فصل في
nindex.php?page=treesubj&link=28324بيان الوسائل إلى المصالح يختلف أجر وسائل الطاعات باختلاف فضائل المقاصد ومصالحها ،
nindex.php?page=treesubj&link=28324فالوسيلة إلى المقاصد أفضل من سائر الوسائل ، فالتوسل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته أفضل من التوسل إلى معرفة أحكامه ، والتوسل إلى معرفة أحكامه أفضل من التوسل إلى معرفة آياته ، والتوسل بالسعي إلى الجهاد أفضل من التوسل بالسعي إلى الجمعات ، والتوسل بالسعي إلى الجمعات أفضل من التوسل بالسعي إلى الجماعات في الصلوات المكتوبات ، والتوسل بالسعي إلى الصلوات المكتوبات أفضل من التوسل بالسعي إلى المندوبات التي شرعت فيها الجماعات كالعيدين والكسوفين ، وكلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المصلحة ، كان أجرها أعظم من أجر ما نقص عنها ، فتبليغ رسالات الله من أفضل الوسائل ، لأدائه إلى جلب كل صلاح دعت إليه الرسل ، وإلى درء كل فاسد زجرت عنه الرسل ، والإنذار وسيلة إلى درء مفاسد
[ ص: 124 ] الكفر والعصيان ، والتبشير وسيلة إلى جلب مصالح الطاعة والإيمان .
وكذلك المدح والذم ، وكذلك الأمر بالمعروف وسيلة إلى تحصيل ذلك المعروف المأمور به ، رتبته في الفضل والثواب مبنية على رتبة مصلحة الفعل المأمور به في باب المصالح ، فالأمر بالإيمان أفضل أنواع الأمر بالمعروف .
وكذلك الأمر بالفرائض أفضل من الأمر بالنوافل ، والأمر بإماطة الأذى عن الطريق من أدنى مراتب الأمر بالمعروف ، قال صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13852الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق } ; فمن قدر على الجمع بين الأمر بمعروفين في وقت واحد ، لزمه ذلك ، لما ذكرناه من وجوب الجمع بين المصلحتين ، وإن تعذر الجمع بينهما أمر بأفضلهما ; لما ذكرناه من تقديم أعلى المصلحتين على أدناهما ، مثال الجمع بين الأمر بمعروفين فما زاد ، أن يرى جماعة قد تركوا الصلاة المفروضة حتى ضاق وقتها بغير عذر فيقول لهم بكلمة صلوا أو قوموا إلى الصلاة ، فإن أمر كل واحد منهم واجب على الفور .
وكذلك تعليم ما يجب تعليمه ، وتفهيم ما يجب تفهيمه ، يختلف باختلاف رتبه وهذان قسمان : أحدهما : وسيلة إلى ما هو مقصود في نفسه ، كتعريف التوحيد وصفات الإله ; فإن معرفة ذلك من أفضل المقاصد والتوسل إليه من أفضل الوسائل .
القسم الثاني : ما هو وسيلة إلى وسيلة كتعليم أحكام الشرع ، فإنه وسيلة إلى العلم بالأحكام التي هي وسيلة إلى إقامه الطاعات ، التي هي وسائل إلى المثوبة والرضوان ، وكلاهما من أفضل المقاصد .
ويدل على فضل التوسل إلى الجهاد قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ، ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ، ولا ينالون [ ص: 125 ] من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح } . وإنما أثيبوا على الظمأ والنصب وليسا من فعلهم ، لأنهم تسببوا إليهما بسفرهم وسعيهم . وعلى الحقيقة فالتأهب للجهاد بالسفر إليه ، وإعداد الكراع والسلاح والخيل ، وسيلة إلى الجهاد الذي هو وسيلة إلى إعزاز الدين ، وغير ذلك من مقاصد الجهاد ، فالمقصود ما شرع الجهاد لأجله ، والجهاد وسيلة إليه ، وأسباب الجهاد كلها وسائل إلى الجهاد الذي هو وسيلة إلى مقاصده ، فالاستعداد له من باب وسائل الوسائل . ويدل على فضل التوسل إلى الجمعات والجماعات قوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36060من تطهر في بيته ، ثم راح إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فروض الله ، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة } .
وتتفاوت الحسنات المكتوبة والسيئات المحطوطة ، بتفاوت رتب الصلاة التي يمشي إليها ، وقد جاء في التنزيل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } .
