[ ص: 280 ] فصل (
nindex.php?page=treesubj&link=19737_19741_19735_19744التسليم لله في استجابة الدعاء وقضاء الحوائج ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل في الفنون : قد ندب الله إلى الدعاء وفيه معان : الوجود والغنى والسمع والكرم والرحمة والقدرة ، فإن من ليس كذلك لا يدعى ، ومن يقول بالطبائع يعلم أن النار لا يقال لها كفي ، ولا النجم لا يقال له أصلح مزاجي ; لأن هذه عندهم مؤثرة طبعا لا اختيارا ، فشرع الدعاء والاستسقاء ليبين كذب أهل الطبائع وقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } .
حتى لا يطلب إلا منه ، ثم أحب أن يظهر جواهر أهل الابتلاء فقال لذا اذبح ولدك ، وقرن هذا بالبلاء ليحملهم على الدعاء واللجاء .
وقال أيضا في الفنون : تستبطئ الإجابة من الله تعالى لأدعيتك في أغراضك التي يجوز أن يكون في باطنها المفاسد في دينك ودنياك ، وتتسخط بإبطاء مرادك مع القطع على أنه سبحانه لا يمنعك شحا ولا بخلا ولا نسيانا ، وقد شهد لصحة ذلك مراعاته لك .
ولا لسان ينطق بدعاء ، ولا أركان لعبده ، ولا قوة تتحرك بها في طاعة من طاعاته ، فكيف وجملتك وأبعاضك وقف على خدمته ، ولسانك رطب بأذكاره ؟ لكن إنما أخر رحمة لك وحكمة ومصلحة ، وقد تقدم إليك بذلك تقدمة ، فقال سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون } .
وأنت العبد المحتاج تتخلف عن أكثر أوامره ، ولا تستبطئ نفسك في أداء حقوقه . هل هذا إنصاف أن يكون مثلك يبطئ عن الحقوق ولا تنكر ذلك من نفسك ، ثم تستبطئ الحكيم الأزلي الخالق في باب الحظوظ التي لا تدري كيف حالك فيها هل طلبها عطب وهلاك ، أو غبطة وصلاح .
[ ص: 281 ] وقال أيضا بعد أن تكلم على قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وابتلوا اليتامى } .
والله سبحانه ينبهك على الاحتياط لنفسك وسرك ومالك ، بالاحتياط لمال غيرك ، لقد أوجب عليك ذلك التحرز والتحفظ والارتياد والمبالغة في الانتقاد لكل محل تودعه سرا أو مالا أو ترجع إليه ، أو مشورة تقتبس بها رأيا ، ونبهك على ما هو أوكد من ذلك وهو أن تعلم بأنك وإن بلغت الغاية من الفهم والعقل والتجربة يجوز أن يعلم الباري سبحانه تقصيرك عن تدبير نفسك ، فإذا بالغت في الدعاء المحبوب نفسك جاز له سبحانه أن يعطيك بحسب ما طلبت ، ولا يرخي لذلك العنان بحكم ما له أردت ، بل يحبس عنك لصلاحك ، ويضيق عليك ما وسعه على غيرك نظرا لك ; لأنه في حجر الربوبية ما دمت عبدا .
فإذا أخرجك عن ربقة التكليف سرحك تسريحا ، ولا تطلب التخلية حال حبسك ، ولا التصرف بحسب مرادك حال حجرك فلست رشيدا في مصالحك ، فكن بالله كاليتيم ، مع الولي الحميم ، تسترح من كد التسخط ، وتنجو من مأثم الاعتراض والتحير ، وليس يمكنك هذا إلا بشدة بحث ونظر في حبك وقدرك .
فإذا علمت أنك بالإضافة إلى الحكمة الربانية والتدبير الإلهي دون اليتيم بالإضافة إلى الولي بكثير ، صح لك التفويض والتسليم ، واسترحت من كد الاعتراض ومرارة التسخط والتدبير . وقد أشار إلى ذلك بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=65وكفى بربك وكيلا } .
واعلم أنه في أسر الأقدار تصرف فإن اعترضت صرت في أسر الشيطان ، فلأن تكون في أسر من لا يتهم عليك خير من أن تكون في أسرين أحدهما لا محيص لك عنه ، والآخر أنت أوقعت نفسك فيه . ولا أقبح من عاقل حماه الله وحجر عليه حميمه نظرا له أدخل على نفسه عدوا بقبح آثار وليه عنده ، ويسخطه عليه ليفسد عليه مع الولي . وذكر كلاما كثيرا .
[ ص: 282 ]
وقال أيضا كل حال خص الله تعالى في قلب المؤمن فينبغي أن يغتنم تلك اللحظة فإنها ساعة إجابة . فحضور ذكر الله تعالى بقلب العبد حضور واستحضار ، وخير أوقات الطلب استحضار الملوك ، ومن اشتدت فاقته فدعا ، أو اشتد خوفه فبكى ، فذلك الوقت الذي ينبغي أن يدعو فيه فإنه ساعة إجابة وساعة صدق في الطلب وما دعا صادق إلا أجيب . وسبق ما يستعمل لإزالة الهم والغم قبيل فصول الأمر بالمعروف وفي الكلام على دعوة
ذي النون عليه السلام . ويأتي أدعية في فصول التداوي .
[ ص: 280 ] فَصْلٌ (
nindex.php?page=treesubj&link=19737_19741_19735_19744التَّسْلِيمُ لِلَّهِ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ ) .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13371ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ : قَدْ نَدَبَ اللَّهُ إلَى الدُّعَاءِ وَفِيهِ مَعَانٍ : الْوُجُودُ وَالْغِنَى وَالسَّمْعُ وَالْكَرَمُ وَالرَّحْمَةُ وَالْقُدْرَةُ ، فَإِنَّ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ لَا يُدْعَى ، وَمَنْ يَقُولُ بِالطَّبَائِعِ يَعْلَمُ أَنَّ النَّارَ لَا يُقَالُ لَهَا كُفِّي ، وَلَا النَّجْمُ لَا يُقَالُ لَهُ أَصْلِحْ مِزَاجِي ; لِأَنَّ هَذِهِ عِنْدَهُمْ مُؤَثِّرَةٌ طَبْعًا لَا اخْتِيَارًا ، فَشَرَعَ الدُّعَاءَ وَالِاسْتِسْقَاءَ لِيُبَيِّنَ كَذِبَ أَهْلِ الطَّبَائِعِ وَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=21وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ } .
حَتَّى لَا يُطْلَبَ إلَّا مِنْهُ ، ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يُظْهِرَ جَوَاهِرَ أَهْلِ الِابْتِلَاءِ فَقَالَ لِذَا اذْبَحْ وَلَدَك ، وَقَرَنَ هَذَا بِالْبَلَاءِ لِيَحْمِلَهُمْ عَلَى الدُّعَاءِ وَاللَّجَاءِ .
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْفُنُونِ : تَسْتَبْطِئُ الْإِجَابَةَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِأَدْعِيَتِك فِي أَغْرَاضِك الَّتِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَاطِنِهَا الْمَفَاسِدُ فِي دِينِك وَدُنْيَاك ، وَتَتَسَخَّطُ بِإِبْطَاءِ مُرَادِك مَعَ الْقَطْعِ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَمْنَعُك شُحًّا وَلَا بُخْلًا وَلَا نِسْيَانًا ، وَقَدْ شَهِدَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ مُرَاعَاتُهُ لَك .
وَلَا لِسَانَ يَنْطِقُ بِدُعَاءٍ ، وَلَا أَرْكَانَ لِعَبْدِهِ ، وَلَا قُوَّةً تَتَحَرَّك بِهَا فِي طَاعَةٍ مِنْ طَاعَاتِهِ ، فَكَيْفَ وَجُمْلَتُك وَأَبْعَاضُك وَقْفٌ عَلَى خِدْمَتِهِ ، وَلِسَانُك رَطْبٌ بِأَذْكَارِهِ ؟ لَكِنْ إنَّمَا أُخِّرَ رَحْمَةً لَك وَحِكْمَةً وَمَصْلَحَةً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إلَيْك بِذَلِكَ تَقْدِمَةً ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } .
وَأَنْتَ الْعَبْدُ الْمُحْتَاجُ تَتَخَلَّفُ عَنْ أَكْثَرِ أَوَامِرِهِ ، وَلَا تَسْتَبْطِئُ نَفْسَك فِي أَدَاءِ حُقُوقِهِ . هَلْ هَذَا إنْصَافٌ أَنْ يَكُونَ مِثْلُك يُبْطِئُ عَنْ الْحُقُوقِ وَلَا تُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِك ، ثُمَّ تَسْتَبْطِئُ الْحَكِيمَ الْأَزَلِيَّ الْخَالِقَ فِي بَابِ الْحُظُوظِ الَّتِي لَا تَدْرِي كَيْفَ حَالُك فِيهَا هَلْ طَلَبُهَا عَطَبٌ وَهَلَاكٌ ، أَوْ غِبْطَةٌ وَصَلَاحٌ .
[ ص: 281 ] وَقَالَ أَيْضًا بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6وَابْتَلُوا الْيَتَامَى } .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يُنَبِّهُك عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِنَفْسِك وَسِرِّك وَمَالِك ، بِالِاحْتِيَاطِ لِمَالِ غَيْرِك ، لَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْك ذَلِكَ التَّحَرُّزَ وَالتَّحَفُّظَ وَالِارْتِيَادَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الِانْتِقَادِ لِكُلِّ مَحَلٍّ تُودِعُهُ سِرًّا أَوْ مَالًا أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ ، أَوْ مَشُورَةٍ تَقْتَبِسُ بِهَا رَأْيًا ، وَنَبَّهَك عَلَى مَا هُوَ أَوْكَدُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ تَعْلَمَ بِأَنَّك وَإِنْ بَلَغْت الْغَايَةَ مِنْ الْفَهْمِ وَالْعَقْلِ وَالتَّجْرِبَةِ يَجُوزُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ تَقْصِيرَك عَنْ تَدْبِيرِ نَفْسِك ، فَإِذَا بَالَغَتْ فِي الدُّعَاءِ الْمَحْبُوبِ نَفْسَك جَازَ لَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعْطِيَك بِحَسَبِ مَا طَلَبْت ، وَلَا يُرْخِي لِذَلِكَ الْعِنَانَ بِحُكْمِ مَا لَهُ أَرَدْت ، بَلْ يَحْبِسُ عَنْك لِصَلَاحِك ، وَيُضَيِّقُ عَلَيْك مَا وَسَّعَهُ عَلَى غَيْرِك نَظَرًا لَك ; لِأَنَّهُ فِي حِجْرِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا دُمْت عَبْدًا .
فَإِذَا أَخْرَجَك عَنْ رِبْقَةِ التَّكْلِيفِ سَرَّحَك تَسْرِيحًا ، وَلَا تَطْلُبْ التَّخْلِيَةَ حَالَ حَبْسِك ، وَلَا التَّصَرُّفَ بِحَسْبِ مُرَادِك حَالَ حَجْرِك فَلَسْت رَشِيدًا فِي مَصَالِحِك ، فَكُنْ بِاَللَّهِ كَالْيَتِيمِ ، مَعَ الْوَلِيِّ الْحَمِيمِ ، تَسْتَرِحْ مِنْ كَدِّ التَّسَخُّطِ ، وَتَنْجُو مِنْ مَأْثَمِ الِاعْتِرَاضِ وَالتَّحَيُّرِ ، وَلَيْسَ يُمْكِنُك هَذَا إلَّا بِشِدَّةِ بَحْثٍ وَنَظَرٍ فِي حُبِّك وَقَدْرِك .
فَإِذَا عَلِمْت أَنَّك بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ الْإِلَهِيِّ دُونَ الْيَتِيمِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْوَلِيِّ بِكَثِيرٍ ، صَحَّ لَك التَّفْوِيضُ وَالتَّسْلِيمُ ، وَاسْتَرَحْت مِنْ كَدِّ الِاعْتِرَاضِ وَمَرَارَةِ التَّسَخُّطِ وَالتَّدْبِيرِ . وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=65وَكَفَى بِرَبِّك وَكِيلًا } .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي أَسْرِ الْأَقْدَارِ تُصْرَفُ فَإِنْ اعْتَرَضْت صِرْت فِي أَسْرِ الشَّيْطَانِ ، فَلَأَنْ تَكُونَ فِي أَسْرِ مَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْك خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي أَسْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا مَحِيصَ لَك عَنْهُ ، وَالْآخَرُ أَنْتَ أَوْقَعْت نَفْسَك فِيهِ . وَلَا أَقْبَحَ مِنْ عَاقِلٍ حَمَاهُ اللَّهُ وَحَجَرَ عَلَيْهِ حَمِيمُهُ نَظَرًا لَهُ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ عَدُوًّا بِقُبْحِ آثَارِ وَلِيِّهِ عَنْدَهُ ، وَيُسْخِطُهُ عَلَيْهِ لِيُفْسِدَ عَلَيْهِ مَعَ الْوَلِيِّ . وَذَكَرَ كَلَامًا كَثِيرًا .
[ ص: 282 ]
وَقَالَ أَيْضًا كُلُّ حَالٍ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَغْتَنِمَ تِلْكَ اللَّحْظَةَ فَإِنَّهَا سَاعَةُ إجَابَةٍ . فَحُضُورُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَلْبِ الْعَبْدِ حُضُورٌ وَاسْتِحْضَارٌ ، وَخَيْرُ أَوْقَاتِ الطَّلَبِ اسْتِحْضَارُ الْمُلُوكِ ، وَمَنْ اشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ فَدَعَا ، أَوْ اشْتَدَّ خَوْفُهُ فَبَكَى ، فَذَلِكَ الْوَقْت الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ فَإِنَّهُ سَاعَةُ إجَابَةٍ وَسَاعَةُ صِدْقٍ فِي الطَّلَبِ وَمَا دَعَا صَادِقٌ إلَّا أُجِيبَ . وَسَبَقَ مَا يُسْتَعْمَلُ لِإِزَالَةِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ قُبَيْلَ فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى دَعْوَةِ
ذِي النُّونِ عَلَيْهِ السَّلَامُ . وَيَأْتِي أَدْعِيَةٌ فِي فُصُولِ التَّدَاوِي .