الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( مسألة ) قال ابن عرفة الشيخ عن الموازية : أيغزى بغير إذن الإمام ؟ قال : أما الجيش والجمع فلا إلا بإذن الإمام وتولية وال عليهم ، وسهل مالك لمن قرب من العدو يجد فرصة ويبعد عليه الإمام محمد ، كمن هو منه على يوم ونحوه ، ولابن مزين عن ابن القاسم إن طمع قوم بفرصة في عدو قربهم وخشوا إن أعلموا إمامهم منعهم فواسع خروجهم ، وأحب استئذانهم إياه ، ثم قال ابن حبيب سمعت أهل العلم يقولون : إن نهى الإمام عن القتال لمصلحة حرمت مخالفته إلا أن يدهمهم العدو ا هـ . من أوائل الجهاد منه وفي سماع أشهب ، وسئل مالك عن القوم يخرجون في أرض الروم مع الجيش فيحتاجون إلى العلف لدوابهم ، فتخرج جماعة إلى هذه القرية ، وجماعة إلى قرية أخرى يتعلفون لدوابهم ولا يستأذنون الإمام ، فربما غشيهم العدو فيما هناك إذا رأوا غرتهم وقتالهم فقتلوهم أو أسروهم أو نجوا منهم ، وإن تركنا دوابنا هلكت ؟ فقال : أرى إن استطعتم استئذان الإمام أن تستأذنوه ، ولا أرى أن تغزوا بأنفسكم فتقتلون في غير عدة ولا كثرة ، ولا أرى ذلك . وسئل مالك عن العدو ينزل بساحل من سواحل المسلمين يقاتلونهم بغير استئمار الوالي ؟ فقال : أرى إن كان الوالي قريبا منهم أن يستأذنوه في قتالهم قبل أن يقاتلوهم ، وإن كان بعيدا لم يتركوهم حتى يقعوا بهم ، فقيل له : بل الوالي بعيد منهم . فقال : كيف يصنعون أيدعوهم حتى يقعوا بهم أرى أن يقاتلوهم .

                                                                                                                            قال ابن رشد وهذا كله كما قال : إنه لا ينبغي لهم أن يغزوا بأنفسهم في تعلفهم وأن الاختيار لهم أن يستأذنوا الإمام في ذلك إن استطاعوا ، ويلزمهم ذلك إن كان الوالي عدلا على ما قاله ابن وهب في سماع زونان ، وهو عبد الملك بن الحسن ، وأن قتال العدو بغير إذن الإمام لا يجوز إلا أن يدهمهم فلا يمكنهم استئذانه انتهى من سماع زونان .

                                                                                                                            سئل عبد الله بن وهب عن القوم يواقعون العدو هل لأحد أن يبارز بغير إذن الإمام .

                                                                                                                            فقال : إن كان الإمام عنده لم يجز له أن يبارز إلا بإذنه ، وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه ، قلت له والمبارزة والقتال عندكم واحد ، قال : نعم . قال ابن رشد وهذا كما قال : إن الإمام إذا كان غير عدل لم يلزمهم استئذانه في مبارزة ولا قتال ، إذ قد ينهاهم عن غرة قد ثبتت له على غير وجه نظر يقصده لكونه غير عدل في أموره فيلزمه طاعته ، فإنما يفترق العدل من غير العدل في الاستئذان له لا في طاعته إذا أمر بشيء أو نهى عنه ; لأن الطاعة للإمام من فرائض الغزو فواجب على الرجل طاعة الإمام فيما أحب أو كره ، وإن كان غير عدل ما لم يأمره بمعصية ، انتهى .

                                                                                                                            وفي سماع أصبغ وسمعت ابن القاسم ، وسئل عن ناس يكونون في ثغر من وراء عورة المسلمين ، هل يخرجون سراياهم لغرة يطمعون بها من عدوهم من غير إذن الإمام والإمام منهم على أيام ؟ قال : إن كانت تلك الغرة بينة قد ثبتت لهم منهم ولم يخافوا أن يلقوا بأنفسهم فلا أرى بأسا ، وإن كانوا يخافون أن يلقوا ما لا قوة لهم به أن يطلبوا فيدركوا فلا أحب ذلك لهم . قال ابن رشد إنما جاز لهم أن يخرجوا سراياهم لغرة تبينت لهم بغير إذن الإمام لكونه غائبا عنهم على مسيرة أيام ، ولو كان حاضرا معهم لم يجز لهم أن يخرجوها بغير إذنه إذا كان عدلا ، انتهى .

                                                                                                                            وجميع هذه الأسمعة في كتاب الجهاد ، ونقلها ابن عرفة إثر الكلام المتقدم . قال في التوضيح ابن المواز : ولا يجوز خروج جيش إلا بإذن الإمام . وسئل مالك لمن يجد فرصة من عدو قريب أن ينهضوا إليهم بغير إذن الإمام ، ولم يجز ذلك لسرية تخرج من العسكر عبد الملك ، وترد السرية وتحرمهم ما غنموا سحنون ، إلا أن تكون جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم يريد وقد أخطئوا ، انتهى .

                                                                                                                            ذكره عند قول ابن الحاجب ويجب مع ولاة الجور ، وقال في الشامل في أول الجهاد : ولا يجوز خروج جيش دون إذن الإمام وتوليته [ ص: 350 ] عليهم من يحفظهم ، إلا أن يجدوا فرصة من عدو وخافوا فواته لبعد الإمام ، أو خوف منعه ، وحرم على سرية بغير إذنه ، ويمنعهم الغنيمة أدبا لهم إلا أن يكونوا جماعة لا يخشون عدوا فلا يمنعهم الغنيمة ، انتهى .

                                                                                                                            وقال الشيخ أحمد زروق في بعض وصاياه لإخوانه التوجه للجهاد بغير إذن جماعة المسلمين وسلطانهم فإنه سلم الفتنة وقلما اشتغل به أحد فأنجح ، انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية