الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 233 ] الثالثة حاسة الشم ويتعلق به الأحكام الخمسة : أما الإيجاب : فكإيجاب ما يجب على الحاكم شمه أو على الشهود بأمره إياهم فيما يختلف فيه الخصوم عند التنازع في روائح المشموم ، لأجل الرد بالعيب أو لمنع الرد إذا حدث عند المشتري .

وأما الاستحباب : فكاستحباب شم ما في شمه شفاء من الأمراض والأسقام .

وأما الطيب المحبوب للجماعات والجمعات والأعياد والتحليل للإحرام ففيه مصلحتان : إحداهما للمتطيب ، والثانية لمن يقاربه ويدانيه من الناس .

وأما التحريم : فكتحريم شم الطيب في حال الإحرام وتحريم اشتمام طيب النساء الأجنبيات الحسان .

وأما الكراهة : فككراهة شم الأدهان المضرة بالأمزجة والحواس والأبدان .

وأما الإباحة فكإباحة ما يباح شمه من أنواع الطيب والأزهار ، ولو شم طيبا لا يملكه كشم الإمام الطيب الذي يختص بالمسلمين إذا لم يتصرف في جرمه فلا بأس به ، وقد تورع عنه بعض الأكابر ، وقال وهل ينتفع من الطيب إلا بريحه وفي كونه ورعا نظر من جهة أن شمه لا يؤثر فيه نقضا ولا عيبا فيكون إدراك الشم له بمثابة النظر إليه ، بخلاف وضع اليد عليه ، ولو نظر الإنسان إلى بساتين الناس وغرفهم ودورهم لم يمنع من ذلك إلا إذا خشى الافتتان بالنظر إلى أموال الأغنياء ، فقد قال رب العالمين [ ص: 234 ] لسيد المرسلين : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا } وكذلك لو مس جدار إنسان لم يمنع من مسه ، ولو استند إلى جدار إنسان لجاز كما لو جاز مطيبا أو جالسه متطيب ، فإن ذلك مأذون بحكم العرف ولو منعه من الاستناد إلى جداره فقد اختلفوا فيه إذا كان الاستناد لا يؤثر في الجدار ألبتة ، ولا ينبغي أن يطرد في ذلك شم ريح المتطيب ، وكذلك مما لا أعده ورعا أكل طعام حلال محض حمله ظالم ولا سيما الطعام الذي ندب الشرع إليه كطعام الولائم ، لأن ما كان حلالا بوصفه وسببه فلا وجه لاجتنابه إلا بالوسواس والأوهام التي لا لفتة للشرع إلى مثلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية