الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وركوعه للطواف بعد المغرب قبل تنفله )

                                                                                                                            ش : قال أبو غازي صيغة العموم في الطواف هنا ، وفي قوله : وفي سنية ركعتين للطواف يقتضي شمول طواف التطوع ، وقد بنى القرافي في ذخيرته على هذا نكتة بديعة ، فإنه قال : قال اللخمي : يركع الطائف لطواف التطوع كالفرض ، فإن لم يركع حتى طال وانتقض وضوءه استأنفه ، فإن شرع في أسبوع آخر قطعه وركع ، فإن أتمه أتى لكل أسبوع بركعتين وأجزأه ; لأنه أمر اختلف فيه ، ومقتضى المذهب : أن أربعة أسابيع طول تمنع الإصلاح ، وتوجب الاستئناف ثم قال القرافي : فهذا الكلام من اللخمي وإطلاقه الإجزاء ووجوبه الاستئناف يشعر بأن الشروع في طواف التطوع يوجب الإتمام كالصلاة والصوم ، وهو ظاهر من المذهب ، وكلام شيوخه ثم ذكر النظائر التي تلزم بالشروع ثم قال ابن غازي ما نسبه القرافي للخمي من أن مقتضى المذهب أن أربعة أسابيع طول فيه نظر حسبما بسطناه في تكميل التقييد انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) انظر ما النكتة البديعة ، هل هي لزوم طواف التطوع بالشروع أو كون الأربعة طولا ؟ انتهى .

                                                                                                                            فتأمله ، وقوله : إن فيما نسبه القرافي للخمي نظرا ليس بظاهر ; لأن ما ذكره القرافي عن اللخمي موجود في تبصرته ونصه : السنة فيمن طاف أسبوعا تطوعا أن يعقبه بركعتين ، ومن لم يفعل حتى طال أو انتقضت طهارته استأنفه ، وإن أعقب الأسبوع الأول بثان قبل أن يركع قطعه ثم ركع عن الأول ، وإن لم يفعل حتى أتم الثاني أتى لكل أسبوع بركعتين وأجزأه قال ابن القاسم في المدونة : لأنه أمر قد اختلف فيه ، وكذلك لو أتى بأسبوع ثالث أو رابع ، فإنه يأتي لكل أسبوع بركعتين ويجزئه ، وقياس المذهب : أن ذلك طول يحول بينه وبين إصلاح الأول ويوجب عليه الاستئناف فيما تقدم انتهى .

                                                                                                                            وكان ابن غازي - رحمه الله - رأى ما ذكره ابن عرفة عن اللخمي فاعترض على القرافي بأن ما ذكره ابن عرفة مخالف لما ذكره القرافي ونص اللخمي : ومفاد المذهب : أن الثاني طول يوجب استئناف ما تقدم انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول : ) قول اللخمي : وإن أعقب الأسبوع الأول بثان قبل أن يركع قطع ظاهره أنه يقطع ، ولو ذكر ذلك في الشوط السابع ، وهو الذي يظهر من كلامهم قال في المدونة : ومن طاف بالبيت أسبوعا فلم يركع ركعتيه حتى دخل في أسبوع ثان قطع وركع ، فإن لم يذكر حتى أتمه ركع لكل أسبوع ركعتين للاختلاف فيه انتهى .

                                                                                                                            ومثله كلام اللخمي المتقدم ، وقال التادلي : قال الباجي : ومن سعى في طوافه فبلغ ثمانية أطواف أو تسعة أو أكثر من ذلك ، ولم يكن قصد أن يقرن بين سبعين فإنه يقطع ويركع ركعتين للسبع الكامل ، ويلغي ما زاد عليه ، ولا يعتد به إن أراد أن يطوف أسبوعا آخر ، وليبتدئ من أوله ، وهذا حكم العائد في ذلك فأما إذا أكمل أسبوعين عامدا أو ناسيا صلى لكل واحد منهما ركعتين ; لأن الأسبوع الثاني مختلف فيه فأمرناه بالركوع مراعاة للخلاف الذي هو المشهور من قول مالك ، وقاله ابن كنانة في المدونة ، وروى عيسى عن ابن القاسم يصلي ركعتين فقط ، واختار عيسى الأول ، ووجه قول ابن القاسم : أنه لما كان حكم كل أسبوع أن يعقبه ركعتان ، وحال بين الأسبوع الأول وركعتيه الأسبوع الثاني بطل حكمه فصلى ركعتين للأسبوع الثاني انتهى .