وتتفاوت رتب تلك الأعشار بتفاوت رتب الحسنات في أنفسها ، فمن تصدق بتمرة فله عشر حسنات ، ومن تصدق ببدرة فله عشر حسنات ، لا نسبة لشرف حسنات التمرة إليها .
وكذلك الولايات تختلف رتبها باختلاف ما تجلبه من المصالح وتدرؤه من المفاسد ، فالولاية العظمى أفضل من كل ولاية ، لعموم جلبها المنافع ، ودرئها المفاسد ، وتليها ولاية القضاء لأنها أعم من سائر الولايات ، والولاية على الجهاد أفضل من الولاية على الحج ، لأن فضيلة الجهاد أكمل من فضيلة الحج ، وتختلف رتب الولايات بخصوص منافعها وعمومها فيما وراء ذلك من جلب المصالح ودرء المفاسد ، ولا شك بأن الوسائل تسقط بسقوط المقاصد فمن فاتته الجمعات والجماعات أو الغزوات سقط عنه السعي إليها ، لأنه استفاد الوجوب من وجوبهن .
وكذلك تسقط وسائل المندوبات بسقوطهن لأنها استفادت الندب منهن ، فمن
nindex.php?page=treesubj&link=27067_1423نسي صلاة من صلاتين مكتوبتين لزمه قضاؤهما ، فيقضي
[ ص: 126 ] إحداهما : لأنها المفروضة ، ويقضي .
الثانية : فإنها وسيلة إلى تحصيل مصلحة المفروضة ، فإن ذكر في الثانية أن الأولى هي المفروضة سقط وجوبها بسقوط المتوسل إليه ، وهل تبطل أو تبقى نفلا ؟ فيه خلاف مبني على أن
nindex.php?page=treesubj&link=26085_27067من نوى صلاة مخصوصة فلم تحصل له فهل تبطل أو تبقى نفلا ؟ فيه قولان ، وإن ذكر في الأولى أنها فرضه استمر عليها وسقطت الثانية ، وإن ذكر أن فرضه الثانية سقط وجوب الأولى وفي بقائها نفلا خلاف . فإن قيل : كيف صحت النية مع التردد في وجوب كل واحدة من الصلاتين ؟ قلنا : صحت لأن الأصل وجوب كل واحدة منهما في ذمته فصحت لذلك نيته ، لظنه بقاءها في ذمته ، فأشبه من وجبت عليه صلاة معينة فشك في أدائها ، فإنها تجزئه مع شكه ، لاستناد نيته إلى أن الأصل بقاؤها في ذمته ، وقد استثنى في سقوط الوسائل بسقوط المقاصد ، أن الناسك الذي لا شعر على رأسه مأمور بإمرار الموسى على رأسه ، مع أن إمرار الموسى على رأسه وسيلة إلى إزالة الشعر فيما ظهر لنا ، فإن ثبت أن الإمرار مقصود في نفسه لا لكونه وسيلة ، كان هذا من قاعدة من أمر بأمرين فقدر على أحدهما وعجز عن الآخر .
فَصْلٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28324بَيَانِ الْوَسَائِلِ إلَى الْمَصَالِحِ يَخْتَلِفُ أَجْرُ وَسَائِلِ الطَّاعَاتِ بِاخْتِلَافِ فَضَائِلِ الْمَقَاصِدِ وَمَصَالِحِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=28324فَالْوَسِيلَةُ إلَى الْمَقَاصِدِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْوَسَائِلِ ، فَالتَّوَسُّلُ إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْرِفَةِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَسُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ ، وَالتَّوَسُّلُ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَسُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ آيَاتِهِ ، وَالتَّوَسُّلُ بِالسَّعْيِ إلَى الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَسُّلِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَاتِ ، وَالتَّوَسُّلُ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَاتِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَسُّلِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجَمَاعَاتِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ ، وَالتَّوَسُّلُ بِالسَّعْيِ إلَى الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ أَفْضَلُ مِنْ التَّوَسُّلِ بِالسَّعْيِ إلَى الْمَنْدُوبَاتِ الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا الْجَمَاعَاتُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ ، وَكُلَّمَا قَوِيَتْ الْوَسِيلَةُ فِي الْأَدَاءِ إلَى الْمَصْلَحَةِ ، كَانَ أَجْرُهَا أَعْظَمَ مِنْ أَجْرِ مَا نَقَصَ عَنْهَا ، فَتَبْلِيغُ رِسَالَاتِ اللَّهِ مِنْ أَفْضَلِ الْوَسَائِلِ ، لِأَدَائِهِ إلَى جَلْبِ كُلِّ صَلَاحٍ دَعَتْ إلَيْهِ الرُّسُلُ ، وَإِلَى دَرْءِ كُلِّ فَاسِدٍ زَجَرَتْ عَنْهُ الرُّسُلُ ، وَالْإِنْذَارُ وَسِيلَةٌ إلَى دَرْءِ مَفَاسِدِ
[ ص: 124 ] الْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ ، وَالتَّبْشِيرُ وَسِيلَةٌ إلَى جَلْبِ مَصَالِحِ الطَّاعَةِ وَالْإِيمَانِ .
وَكَذَلِكَ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَسِيلَةٌ إلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ ، رُتْبَتُهُ فِي الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رُتْبَةِ مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي بَابِ الْمَصَالِحِ ، فَالْأَمْرُ بِالْإِيمَانِ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ .
وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ بِالْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَمْرِ بِالنَّوَافِلِ ، وَالْأَمْرُ بِإِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ مِنْ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13852الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ } ; فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِمَعْرُوفَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، لَزِمَهُ ذَلِكَ ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَمَرَ بِأَفْضَلِهِمَا ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ أَعْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ عَلَى أَدْنَاهُمَا ، مِثَالُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرِ بِمَعْرُوفَيْنِ فَمَا زَادَ ، أَنْ يَرَى جَمَاعَةً قَدْ تَرَكُوا الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَقُولُ لَهُمْ بِكَلِمَةِ صَلُّوا أَوْ قُومُوا إلَى الصَّلَاةِ ، فَإِنَّ أَمْرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ .
وَكَذَلِكَ تَعْلِيمُ مَا يَجِبُ تَعْلِيمُهُ ، وَتَفْهِيمُ مَا يَجِبُ تَفْهِيمُهُ ، يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ رُتَبِهِ وَهَذَانِ قِسْمَانِ : أَحَدُهُمَا : وَسِيلَةٌ إلَى مَا هُوَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ ، كَتَعْرِيفِ التَّوْحِيدِ وَصِفَاتِ الْإِلَهِ ; فَإِنَّ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ مِنْ أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ وَالتَّوَسُّلُ إلَيْهِ مِنْ أَفْضَلِ الْوَسَائِلِ .
الْقِسْمُ الثَّانِي : مَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى وَسِيلَةٍ كَتَعْلِيمِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ ، فَإِنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي هِيَ وَسِيلَةٌ إلَى إقَامِهِ الطَّاعَاتِ ، الَّتِي هِيَ وَسَائِلُ إلَى الْمَثُوبَةِ وَالرِّضْوَانِ ، وَكِلَاهُمَا مِنْ أَفْضَلِ الْمَقَاصِدِ .
وَيَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجِهَادِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=120ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ ، وَلَا يَنَالُونَ [ ص: 125 ] مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } . وَإِنَّمَا أُثِيبُوا عَلَى الظَّمَأِ وَالنَّصَبِ وَلَيْسَا مِنْ فِعْلِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا إلَيْهِمَا بِسَفَرِهِمْ وَسَعْيِهِمْ . وَعَلَى الْحَقِيقَةِ فَالتَّأَهُّبُ لِلْجِهَادِ بِالسَّفَرِ إلَيْهِ ، وَإِعْدَادِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَالْخَيْلِ ، وَسِيلَةٌ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى إعْزَازِ الدِّينِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْجِهَادِ ، فَالْمَقْصُودُ مَا شُرِعَ الْجِهَادُ لِأَجْلِهِ ، وَالْجِهَادُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ ، وَأَسْبَابُ الْجِهَادِ كُلُّهَا وَسَائِلُ إلَى الْجِهَادِ الَّذِي هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى مَقَاصِدِهِ ، فَالِاسْتِعْدَادُ لَهُ مِنْ بَابِ وَسَائِلِ الْوَسَائِلِ . وَيَدُلُّ عَلَى فَضْلِ التَّوَسُّلِ إلَى الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36060مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ، ثُمَّ رَاحَ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فُرُوضِ اللَّهِ ، كَانَتْ خُطُوَاتُهُ إحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً } .
وَتَتَفَاوَتُ الْحَسَنَاتُ الْمَكْتُوبَةُ وَالسَّيِّئَاتُ الْمَحْطُوطَةُ ، بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الصَّلَاةِ الَّتِي يَمْشِي إلَيْهَا ، وَقَدْ جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } .
وَتَتَفَاوَتُ رُتَبُ تِلْكَ الْأَعْشَارِ بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْحَسَنَاتِ فِي أَنْفُسِهَا ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِتَمْرَةٍ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِبُدْرَةٍ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ ، لَا نِسْبَةَ لِشَرَفِ حَسَنَاتِ التَّمْرَةِ إلَيْهَا .
وَكَذَلِكَ الْوِلَايَاتُ تَخْتَلِفُ رُتَبُهَا بِاخْتِلَافِ مَا تَجْلِبُهُ مِنْ الْمَصَالِحِ وَتَدْرَؤُهُ مِنْ الْمَفَاسِدِ ، فَالْوِلَايَةُ الْعُظْمَى أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ وِلَايَةٍ ، لِعُمُومِ جَلْبِهَا الْمَنَافِعَ ، وَدَرْئِهَا الْمَفَاسِدَ ، وَتَلِيهَا وِلَايَةُ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ سَائِرِ الْوِلَايَاتِ ، وَالْوِلَايَةُ عَلَى الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى الْحَجِّ ، لِأَنَّ فَضِيلَةَ الْجِهَادِ أَكْمَلُ مِنْ فَضِيلَةِ الْحَجِّ ، وَتَخْتَلِفُ رُتَبُ الْوِلَايَاتِ بِخُصُوصِ مَنَافِعِهَا وَعُمُومِهَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ ، وَلَا شَكَّ بِأَنَّ الْوَسَائِلَ تَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَقَاصِدِ فَمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَاتُ وَالْجَمَاعَاتُ أَوْ الْغَزَوَاتُ سَقَطَ عَنْهُ السَّعْيُ إلَيْهَا ، لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْوُجُوبَ مِنْ وُجُوبِهِنَّ .
وَكَذَلِكَ تَسْقُطُ وَسَائِلُ الْمَنْدُوبَاتِ بِسُقُوطِهِنَّ لِأَنَّهَا اسْتَفَادَتْ النَّدْبَ مِنْهُنَّ ، فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=27067_1423نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ مَكْتُوبَتَيْنِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا ، فَيَقْضِي
[ ص: 126 ] إحْدَاهُمَا : لِأَنَّهَا الْمَفْرُوضَةُ ، وَيَقْضِي .
الثَّانِيَةَ : فَإِنَّهَا وَسِيلَةٌ إلَى تَحْصِيلِ مَصْلَحَةِ الْمَفْرُوضَةِ ، فَإِنْ ذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْمَفْرُوضَةُ سَقَطَ وُجُوبُهَا بِسُقُوطِ الْمُتَوَسَّلِ إلَيْهِ ، وَهَلْ تَبْطُلُ أَوْ تَبْقَى نَفْلًا ؟ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26085_27067مَنْ نَوَى صَلَاةً مَخْصُوصَةً فَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَهَلْ تَبْطُلُ أَوْ تَبْقَى نَفْلًا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ ، وَإِنْ ذَكَرَ فِي الْأُولَى أَنَّهَا فَرْضُهُ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا وَسَقَطَتْ الثَّانِيَةُ ، وَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ فَرْضَهُ الثَّانِيَةُ سَقَطَ وُجُوبُ الْأُولَى وَفِي بَقَائِهَا نَفْلًا خِلَافٌ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ صَحَّتْ النِّيَّةُ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي وُجُوبِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ ؟ قُلْنَا : صَحَّتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي ذِمَّتِهِ فَصَحَّتْ لِذَلِكَ نِيَّتُهُ ، لِظَنِّهِ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ ، فَأَشْبَهَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ مُعَيَّنَةٌ فَشَكَّ فِي أَدَائِهَا ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُ مَعَ شَكِّهِ ، لِاسْتِنَادِ نِيَّتِهِ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا فِي ذِمَّتِهِ ، وَقَدْ اسْتَثْنَى فِي سُقُوطِ الْوَسَائِلِ بِسُقُوطِ الْمَقَاصِدِ ، أَنَّ النَّاسِكَ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ مَأْمُورٌ بِإِمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ ، مَعَ أَنَّ إمْرَارَ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ وَسِيلَةٌ إلَى إزَالَةِ الشَّعْرِ فِيمَا ظَهَرَ لَنَا ، فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمْرَارَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ لَا لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً ، كَانَ هَذَا مِنْ قَاعِدَةِ مَنْ أُمِرَ بِأَمْرَيْنِ فَقَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَعَجَزَ عَنْ الْآخَرِ .