. ص ( لا إرادة ميتة وكذب في طالق وحرة أو حرام ، وإن بفتوى ) ش هذا هو الوجه الرابع ، وهو أن تخالف النية ظاهر اللفظ وتوافق [ ص: 285 ] الاحتمال المرجوح البعيد من التساوي ، فلا تنفعه نيته لا في القضاء ، ولا في الفتيا مثاله أن ، وقال يقول : امرأتي طالق أو جاريتي حرة ، وقال : أردت زوجتي التي ماتت أو أمتي التي ماتت ابن عبد السلام وذلك لأنه إما أن يريد الإنشاء أو الخبر ، وكل واحد منهما لا يصح إرادته في الميتة ، أما الإنشاء فلأنه يستدعي وجود محل يلزم فيه الطلاق والحرية والتي ماتت لا تصلح أن تكون محلا للطلاق ، ولا للحرية ، وأما الإخبار فلأنه إخبار بما لا يفيد فوجب صرفه لمن هي تحته الآن أو لمن هي في ملكه الآن ، انتهى بالمعنى . وكذلك لا يصدق في إرادة الكذب فيما إذا قال قال لزوجته : أنت حرام ، وقال أردت الكذب ابن عبد السلام ; لأن لفظه ظاهر في الإنشاء بين الظهور ، ولا يحتمل الخبر إلا على بعد ، وإن كانت صيغة الخبر والإنشاء في هذا سواء ; لأن المتبادر في الزوجة إنما هو الإنشاء لما كان الصدق والكذب من عوارض الخبر وجب أن لا يقبل منه أنه أراد الكذب ويحمل على الإنشاء ، فقول المصنف في طالق وحرة راجع إلى مسألة الميتة وقوله : أو حرام راجع إلى مسألة دعوى الكذب ، وما قاله في هذا الوجه نحوه في المدونة قال فيها في كتاب التخيير والتمليك ، ولو حلف للسلطان طائعا بطلاق امرأته في أمر كذب ، فقال : نويت امرأتي الميتة ، فلا ينوي في قضاء ولا فتيا ; لأنه قال : امرأتي وتطلق امرأته ، وفيه أيضا ، وإن قال : أنت حرام ، ثم قال : لم أرد بذلك الطلاق وإنما أردت الكذب فالتحريم يلزمه ، ولا ينوي ، وفي كتاب العتق منها ، ومن لزمه العتق والطلاق ولا ينوي قال قال لعبده أنت حر ، أو امرأته : أنت طالق ، وقال نويت بذلك الكذب ابن القاسم وقد سئل عما يشبه هذا فلم يجعل له نية فانظر أول سماع مالك عيسى من الأيمان بالطلاق في مسألة قوله : أنت حرام فإن فيه ما يشبهها ، وذكر أنه ينوي فيها فتأمله ، وما ذكرته في حل كلام المصنف وحمل قوله : نافت على ما تقدم هو الذي يظهر من عبارته في هذا المحل ، وضعفه ابن غازي وقال : لو لم يكن في هذا من التكلف إلا استعمال المنافاة التي هي المضادة في مثل هذا المعنى لكان كافيا في قبحه وحمل الكلام على وجه آخر .
( قلت ) أما استعمال المنافاة في هذا المعنى ، فلا قبح فيه كما تقدم واستعماله في عبارة القرافي وابن راشد وغيرهما في هذا المحل ، نعم كلام المصنف رحمه الله يقتضي أن هذا التفصيل يأتي في المقيدة ولم أر من ذكره فيها ، بل تقدم أنه لا يشترط في المقيدة ، وحينئذ فلا يتأتى فيها هذا التفصيل ، بل يقال : هو عائد على المخصصة والله أعلم ، وما حملنا عليه كلام المصنف هو أوضح مما حمله عليه ابن غازي وبقي هنا احتمال آخر ولعل المصنف رحمه الله أراده ; لأنه ظاهر كلامه في التوضيح ، وهو أن يكون قوله : إن نافت عائدا إلى قوله : خصصت كما تقدم ، وقوله : ساوت راجع إلى قوله : وقيدت . قال في التوضيح وتتصور المساواة في تقييد [ ص: 286 ] المطلق وتعيين أحد محامل المشترك ابن راشد مثال الأول أن يقول : أحد عبيدي حر ويقول : أردت فلانا . ومثال الثاني أن يقول : عائشة طالق وله زوجتان اسم كل منهما عائشة ، انتهى . وليس منه أي من المساواة ما إذا ; لأن هذا مما خالف فيه اللفظ ظاهر النية ، فلا يقبل منه في القضاء ، وإن قامت عليه بينة أو أقر ، كذا قال قال : حكمة طالق وله زوجة وأمة اسم كل منهما حكمة ابن يونس وتقدم بيانه ، وجعله الشيخ بهرام في شروحه الثلاثة ، وفي شامله من فروع المساواة بهذا المعنى الثاني ، وقال : إنها مقبولة في القضاء والفتيا وليس كذلك ، بل إنما تقبل نيته في الفتيا لا في القضاء كما قاله ابن يونس عن ابن المواز ونقله عنه ابن عرفة والله أعلم .
ولنرجع إلى بقية كلام المصنف فظهر معنى قول المصنف وخصصت نية الحالف وقيدت إن نافت وساوت أي ، فإذا كانت مخصصة ومقيدة قبلت في القضاء والفتيا وهذا مفهوم من إطلاقه كما تقدم ، وأتى بقوله : ككونها معه ليفيد أن التخصيص إنما هو إذا تساوى الاحتمالان كما نبه بقوله : لا إرادة ميتة على الاحتمال المرجوح البعيد جدا ، وبقية الكلام على ما تقدم تقريره قال في التوضيح فهذه المسألة على ثلاثة أقسام منها ما يقبل في الفتيا دون القضاء ، وهو ما خالفت النية فيها ظاهر اللفظ ، ومنها ما يقبل في الفتيا والقضاء وهو ما إذا تساويا ، ومنها ما لا يقبل في الفتيا ولا في القضاء ، وهو ما إذا قال : امرأتي طالق وأمتي حرة ويريد الميتة ، انتهى .