ، انتهى .
فتبين مما ذكرناه أن المنافاة إنما هي شرط في المخصصة لا في المقيدة ومفهوم قوله : إن نافت أنها إن لم تناف تخصص ، وهو كذلك ، وهو النية المؤكدة ، وهو معنى قول ابن عبد السلام ، ولا خفاء أن النية إن كانت موافقة لظاهر اللفظ أنها مقبولة في القضاء والفتيا انتهى . وهو معنى قول ابن عرفة والنية إن وافقت ظاهر اللفظ اعتبرت اتفاقا ، انتهى .
وقوله : وساوت يعني إذا قلنا من شرط النية المخصصة أن تكون منافية فمن شرطها أيضا أن تكون منافاتها وعدم منافاتها على حد السواء ; لأن المنافية على أربعة أوجه : الأول أن تخالف النية ظاهر اللفظ بأشد من مدلوله كمن حلف لا يأكل زيتا فيقول : أردت سائر الأدهان . الثاني أن تخالف ظاهر اللفظ ويكون قصد مخالفتها للفظ وقصد عدم مخالفتها له سواء ، أي يمكن أن يقصد باللفظ الصادر عنه ما ادعى أنه أراده ، ويمكن أن لا يقصد على حد السواء كما ذكر ابن غازي . الثالث أن تخالف ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح القريب من التساوي . الرابع أن تخالف ظاهر اللفظ وتوافق الاحتمال المرجوح البعيد جدا ، فقال المصنف من شرط النية المخصصة أن تكون منافية كما تقدم ، ومن شرطها أن تكون منافاتها وعدم منافاتها على السواء كما تقدم ، فإذا كانت كذلك فتكون مخصصة وتقبل في القضاء والفتيا وهذا يفهم من إطلاق المصنف هنا وتقييده في الوجه الثالث أعني الثاني في كلامه بقوله : إلا لموافقة .
( تنبيهان الأول ) قال ابن بشير : لكن يستظهر عليه بيمين أنه أراد ما ادعاه إن نواه . قال ابن عبد السلام هو مما تردد فيه الأشياخ ، وهو من أيمان التهم والأقرب هنا توجهها احتياطا لحق الله ، انتهى . وهذا لا يفهم من كلام المصنف ، وذكر في البيان في رسم العتق من سماع أن النية إن كانت محتملة ولم يشهد لها ظاهر الحال ، ولا دليل عرف ، ولا مقصد ، ولم تكن مخالفة لظاهر اللفظ ، وكانت مما يحكم به ولم يأت مستفتيا أنه يلزمه اليمين قال : وأما إن شهد للنية ظاهر الحال أو دليل من العرف فإن اليمين تسقط ، وإن كانت مخالفة لظاهر اللفظ فلا يصدق فيها بيمين ، ولا بغير يمين ، هذا إذا لم يأت مستفتيا ، وأما إذا أتى مستفتيا أو كانت يمينه مما لا يحكم عليه بها فينوي فيما نواه دون يمين ، وإن كانت نيته التي نوى خلاف ظاهر لفظها ، انتهى . أشهب
ودخل في الوجه الأول من الأربعة في كلام المؤلف بالأحروية أعني قوله يقبل في القضاء والفتيا