                                                                                                                            وقال التادلي : ومن هذا التوجيه علم أن الركوع إنما هو للثاني ويلغى الأول وعليه إذا طاف ثمانية أو أكثر ينبغي أن يكون الركوع للسبعة الأخيرة ويلغي الزائد من أولها لا من آخرها ; لأنه إذا ألغى آخرها كان قد [ ص: 115 ] فرق بين الأسبوع وركعتيه بما زاد انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) صريح كلام الباجي أن الإلغاء إنما هو لما زاد على السبعة ، وهذا هو الظاهر بدليل أنه لو كان حصل في الشوط الثامن أو فيما بعده ما يبطل الطواف لا ينبغي أن تصح السبعة الأول ، ولو كان الأمر بالعكس بأن حصل في السبعة أو في بعضها ما يبطلها لا ينبغي أن لا تصح ; لأن الزائد على السبعة بمنزلة الخامسة فكما لا تجزئ الخامسة عن الأولى إذا بان بطلانها فكذلك هنا فتأمله ، ولا يضر الفصل بما زاد على السبعة ; لأنه خفيف ، والفرق بين هذا وبين ما إذا أكمل السبعة عامدا أو ساهيا على قول ابن القاسم أنه يركع للثاني فقط دون الأول أنه إذا أكمل السبعة حصلت عبادة كاملة مستقلة محتاجة للركوع فيكملها به ، ويبطل الأول للفصل بالعبادة الكاملة فتأمله ، وقد نقل المصنف في التوضيح كلام الباجي ، وقال في أول كلامه : فإن شرع في ثان قبل أن يركع للأول قطع ما لم يكمله ثم قال بعد ورقة ونحوها : فلو خالف ما أمر به وأكمل أسبوعا ثانيا لركع لهما سواء كان عامدا أو ناسيا قاله الباجي واللخمي وسند وابن عبد السلام ، وكذلك لو أكمل ثالثا ورابعا انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) التصريح بقوله : سواء كان عامدا أو ناسيا وقع في كلام الباجي ، وأما اللخمي وسند وابن عبد السلام فلم يصرحوا به ، ولكنهم أطلقوا ففهم المصنف من إطلاقهم ذلك ، وهو ظاهر ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني : ) ما ذكره المصنف من ركوعه للطواف بعد المغرب مقيد بما إذا لم ينتقض وضوءه قال اللخمي : قال مالك : من انتقض وضوءه بعد تمام الطواف وقبل أن يركع توضأ واستأنف الطواف إن كان واجبا إلا أن يبعد فلا يرجع ويركع ويهدي ، وإن كان الطواف تطوعا لم يبتدئه إلا أن يشاء إذا لم يتعمد الحدث انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن عرفة وقبله ونحوه في التوضيح ( الثالث : ) لم يصرح المصنف وكثير من أهل المذهب ببيان حكم جميع الأسابيع ، وحكمه الكراهة قال في الجلاب : ويكره أن يطوف المرء أسابيع ، ويجمع ركوعها حتى يركعها في موضع واحد ولركع عقب كل أسبوع ركعتين انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن معلى وغيره ( الرابع : ) تقدم في كلام الباجي أنه يصلي لكل أسبوع ركعتين مراعاة للخلاف ، وكذلك وقع في كلام غيره ، والخلاف في ذلك إنما هو في خارج المذهب ، كما صرح بذلك في التوضيح ، وقال ابن عبد السلام : وأجاز الجمع بين الأسابيع جماعة من السلف وشرط بعضهم أن يكون عدد الأسابيع وترا ( الخامس : ) ظاهر كلام ابن عبد السلام : أنه لم يقف على كلام الباجي ، فإنه لما ذكر رواية عيسى قال : يريد - والله أعلم - أنهما يكونان للأسبوع الأخير انتهى .

                                                                                                                            وتقدم التصريح بذلك في كلام الباجي وانظر على المشهور لو صلى لكل أسبوع ركعتين ، هل يقدم ركعتي الأسبوع الأول أو الثاني ؟

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية