فصل
nindex.php?page=treesubj&link=28847فيما يتعلق به الثواب والعقاب من الأفعال لا يثاب الإنسان ولا يعاقب إلا على كسبه وإكسابه . ولا يكون إلا بمباشرة أو بسبب قريب أو بعيد : قال الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16إنما تجزون ما كنتم تعملون } ، وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ، أي ليس له إلا
[ ص: 135 ] جزاء سعيه ، وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164ولا تكسب كل نفس إلا عليها } ، ولأن الغرض بالتكاليف تعظيم الإله بطاعته واجتناب معصيته ، وذلك مختص بفاعليه ، إذ لا يكون معظم المحرمات منتهكا لها بانتهاك غيره ، ولا منتهك المحرمات معظما لها بتعظيم غيره ، فكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=3311_3834_23965لا تجوز الاستنابة في المعاصي والمخالفات ، ولا في الطاعات البدنيات ، إلا ما استثنى من الطاعات كالحج والعمرة والصوم والصدقات رحمة للعاجزين بتحصيل ثواب هذه القربات ، وللنائبين عنهم بالتسبب إلى إنالة ثواب هذه الطاعات .
وأما قوله عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10564إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ; صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } ، ومعناه انقطع أجر عمله أو ثواب عمله فهذا على وفق القاعدة لأن هذه المستثنيات من كسبه ، فإن العلم المنتفع به من كسبه فجعل له ثواب التسبب إلى تعليم هذا العلم .
وكذلك الصدقة الجارية تحمل على الوقف وعلى الوصية بمنافع داره وثمار بستانه على الدوام ، فإن ذلك من كسبه ، لتسببه إليه ، فكان له أجر التسبب ، وليس الدعاء مخصوصا بالولد ، بل الدعاء شفاعة جائزة من الأقارب والأجانب ، وليست مستثناة من هذه ، لأن ثواب الدعاء للداعي والمدعو به حاصل للمدعو له ، فإن طلب له المغفرة والرحمة كانت المغفرة والرحمة مخصوصين بالمدعو له ، وثواب الدعاء للداعي ، كما لو شفع إنسان لفقير في كسوة أو في العفو عن زلة ، كانت للشافع ثواب الشفاعة في العفو والكسوة ، وكانت مصلحة العفو والكسوة للفقير .
وقد ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور على مصيبته ، وهذا خطأ صريح فإن المصائب ليست من كسبه بمباشرة ولا تسبب ، فمن قتل ولده أو غصب ماله أو أصيب ببلاء في جسده ، فليست هذه المصائب من كسبه ولا تسببه حتى يؤجر عليها ، بل إن صبر عليها كان له أجر الصابرين وإن
[ ص: 136 ] رضي بها كان له أجر الراضين ولا يؤجر على نفس المصيبة ، لأنها ليست من عمله ، فقد قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16إنما تجزون ما كنتم تعملون } ، كيف والمصائب الدنيوية عقوبات على الذنوب ، والعقوبة ليست ثوابا ، ويدل على ذلك قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } ، وقوله عليه السلام . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34727ما من مؤمن يشاك شوكة فما دونها إلا قص به من سيئاته } ، وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31744لا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب حتى الهم يهمه والشوكة يشاكها إلا كفر به من سيئاته } .
فيحمل قوله عليه السلام {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36798من عزى مصابا فله مثل أجره } ، على تقدير فله مثل أجر صبره . لقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } . هذا في المصائب التي لا تسبب له إليها .
وأما ما تسبب إليه فإن كان من السيئات كتب عليه وأخذ به في الدنيا والآخرة ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=25122_9184_9166من جرح إنسانا فسرى الجراح إلى نفسه كان وزر القتل وقصاصه وديته عليه ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=25122_9170ألقى على إنسان حجرا ثم مات الملقي قبل وصول الحجر على الملقى عليه فهلك بذلك الحجر بعد موت الملقي ، فإنه يأثم إثم القاتلين العامدين ، ويجب عليه ما يجب عليهم ، مع كون القتل وقع بعد خروجه عن التكليف ، لأنه لما كان القتل مسببا عن إلقائه ، قدر كأنه قتله عند ابتداء إلقائه وإن كان ما يتسبب إليه من الحسنات أجر عليه ومثاله : التسبب للقتل في سبيل الله تعالى بالجراح أو الرمي كما لو رمى سهما في كافر فأصابه السهم بعد موت الرامي فقتله كان له سلبه وأجر قتله .
وكذلك إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فقتل بسبب أمره ونهيه فهذا متسبب إلى قتل نفسه لله عز وجل ، فيكون حكمه حكم من قتل الكفرة أو الفجرة ، ولا يثاب على القتل ، لأن القتل ليس من كسبه ، وإنما يثاب عليه لأنه تسبب إليه بأمره ونهيه .
وكذلك تسبب الغازي إلى قتل نفسه لحضوره المعركة .
