الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وعجل الإحرام في أنا محرم أو أحرم إن قيد بيوم كذا ) ش يعني أن الناذر للإحرام إذا قيده بقوله يوم أفعل كذا ، فإنه يوم يفعله يلزمه الإحرام سواء نذر [ ص: 336 ] الإحرام بحج أو عمرة ، قال ابن عرفة وأداء الإحرام نذرا أو يمينا إن قيده بزمان أو مكان لزم منه قاله الباجي كأنه المذهب وعزاه الشيخ للموازية .

                                                                                                                            ( قلت ) هو نص المدونة بزيادة ، ولو نواه قبل أشهر الحج ، انتهى . ونص المدونة قال فيها : ومن قال إذا كلمت فلانا فأنا محرم بحج أو عمرة ، فإن كلمه قبل أشهر الحج لم يلزمه أن يحرم بالحج إلى دخول أشهر الحج إلا أن ينوي أنه محرم من يوم حنث فيلزمه ذلك ، وإن كان في غير أشهر الحج ، وأما العمرة فعليه أن يحرم بها وقت حنثه إلا أن لا يجد صحابة ويخاف على نفسه فليؤخر حتى يجد فيحرم حينئذ ، وإحرامه بذلك بحج أو عمرة من موضعه لا من ميقاته إن لم ينوه فله نيته ، ومن قال : أنا محرم يوم أكلم فلانا ، فإنه يوم يكلمه محرم ، وقوله : يوم أفعل كذا فأنا أحرم بحجة كقوله : فأنا محرم ، انتهى . قال أبو الحسن قوله لم يلزمه أن يحرم إلى دخول أشهر الحج ، قال أبو محمد هذا إن كان يصل من بلده إلى مكة في أشهر الحج ، وإن كان لا يصل من بلده حتى تخرج أشهر الحج فيلزمه الإحرام من وقت حنثه ابن يونس يريد من وقت يصل فيه إلى مكة ويدرك الحج ، وقال القابسي بل يخرج من بلده غير محرم فحيثما أدركته أشهر الحج أحرم ، وقول أبي محمد أولى ; لأن قوله أنا محرم بحجة أي إذا جاء وقت خروج الناس خرجت وأنا وحدي وعليه يدل لفظه ، وفي كتاب محمد ما يؤيده ، وقوله في العمرة يحرم وقت حنثه حكي عن أبي محمد أنه فرق بين الحج والعمرة بأن العمرة لا وقت لها ، فلذا وجب أن يحرم بها وقت حنثه ، بخلاف الحج

                                                                                                                            وقوله إلا أن لا يجد صحابة ، وقال سحنون يحرم ويبقى حتى يجد صحابة ، وقوله : من موضعه لا من ميقاته ، وقيل : من ميقاته ، وقوله : فإنه يوم يكلمه محرم ظاهره يكون محرما من غير استئناف إحرام وبهذا الظاهر قال سحنون ، وأما ابن القاسم فإنه يقول : يستأنف بدليل قوله بعده : وقوله يوم أفعل كذا فأنا أحرم بحجة كقوله فأنا محرم أو أحرم ، اتفق فيه ابن القاسم وسحنون أنه يستأنف الإحرام ، وهو منصوص لابن القاسم في كتاب محمد أنه يستأنف الإحرام ، قال أبو إسحاق لم يبين في الكتاب في قوله : محرم هل يكون محرما حينئذ أو يستأنف ؟ وظاهر قوله في كتاب محمد أنه لا يكون محرما بنفس الفعل حتى يحرم صح منه ، ففرق سحنون بين أنا محرم وأنا أحرم ، وسوى ابن القاسم بينهما ، قال ابن محرز قال عبد الوهاب : إنما قال سحنون ذلك ; لأن النذر معنى يتعلق بالحصر ، قال الشيخ يعني بالشرط ، قال : فإذا وجب شرط وجب حصوله أصله الطلاق ولا يلزمه عليه الصلاة والصيام ; لأن الصلاة مضيقة في باب النية عن سائر العبادات ، والإحرام بالحج وسع في نيته ما لم يوسع في غيره ، بدليل جواز النيابة فيه عند كثير من الناس ، وعند قوم من أهل العلم أن المغمى عليه يحرم عنه أصحابه ، ويكون إذا أفاق محرما بذلك ، ووجه القول بأنه لا يكون محرما حتى يستأنف إحراما ما ذكرناه من الصلاة والصيام صح من تبصرة ابن محرز ، وقال أبو عمران سوى ابن القاسم بين قوله : أنا محرم ، وأنا أحرم فأوجب أن لا يكون محرما بنفس الحنث حتى يحرم بعد الحنث ، وقال سحنون في التفريق بينهما : هو خلاف لابن القاسم قديما ، والذي يظهر لي أن العلة إنما هي لما وجدت لفظة محرم مشتركا فيها الحال والاستقبال ، فلم يكن ينعقد عليه الإحرام بالشك حتى يحدث إحراما مستقبلا ، فصح بهذا أن لا يكون محرما بنفس الإحرام ، وأما قوله : فأنا أحرم فباتفاق أنه لا يكون محرما إلا بتجديد إحرام ، انتهى . وقوله : بنفس الإحرام صوابه بنفس الحنث والله أعلم ، وقال في التوضيح : قال ابن رشد إذا قال : إن كلمت فلانا فأنا أحرم بحجة أو عمرة فكلمه ، فلا خلاف أنه لا يكون محرما حتى ينشئ الإحرام ، وإن قال : أنا محرم ، فقال مالك لا يكون محرما حتى ينشئ الإحرام ، وقال سحنون يكون محرما ، واختلف الشيوخ في معناه ، واستشكل كونه [ ص: 337 ] محرما بنفس الحنث ، وهو حقيق بالإشكال ; لأن الإحرام عبادة تفتقر إلى نية فمشى المؤلف على قول مالك

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية