nindex.php?page=treesubj&link=29450الأفعال ضربان : أحدهما ما خفيت عنا مصالحه ومفاسده فلا نقدم عليه حتى تظهر مصلحته المجردة عن المفسدة أو الراجحة عليها ، وهذا الذي جاءت الشريعة بمدح الأناة فيه إلى أن يظهر رشده وصلاحه .
[ ص: 59 ] nindex.php?page=treesubj&link=29450الضرب الثاني ما ظهرت لنا مصلحته ، وله حالان : أحدهما ألا تعارض مصلحته مفسدته ولا مصلحة أخرى ، فالأولى تعجيله ، والثانية أن تعارض مصلحته مصلحة هي أرجح منه مع الخلو عن المفسدة ، فيؤخر عنه رجاء إلى تحصيله ، وإن عارضته مفسدة تساويه قدمت مصلحة التعجيل لما ذكرنا فيما خلا عن المعارض . والضابط أنه مهما ظهرت المصلحة الخلية عن المفاسد يسعى في تحصيلها ، ومهما ظهرت المفاسد الخلية عن المصالح يسعى في درئها ، وإن التبس الحال احتطنا للمصالح بتقدير وجودها وفعلناها ، وللمفاسد بتقدير وجودها وتركناها . وإن دار الفعل بين الوجوب والندب بنينا على أنه واجب وأتينا به ، وهذا فيما لا تشترط النية فيه كدفع الصائل عن النفس فإنه محبوب على قول وواجب على آخر .
وأما ما تشترط فيه النية ففيه نظر من جهة حزم النية ، وإن دار بين الندب والإباحة بنينا على أنه مندوب وأتينا به ، وإن دار بين الحرام والمكروه بنينا على أنه حرام واجتنبناه ، وإن دار بين المكروه والمباح بنينا على أنه مكروه وتركناه . وقد جاءت الشريعة بمدح السرعة في أمور كالذبح والنحر وضرب الرقاب في القصاص ، لما في السرعة في ذلك من تهوين الموت ، وقد كتب الله الإحسان على كل شيء ، وأمر بإحسان القتلة والذبحة ، وكذلك أيضا قصاص الأطراف تحمد فيه السرعة . ولو صيل على مسلم في نفس أو بضع أو مال بحيث لو اقتصرنا في الدفع عنه لتحققت المفسدة ، فإن السرعة في هذا وأمثاله واجب لا يسع تركها .
وكذلك السرعة في القتال ومكافحة الأبطال ، وقد مدح الله المسارعة في الخيرات وأثنى على المسارعين فيها ، وقال
موسى عليه السلام
{
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84وعجلت إليك رب لترضى } . وقد جعل لمن قتل الوزغ بضربة واحدة مائة حسنة ، ولمن قتله بضربتين سبعين حسنة ، لما في
[ ص: 60 ] الضربة الواحدة من المسارعة إلى إزهاق روحه ودفع ضرره وإحسان قتلته .
nindex.php?page=treesubj&link=29450الْأَفْعَالُ ضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا خَفِيَتْ عَنَّا مَصَالِحُهُ وَمَفَاسِدُهُ فَلَا نُقْدِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَظْهَرَ مَصْلَحَتُهُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ أَوْ الرَّاجِحَةُ عَلَيْهَا ، وَهَذَا الَّذِي جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِمَدْحِ الْأَنَاةِ فِيهِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ رُشْدُهُ وَصَلَاحُهُ .
[ ص: 59 ] nindex.php?page=treesubj&link=29450الضَّرْبُ الثَّانِي مَا ظَهَرَتْ لَنَا مَصْلَحَتُهُ ، وَلَهُ حَالَانِ : أَحَدُهُمَا أَلَّا تُعَارِضَ مَصْلَحَتُهُ مَفْسَدَتَهُ وَلَا مَصْلَحَةً أُخْرَى ، فَالْأَوْلَى تَعْجِيلُهُ ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ تُعَارِضَ مَصْلَحَتُهُ مَصْلَحَةً هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ مَعَ الْخُلُوِّ عَنْ الْمَفْسَدَةِ ، فَيُؤَخَّرُ عَنْهُ رَجَاءً إلَى تَحْصِيلِهِ ، وَإِنْ عَارَضَتْهُ مَفْسَدَةٌ تُسَاوِيهِ قُدِّمَتْ مَصْلَحَةُ التَّعْجِيلِ لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا خَلَا عَنْ الْمُعَارِضِ . وَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَهْمَا ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ الْخَلِيَّةُ عَنْ الْمَفَاسِدِ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِهَا ، وَمَهْمَا ظَهَرَتْ الْمَفَاسِدُ الْخَلِيَّةُ عَنْ الْمَصَالِحِ يَسْعَى فِي دَرْئِهَا ، وَإِنْ الْتَبَسَ الْحَالُ احْتَطْنَا لِلْمَصَالِحِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا وَفَعَلْنَاهَا ، وَلِلْمَفَاسِدِ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهَا وَتَرَكْنَاهَا . وَإِنْ دَارَ الْفِعْلُ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ وَأَتَيْنَا بِهِ ، وَهَذَا فِيمَا لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِيهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ عَنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ مَحْبُوبٌ عَلَى قَوْلٍ وَوَاجِبٌ عَلَى آخَرَ .
وَأَمَّا مَا تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ حَزْمِ النِّيَّةِ ، وَإِنْ دَارَ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَأَتَيْنَا بِهِ ، وَإِنْ دَارَ بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَاجْتَنَبْنَاهُ ، وَإِنْ دَارَ بَيْنَ الْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَتَرَكْنَاهُ . وَقَدْ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ بِمَدْحِ السُّرْعَةِ فِي أُمُورٍ كَالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ وَضَرْبِ الرِّقَابِ فِي الْقِصَاصِ ، لِمَا فِي السُّرْعَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ تَهْوِينِ الْمَوْتِ ، وَقَدْ كَتَبَ اللَّهُ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، وَأَمَرَ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالذِّبْحَةِ ، وَكَذَلِكَ أَيْضًا قِصَاصُ الْأَطْرَافِ تُحْمَدُ فِيهِ السُّرْعَةُ . وَلَوْ صِيلَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نَفْسٍ أَوْ بِضْعٍ أَوْ مَالٍ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرْنَا فِي الدَّفْعِ عَنْهُ لَتَحَقَّقَتْ الْمَفْسَدَةُ ، فَإِنَّ السُّرْعَةَ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ وَاجِبٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا .
وَكَذَلِكَ السُّرْعَةُ فِي الْقِتَالِ وَمُكَافَحَةِ الْأَبْطَالِ ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ الْمُسَارَعَةَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأَثْنَى عَلَى الْمُسَارِعِينَ فِيهَا ، وَقَالَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
{
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=84وَعَجَّلَتْ إلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى } . وَقَدْ جَعَلَ لِمَنْ قَتَلَ الْوَزَغَ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ مِائَةَ حَسَنَةٍ ، وَلِمَنْ قَتَلَهُ بِضَرْبَتَيْنِ سَبْعِينَ حَسَنَةً ، لِمَا فِي
[ ص: 60 ] الضَّرْبَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى إزْهَاقِ رُوحِهِ وَدَفْعِ ضَرَرِهِ وَإِحْسَانِ قِتْلَتِهِ .