[ ص: 137 ] فإن قيل : القتل معصية من القاتل الكافر ، فكيف يتمنى الإنسان الشهادة مع أن تسببها معصية ؟ فالجواب أنه ما يتمنى القتل من جهة أنه قتل وإنما تمنى أن يثبت في القتال ، فإن أتى القتل على نفسه فكان ثوابه على تعرضه للقتل لا على نفس القتل الذي ليس من كسبه ، وعلى هذا يجعل قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=143ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه } ، أي تمنون القتل في سبيل الله من قبل أن تلقوا أسبابه في يوم
أحد ، ويجوز أن
nindex.php?page=treesubj&link=28324_24770يتمنى الإنسان القتل من جهة كونه سببا لنيل منازل الشهداء ، لا من جهة كونه قتلا ومعصية ، وقد كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه يقول : اللهم إني أسألك الشهادة في سبيلك ، وموتا في بلد رسولك .
وأما قتل أهل البغي فإنه خطأ من البغاة ، ولا يثاب المقطوع على خطأ غيره ، وكذا الثواب على دفع مفسدة البغي بالقتال .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=28847فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ مِنْ الْأَفْعَالِ لَا يُثَابُ الْإِنْسَانُ وَلَا يُعَاقَبُ إلَّا عَلَى كَسْبِهِ وَإِكْسَابِهِ . وَلَا يَكُونُ إلَّا بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ بِسَبَبٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } ، أَيْ لَيْسَ لَهُ إلَّا
[ ص: 135 ] جَزَاءُ سَعْيِهِ ، وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=164وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلَّا عَلَيْهَا } ، وَلِأَنَّ الْغَرَضَ بِالتَّكَالِيفِ تَعْظِيمُ الْإِلَهِ بِطَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ ، وَذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِفَاعِلِيهِ ، إذْ لَا يَكُونُ مُعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ مُنْتَهِكًا لَهَا بِانْتِهَاكِ غَيْرِهِ ، وَلَا مُنْتَهِكُ الْمُحَرَّمَاتِ مُعَظِّمًا لَهَا بِتَعْظِيمِ غَيْرِهِ ، فَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=3311_3834_23965لَا تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ ، وَلَا فِي الطَّاعَاتِ الْبَدَنِيَّاتِ ، إلَّا مَا اسْتَثْنَى مِنْ الطَّاعَاتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَاتِ رَحْمَةً لِلْعَاجِزِينَ بِتَحْصِيلِ ثَوَابِ هَذِهِ الْقُرُبَاتِ ، وَلِلنَّائِبِينَ عَنْهُمْ بِالتَّسَبُّبِ إلَى إنَالَةِ ثَوَابِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=10564إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ ; صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ ، أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ } ، وَمَعْنَاهُ انْقَطَعَ أَجْرُ عَمَلِهِ أَوْ ثَوَابُ عَمَلِهِ فَهَذَا عَلَى وَفْقِ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنْ كَسْبِهِ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ الْمُنْتَفَعَ بِهِ مِنْ كَسْبِهِ فَجُعِلَ لَهُ ثَوَابُ التَّسَبُّبِ إلَى تَعْلِيمِ هَذَا الْعِلْمِ .
وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ تُحْمَلُ عَلَى الْوَقْفِ وَعَلَى الْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِ دَارِهِ وَثِمَارِ بُسْتَانِهِ عَلَى الدَّوَامِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ كَسْبِهِ ، لِتَسَبُّبِهِ إلَيْهِ ، فَكَانَ لَهُ أَجْرُ التَّسَبُّبِ ، وَلَيْسَ الدُّعَاءُ مَخْصُوصًا بِالْوَلَدِ ، بَلْ الدُّعَاءُ شَفَاعَةٌ جَائِزَةٌ مِنْ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ ، وَلَيْسَتْ مُسْتَثْنَاةً مِنْ هَذِهِ ، لِأَنَّ ثَوَابَ الدُّعَاءِ لِلدَّاعِي وَالْمَدْعُوُّ بِهِ حَاصِلٌ لِلْمَدْعُوِّ لَهُ ، فَإِنْ طَلَبَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ كَانَتْ الْمَغْفِرَةُ وَالرَّحْمَةُ مَخْصُوصَيْنِ بِالْمَدْعُوِّ لَهُ ، وَثَوَابُ الدُّعَاءِ لِلدَّاعِي ، كَمَا لَوْ شَفَعَ إنْسَانٌ لِفَقِيرٍ فِي كِسْوَةٍ أَوْ فِي الْعَفْوِ عَنْ زَلَّةٍ ، كَانَتْ لِلشَّافِعِ ثَوَابُ الشَّفَاعَةِ فِي الْعَفْوِ وَالْكِسْوَةِ ، وَكَانَتْ مَصْلَحَةُ الْعَفْوِ وَالْكِسْوَةِ لِلْفَقِيرِ .
وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ الْمُصَابَ مَأْجُورٌ عَلَى مُصِيبَتِهِ ، وَهَذَا خَطَأٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ الْمَصَائِبَ لَيْسَتْ مِنْ كَسْبِهِ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا تَسَبُّبٍ ، فَمَنْ قُتِلَ وَلَدُهُ أَوْ غُصِبَ مَالُهُ أَوْ أُصِيبَ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَصَائِبُ مِنْ كَسْبِهِ وَلَا تَسَبُّبِهِ حَتَّى يُؤْجَرَ عَلَيْهَا ، بَلْ إنْ صَبَرَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُ الصَّابِرِينَ وَإِنْ
[ ص: 136 ] رَضِيَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُ الرَّاضِينَ وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى نَفْسِ الْمُصِيبَةِ ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِهِ ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=16إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ، كَيْفَ وَالْمَصَائِبُ الدُّنْيَوِيَّةُ عُقُوبَاتٌ عَلَى الذُّنُوبِ ، وَالْعُقُوبَةُ لَيْسَتْ ثَوَابًا ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } ، وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34727مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا دُونَهَا إلَّا قُصَّ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ } ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31744لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ حَتَّى الْهَمِّ يَهُمُّهُ وَالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ } .
فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=36798مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ } ، عَلَى تَقْدِيرِ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ صَبْرِهِ . لِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إلَّا مَا سَعَى } . هَذَا فِي الْمَصَائِبِ الَّتِي لَا تَسَبُّبَ لَهُ إلَيْهَا .
وَأَمَّا مَا تَسَبَّبَ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ السَّيِّئَاتِ كُتِبَ عَلَيْهِ وَأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25122_9184_9166مَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَسَرَى الْجِرَاحُ إلَى نَفْسِهِ كَانَ وِزْرُ الْقَتْلِ وَقِصَاصُهُ وَدِيَتُهُ عَلَيْهِ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=25122_9170أَلْقَى عَلَى إنْسَانٍ حَجَرًا ثُمَّ مَاتَ الْمُلْقِي قَبْلَ وُصُولِ الْحَجَرِ عَلَى الْمُلْقَى عَلَيْهِ فَهَلَكَ بِذَلِكَ الْحَجَرِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُلْقِي ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ إثْمَ الْقَاتِلِينَ الْعَامِدِينَ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، مَعَ كَوْنِ الْقَتْلِ وَقَعَ بَعْدَ خُرُوجِهِ عَنْ التَّكْلِيفِ ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَتْلُ مُسَبَّبًا عَنْ إلْقَائِهِ ، قُدِّرَ كَأَنَّهُ قَتَلَهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إلْقَائِهِ وَإِنْ كَانَ مَا يَتَسَبَّبُ إلَيْهِ مِنْ الْحَسَنَاتِ أُجِرَ عَلَيْهِ وَمِثَالُهُ : التَّسَبُّبُ لِلْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْجِرَاحِ أَوْ الرَّمْيِ كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا فِي كَافِرٍ فَأَصَابَهُ السَّهْمُ بَعْدَ مَوْتِ الرَّامِي فَقَتَلَهُ كَانَ لَهُ سَلْبُهُ وَأَجْرُ قَتْلِهِ .
وَكَذَلِكَ إذَا أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنْ الْمُنْكَرِ فَقُتِلَ بِسَبَبِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فَهَذَا مُتَسَبِّبٌ إلَى قَتْلِ نَفْسِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ قَتَلَ الْكَفَرَةَ أَوْ الْفَجَرَةَ ، وَلَا يُثَابُ عَلَى الْقَتْلِ ، لِأَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إلَيْهِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ .
وَكَذَلِكَ تَسَبُّبُ الْغَازِي إلَى قَتْلِ نَفْسِهِ لِحُضُورِهِ الْمَعْرَكَةَ .
[ ص: 137 ] فَإِنْ قِيلَ : الْقَتْلُ مَعْصِيَةٌ مِنْ الْقَاتِلِ الْكَافِرِ ، فَكَيْفَ يَتَمَنَّى الْإِنْسَانُ الشَّهَادَةَ مَعَ أَنَّ تَسَبُّبَهَا مَعْصِيَةٌ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَا يَتَمَنَّى الْقَتْلَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَتْلٌ وَإِنَّمَا تَمَنَّى أَنْ يَثْبُتَ فِي الْقِتَالِ ، فَإِنْ أَتَى الْقَتْلُ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ ثَوَابُهُ عَلَى تَعَرُّضِهِ لِلْقَتْلِ لَا عَلَى نَفْسِ الْقَتْلِ الَّذِي لَيْسَ مِنْ كَسْبِهِ ، وَعَلَى هَذَا يُجْعَلُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=143وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ } ، أَيْ تَمَنَّوْنَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْا أَسْبَابَهُ فِي يَوْمِ
أُحُدٍ ، وَيَجُوزُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28324_24770يَتَمَنَّى الْإِنْسَانُ الْقَتْلَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ سَبَبًا لِنِيلِ مَنَازِلِ الشُّهَدَاءِ ، لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ قَتْلًا وَمَعْصِيَةً ، وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِك ، وَمَوْتًا فِي بَلَدِ رَسُولِك .
وَأَمَّا قَتْلُ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنَّهُ خَطَأٌ مِنْ الْبُغَاةِ ، وَلَا يُثَابُ الْمَقْطُوعُ عَلَى خَطَأِ غَيْرِهِ ، وَكَذَا الثَّوَابُ عَلَى دَفْعِ مَفْسَدَةِ الْبَغْيِ بِالْقِتَالِ .