قاعدة في
nindex.php?page=treesubj&link=29450الموازنة بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت ، وإن لم يعلم رجحان ، فإن غلب التساوي فقد يظهر لبعض العلماء رجحان إحداهما فيقدمها ويظن آخر رجحان مقابلها فيقدمه ، فإن صوبنا المجتهدين فقد حصل لكل واحد منهما مصلحة لم يحصلها الآخر ، وإن حصرنا الصواب في أحدهما فالذي صار إلى المصلحة الراجحة مصيب للحق والذي صار إلى المصلحة المرجوحة مخطئ معفو عنه ، إذا بذل جهده في اجتهاده ، وكذلك إذا تعارضت المفسدة والمصلحة .
فإن قيل : كيف تصوبون المختلفين ، مع أن بعضهم قد أصاب المرجوح الذي لو اطلع عليه لما جاز له الاعتماد عليه . قلنا : ترك الرجحان رخصة على خلاف القواعد وفي الرخص تترك المصالح الراجحة إلى المصالح المرجوحة للعذر دفعا للمشاق ، ولو قلنا بوجوب الاستدراك لأدى إلى مشقة عظيمة عامة بخلاف من أخطأ النص والإجماع ، والأقيسة الجلية أو القواعد الكلية ، فإن خطأ ذلك لا يقع إلا نادرا ، فمن له أهلية الاجتهاد فيجب استدراكه لندرته وقلته . والحاصل أن الشرع يجعل المصلحة المرجوحة عند تعذر الوصول إلى الراجحة أو عند مشقة الوصول إلى الراجحة ، بدلا من المصلحة الراجحة ، كما يبدل الوضوء بالتيمم ، والصيام بالإعتاق ، والإطعام بالصيام ، والعرفان بالاعتقاد في حق العوام ، والفاتحة بالأذكار ، وجهة السفر في صلاة النافلة بالقبلة ، وجهة المقاتلة في الجهاد بالقبلة .
[ ص: 61 ]
( فائدة ) الحكمة في اللغة المنع ، قال الشاعر :
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
أي امنعوهم .
وفي الشرع عبارة عن ترك المأمورات أو فعل المنهيات ، وحاصله المنع من ترك المصالح الخالصة أو الراجحة ، والمنع من فعل المفاسد الخالصة أو الراجحة ، والوعظ وهو الأمر بجلب المصالح ، الخالصة أو الراجحة أو النهي عن ارتكاب المفاسد الخالصة أو الراجحة ، والذي يسميه الجهلة البطلة سياسة هو فعل المفاسد الراجحة أو ترك المصالح الراجحة على المفاسد . ففي تضمين المكوس والخمور والأبضاع مصالح مرجوحة مغمورة بمفاسد الدنيا والآخرة : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل } ، وبمثل هذا يفتنون الأشقياء أنفسهم بإيثار المفاسد الراجحة على المصالح قضاء للذات الأفراح العاجلة ، ويتركون المصالح الراجحة للذات خسيسة أو أفراح دنيئة ، ولا يبالون بما رتب عليها من المفاسد العاجلة أو الآجلة . وذلك كشرب الخمور والأنبذة للذة إطرابها ، والزنا أو اللواط ، وأذية الأعداء المحرمة ، وقتل من أغضبهم وسب من غاضبهم ، وغصب الأموال والتكبر والتجبر ، وكذلك يهربون من الآلام والغموم العاجلة التي أمرنا بتحملها لما في تحملها من المصالح العاجلة ، ولا يبالون بما يلتزمون من تحمل أعظم المفسدتين تحصيلا للذات أدناهما ، وكذلك يتركون أعظم المصلحتين تحصيلا للذات أدناهما .
أسكرتهم اللذات والشهوات فنسوا الممات وما بعده من الآفات فويل لمن ترك سياسة الرحمن ، واتبع سياسة الشيطان ، وارتكب الفسوق والعصيان ، أولئك أهل البغي والضلال .
[ ص: 62 ] nindex.php?page=treesubj&link=27989_28670والجهل مفسدة وهو ثلاثة أقسام : أحدها ما يجب إزالته كالجهل بما يجب تعلمه من الأصول والفروع .
القسم الثاني : ما لا تجب إزالته ببعض أحكام الفروع .
القسم الثالث : ما اختلف في إزالته .
والعرفان مصلحة وهو ثلاثة أقسام : أحدها ما يجب تحصيله من علوم الأصول والفروع .
القسم الثاني : ما لا يجب تحصيله ولا حد له .
القسم الثالث : ما اختلف في وجوب تحصيله من الأصول والفروع .
قَاعِدَةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29450الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصْلَحَتَانِ وَتَعَذَّرَ جَمْعُهُمَا فَإِنْ عُلِمَ رُجْحَانُ إحْدَاهُمَا قُدِّمَتْ ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ رُجْحَانٌ ، فَإِنْ غَلَبَ التَّسَاوِي فَقَدْ يَظْهَرُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ رُجْحَانُ إحْدَاهُمَا فَيُقَدِّمُهَا وَيَظُنُّ آخَرُ رُجْحَانَ مُقَابِلِهَا فَيُقَدِّمُهُ ، فَإِنْ صَوَّبْنَا الْمُجْتَهِدَيْنِ فَقَدْ حَصَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَصْلَحَةٌ لَمْ يُحَصِّلْهَا الْآخَرُ ، وَإِنْ حَصَرْنَا الصَّوَابَ فِي أَحَدِهِمَا فَاَلَّذِي صَارَ إلَى الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ مُصِيبٌ لِلْحَقِّ وَاَلَّذِي صَارَ إلَى الْمَصْلَحَةِ الْمَرْجُوحَةِ مُخْطِئٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ، إذَا بَذَلَ جُهْدَهُ فِي اجْتِهَادِهِ ، وَكَذَلِكَ إذَا تَعَارَضَتْ الْمَفْسَدَةُ وَالْمَصْلَحَةُ .
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ تُصَوِّبُونَ الْمُخْتَلِفَيْنِ ، مَعَ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ أَصَابَ الْمَرْجُوحَ الَّذِي لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمَّا جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ . قُلْنَا : تَرْكُ الرُّجْحَانِ رُخْصَةً عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ وَفِي الرُّخَصِ تُتْرَكُ الْمَصَالِحُ الرَّاجِحَةُ إلَى الْمَصَالِحِ الْمَرْجُوحَةِ لِلْعُذْرِ دَفْعًا لِلْمَشَاقِّ ، وَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الِاسْتِدْرَاكِ لَأَدَّى إلَى مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ عَامَّةٍ بِخِلَافِ مَنْ أَخْطَأَ النَّصَّ وَالْإِجْمَاعَ ، وَالْأَقْيِسَةَ الْجَلِيَّةَ أَوْ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ ، فَإِنَّ خَطَأَ ذَلِكَ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا ، فَمَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ فَيَجِبُ اسْتِدْرَاكُهُ لِنُدْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْعَ يَجْعَلُ الْمَصْلَحَةَ الْمَرْجُوحَةَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوُصُولِ إلَى الرَّاجِحَةِ أَوْ عِنْدَ مَشَقَّةِ الْوُصُولِ إلَى الرَّاجِحَةِ ، بَدَلًا مِنْ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ ، كَمَا يُبَدَّلُ الْوُضُوءُ بِالتَّيَمُّمِ ، وَالصِّيَامُ بِالْإِعْتَاقِ ، وَالْإِطْعَامُ بِالصِّيَامِ ، وَالْعِرْفَانُ بِالِاعْتِقَادِ فِي حَقِّ الْعَوَامّ ، وَالْفَاتِحَةُ بِالْأَذْكَارِ ، وَجِهَةُ السَّفَرِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ بِالْقِبْلَةِ ، وَجِهَةُ الْمُقَاتَلَةِ فِي الْجِهَادِ بِالْقِبْلَةِ .
[ ص: 61 ]
( فَائِدَةٌ ) الْحِكْمَةُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
أَبْنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَغْضَبَا
أَيْ امْنَعُوهُمْ .
وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْمَأْمُورَاتِ أَوْ فِعْلُ الْمَنْهِيَّاتِ ، وَحَاصِلُهُ الْمَنْعُ مِنْ تَرْكِ الْمَصَالِحِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ ، وَالْمَنْعُ مِنْ فِعْلِ الْمَفَاسِدِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ ، وَالْوَعْظُ وَهُوَ الْأَمْرُ بِجَلْبِ الْمَصَالِحِ ، الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ أَوْ النَّهْيُ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَفَاسِدِ الْخَالِصَةِ أَوْ الرَّاجِحَةِ ، وَاَلَّذِي يُسَمِّيهِ الْجَهَلَةُ الْبَطَلَةُ سِيَاسَةً هُوَ فِعْلُ الْمَفَاسِدِ الرَّاجِحَةِ أَوْ تَرْكُ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمَفَاسِدِ . فَفِي تَضْمِينِ الْمُكُوسِ وَالْخُمُورِ وَالْأَبْضَاعِ مَصَالِحُ مَرْجُوحَةٌ مَغْمُورَةٌ بِمَفَاسِدِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=24وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ } ، وَبِمِثْلِ هَذَا يَفْتِنُونَ الْأَشْقِيَاءَ أَنْفُسَهُمْ بِإِيثَارِ الْمَفَاسِدِ الرَّاجِحَةِ عَلَى الْمَصَالِحِ قَضَاءً لِلَذَّاتِ الْأَفْرَاحِ الْعَاجِلَةِ ، وَيَتْرُكُونَ الْمَصَالِحَ الرَّاجِحَةَ لِلَذَّاتٍ خَسِيسَةٍ أَوْ أَفْرَاحٍ دَنِيئَةٍ ، وَلَا يُبَالُونَ بِمَا رُتِّبَ عَلَيْهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ الْعَاجِلَةِ أَوْ الْآجِلَةِ . وَذَلِكَ كَشُرْبِ الْخُمُورِ وَالْأَنْبِذَةِ لِلَذَّةِ إطْرَابِهَا ، وَالزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ ، وَأَذِيَّةِ الْأَعْدَاءِ الْمُحَرَّمَةِ ، وَقَتْلِ مَنْ أَغْضَبَهُمْ وَسَبِّ مَنْ غَاضَبَهُمْ ، وَغَصْبِ الْأَمْوَالِ وَالتَّكَبُّرِ وَالتَّجَبُّرِ ، وَكَذَلِكَ يَهْرُبُونَ مِنْ الْآلَامِ وَالْغُمُومِ الْعَاجِلَةِ الَّتِي أُمِرْنَا بِتَحَمُّلِهَا لِمَا فِي تَحَمُّلِهَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَاجِلَةِ ، وَلَا يُبَالُونَ بِمَا يَلْتَزِمُونَ مِنْ تَحَمُّلِ أَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ تَحْصِيلًا لِلَذَّاتِ أَدْنَاهُمَا ، وَكَذَلِكَ يَتْرُكُونَ أَعْظَمَ الْمَصْلَحَتَيْنِ تَحْصِيلًا لِلَذَّاتِ أَدْنَاهُمَا .
أَسْكَرَتْهُمْ اللَّذَّاتُ وَالشَّهَوَاتُ فَنَسُوا الْمَمَاتَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْآفَاتِ فَوَيْلٌ لِمَنْ تَرَكَ سِيَاسَةَ الرَّحْمَنِ ، وَاتَّبَعَ سِيَاسَةَ الشَّيْطَانِ ، وَارْتَكَبَ الْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ، أُولَئِكَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالضَّلَالِ .
[ ص: 62 ] nindex.php?page=treesubj&link=27989_28670وَالْجَهْلُ مَفْسَدَةٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا مَا يَجِبُ إزَالَتُهُ كَالْجَهْلِ بِمَا يَجِبُ تَعَلُّمُهُ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ .
الْقِسْمُ الثَّانِي : مَا لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بِبَعْضِ أَحْكَامِ الْفُرُوعِ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا اُخْتُلِفَ فِي إزَالَتِهِ .
وَالْعِرْفَانُ مَصْلَحَةٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا مَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ مِنْ عُلُومِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ .
الْقِسْمُ الثَّانِي : مَا لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ وَلَا حَدَّ لَهُ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ : مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ تَحْصِيلِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ .